لم أجد كيف أعرض هذا الكتاب القيم للقارئ الكريم... وهو الكتاب الذي قدمه أحد قامات الفكر في الوطن، أحسبه من مفكري الأمة فقد كتب مقدمته بحروف تكتب بماء الذهب في وصف دقيق وهو البروفيسور مبروك زيد الخير وهو الخير كله، وصاحب الكتاب هو سماحة الشيخ الفيلسوف رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المفكر البروفيسور عبد الرزاق قسوم.....فقد صدر الكتاب (أعلام ومواقف في ذاكرة الأمة) ضمن سلسة خطوات تُرى عن منشورات الشركة الوطنية للإعلام والنشر والإشهار ANEP. وغاص المؤلف فضيلة الشيخ عبد الرزاق في تفاصيل بعض رجال الأمة الإسلامية الذين صنعوا تاريخا يحكي إشراقات كانت إرثا زاخرا ثقافيا وحضاريا واجتماعيا بأرض الإسلام، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا ا تبديلا، بصماتهم تجلت في مرورهم الحضاري الذي وجد فيه صاحب الكتاب زخما هائلا من عطاءاتهم فوضع تلك الذاكرة تحت عناوين دقيقة على سبيل المثال: الشيخ عبد الحميد بن باديس (رجل كان أمة) والشهيد الفلسطيني أحمد ياسين (عريس في الجنة) والشيخ البشير الإبراهيمي (منور الأذهان وفارس البيان)، والشيخ محمد الغزالي (تأملات ومواقف )، والشيخ عدون سعيد شريفي (شمس الحياة تشرق من الجنوب)، والشيخ العقبي (رائد السلفية بالجزائر)، والشيخ سحنون (السر المكنون...في شخصية أحمد سحنون)، والشيخ العربي التبسي (العالم..الشهيد)، والشيخ أبي اليقظان (أحد رواد الإصلاح في الجزائر)، والشيخ المهدي البوعبدلي (متأبط قلم الترحال الثقافي )، والشيخ عبد القادر الياجوري (روح كبيرة في جسم نحيل) روجي غارودي (هل هو مسلم مجدد) (أم مبتدع متمرد..؟) محمد الصالح الصديق (الناسك في محراب العلم ) الدكتور أبو القاسم سعد الله (جبل من المعرفة) محمد الهادي الحسني (من وحي البصائر)، عمر بهاء الدين الأميري (دمعة على شاعر الإنسانية المؤمنة) هدى عماش (قاهرة الطغاة في الفرات) أحمد عرفي (المجاهد بالقلم والبندقية ) الدكتور محمد أركون (أفول الكواكب... في سماء الفكر) العالم المجاهد إبراهيم مزهودي (نسيه شعبه.....وذكره ربه...)، الشيخ الطاهر حراث سعيدي (نسيه المؤرخون....وخلده التاريخ) الشيخ عبد الرحمان شيبان (قوة الحق، وحق القوة)، القديس أوغسطين (بين جغرافية الانتماء...وتاريخ الولاء) والشيخ محفوظ نحناح (النجم الذي هوى.. أو الداعية اللبق والمحاجج الحذق). وقد كانت مقدمة الأستاذ د.مبروك زيد الخير لكتاب الذاكرة لصاحبه رئيس جمعية العلماء في تواضع تلميذ لشيخه وفي استحياء جم استجاب فقدم درره... فوجد في الكتاب سماحة الإسلام، ونفحات الإيمان، ومكنة الكتابة، ونصاعة الأسلوب، وجمال العبارة، وألق المعنى، ودقة الاستشهاد، وفصاحة المدلول، وإقناع العقل، و إشباع العاطفة، فهو التماع للفكر، وتعبير عن المطامح، وتبريز للنوابغ، وتثمين للمواقف، ورثاء للعظماء الألبّاء، والمميزين من المصلحين الأتقياء، والموهوبين من الكتاب والأدباء. جاء الكتاب لينفض الغبار، بالعبارات الفصاح، عن زعماء حركة الإصلاح، وما حباهم الله من مصابرة ومغالبة، في غير تزلف ولا مواربة، من رائد جمعية العلماء في التعليم العربي، والتوجيه الدّينيّ، وانتهاج منهج العرفان، إلى قوة الحق وحق القوة عند الشيخ شيبان. ثم عرج صاحب الكتاب على ثلة من نساج القوافي، بالتحليل المستوعب، والتعليق الوافي، فجاء ذكر شاعرية الأمين العمودي، وموهبته في الترجمة والصحافة، والتأمل في تدفق شاعرية الشيخ أحمد سحنون، وأثره في الدعوة والتآلف والوسطية، والإفاضة فيما تركه الشيخ أبو اليقظان في صحف بهية، وقصائد فتية، وما أُثر عن السائحي الكبير من شعر غزير ونفس إبداعي أثير، ونكت شهد بظرفها الكبير والصغير، ناهيك عن الرّقاء الشعري التعبيري عند بهاء الدين الأميري، وألمح في حصافة ومكنة، إلى فلاسفة وكتاب قدامى ومحدثين، اختلفت عندهم المشارب وتنوعت لديهم المآرب، ولكنهم التقوا على صفحة التاريخ الذي صنعوه، وتلاقح الفكر الذي دبّجوه، كعبد الله شريط، وحمودة بن ساعي، والقديس أوغسطين، وروجي غار ودي، وعبد القادر الياجوري، ومحمد الصالح الصديق، والجنيدي خليفة، ومحمد الطاهر العدواني، وحمودة سعيدي، ومحمد نسيب، وأبو العيد دودو، وسليمان الصيد وغيرهم. كما أشاد بالمؤرخين اللامعين الذين حافظوا على الأصالة، و عرفوا بالتاريخ، في فلسفة وتحليل وحيادية، من خلال تأليف الكتاب، ونشر المخطوط، وتدبيج المقالة كالمهدي البوعبدلي، وأبي القاسم سعد الله، ويحيى بوعزيز، ومحمد الهادي الحسني، ناهيك عن أصحاب التأثير الروحي كالشيوخ، عدون سعيد شريفي، ومحمد الغزالي، ومحفوظ نحناح وغيرهم. ولم ينس الكاتب العلماء المقهورين، كعالمة العراق هدى عماش، والشهداء المرضيين، كالشهيد أحمد ياسين، والرائد سي المختار، وأصحاب النفع الأثير للأمة، كالناشر الأريب، الحبيب اللمسي، وأصحاب الفضل المنسيين، كإبراهيم مزهودي والطاهر سعدي. ولم ينس آل البيت القسومي من ذوي القربى، فخصص لشقيقه المرحوم عمر قسوم، ما ينبئ عن الوقار والاحترام، و يعطي نموذجا لصلة الأرحام. إن عمل الدكتور قسوم لجدير بالاحترام لما يحويه من فائدة، وما يتضمنه من معلومات رائدة وهو المحسن في الكتابة، والمجيد في التدبيج، والمتذوق للأدب، شعره ونثره، في زمن كثر فيه الإدعاء الذميم، حين أصبح دعي العلم، يطاول ليلحق نفسه بذي النسب الصميم. ودكتورنا المؤلف من الأصلاء الراسخين، وأصحاب التّجربة والتمكين، فله الشكر على ما دبج وكتب وعلى ما نتج فأبدع، وما رصع فأمتع، وما أرخ في كتابه للأعلام، وما أبرزه من مبادئ عظام، ومن دعوة للعقلنة وتحفيز لتصور مشاكل الواقع وعراقيله وعقابيله، رجاء العمل على تغييره نحو الأفضل والأكمل، مما يكون سببا لتحفيز المواهب للعطاء، وسمو الهمم للزيادة، وشعور أصحاب الفضل والتميز، بأنهم مكفولون بالمعنى، وإن لم يكن التكفل بالمادة والمال إذ ربما يسعف النطق إن لم تسعف الحال. والكتاب في جملته دعوة للأمة، كي تلتفت إلى عباقرتها، وأصحاب المواهب والتأثير فيها فلا تتركهم لتآكل الزمان، وعوارض المحن، وصوارف الفتن، حتى إذا ما ولوا إلى كنف الغفار، واختارهم الله إلى الجوار، أقيمت لهم المحافل، ورفعت بذكر مآثرهم العقائر، وقد كانوا من قبل مرميين في تلافيف النسيان، لا يسأل عنهم قريب ولا صديق، وكأن أحدهم كما قال القاضي عبد الوهاب البغدادي مصحف في بيت زنديق. لذلك كان الكتاب الذي نقدمه له، ومضة تشرق بالاعتراف، ودعوة للمراجعة والإنصاف، حري بها أن تثمن وتذكر، وأن تنال حظها من العناية، وقدرها من الاهتمام...