يبقى مرضى السيدا من بين الفئات التي تتجرع معاناة قاسية على جميع المستويات بسبب عدم تقبل الكل للمرض الذي يرادف الموت لدى الكثيرين، وكذلك رعب الكل من العدوى مما أدى إلى نبذ المريض بالسيدا من طرف الجماعة، ولازال مرض السيدا من الأمور التي وجب التكتم عنها وعدم كشفها للآخرين ما أدى إلى انتشار المرض في مجتمعنا وظهور إحصائيات مرعبة في كل مرة تنحى منحا تصاعديا. نسيمة خباجة تعتبر الجزائر من بين الدول الأقل خطورة بالمقارنة مع دول إفريقية أخرى إلا أنه وجب عدم السكوت عن الوضع وكسر حاجز الصمت بغرض التوعية والتنبيه لاسيما وأن الكتمان عن المرض أدى في الكثير من المرات إلى ظهور حالات جديدة بسبب غياب التوعية وانتقال العدوى إلى الأصحاء، الأمر الذي يدعو إلى دق ناقوس الخطر في كل وقت وليس الاكتفاء بحمل الشعارات تزامنا مع اليوم العالمي لمرض الإيدز من كل سنة، تلك الشعارات التي لا تعرف تطبيقا على أرض الواقع، إذ تتواصل معاناة المرضى على جميع المستويات النفسية والاجتماعية وحتى الصحية، بحيث لا يحظون بالمعاملة اللائقة حتى على مستوى المستشفيات سواء الخاصة أو العمومية خوفا من التعامل معهم وخوفا على المعدات الطبية. "السيدا" لفظ منبوذ لا تتداوله الألسن من تفوه بكلمة سيدا التي تعني فيروس الإيدز وكأنما قال كلاما بذيئا وهي النظرية العامة في مجتمعنا، بحيث يكره الكل أن يسمع بالمرض مما أدى بالكثير من حاملي المرض إلى التكتم لتفادي رفضهم من طرف الجماعة وإحساسهم بالنقص والشعور بالانعزال عن العالم الخارجي، على الرغم من تسارع بعض الجمعيات إلى تغيير المفاهيم كونه مرضا لا يسهل انتقاله بسرعة وإنما عند الاشتراك في أدوات التحقين أو أدوات الحلاقة أو الدخول في علاقات جنسية مع حامل المرض دون علم الطرف الثاني، وعند التحقين بالمخدرات بالنسبة للمدمنين وغير ذلك وجب التعامل مع المريض كأي شخص عادي، إلا أنه ما هو شائع في مجتمعنا لا يتقبله العقل، ووصلت المفاهيم الخاطئة إلى الامتناع عن مصافحة أو تقبيل حامل المرض وهو أمر غير معقول تماما أدى إلى اكتساب عقد نفسية لدى حاملي المرض زادت من تدهور صحتهم وحالتهم الاجتماعية خصوصا وأن المسلمة الطاغية في مجتمعنا وللأسف تتمحور حول دخول المصاب أو المصابة في علاقات مشبوهة أكسبتهم المرض واتهامهم بالزنا، إلا أن واقع المرض يكشف إصابة مختلف الشرائح به حتى بعض المسنين المرضى بأمراض مزمنة اكتسبوا المرض من المعدات الطبية غير المعقمة بالنظر إلى خضوعهم الدوري للعلاج في المشافي. لذلك وجب تغيير الذهنيات والمساهمة في القضاء على العقد النفسية والاجتماعية لحاملي المرض لمساعدتهم وتشجيعهم على الكشف المبكر وخضوعهم إلى الرقابة الطبية في المراحل الأولى للمرض لأن عدم الإفصاح من الممكن جدا أن يؤدي إلى كوارث جمة على المريض وعلى المحيطين به الذين لا يعلمون بالمرض، ومرض السيدا لا يعني الموت الحتمي وهناك حالات حسب ما أكده مختصون طالت أعمارهم بإذن الله تعالى إلى 30 سنة بعد اكتشاف المرض في ظل أخذ العلاج والاحتياطات الضرورية ومنهم من يعيشون حياتهم بطريقة عادية، ومنهم حتى المتزوجون. لكن لا ننفي أن نظرة المجتمع هي نظرة دونية وتلاحق حامل المرض نظرات الاحتقار تارة والشفقة تارة أخرى ومن الواجب القضاء على تلك الدهنيات المتخلفة التي تزيد من تفاقم الوضع وخطورته كونها لا تشجع أبدا المريض على الإفشاء بمرضه وتلك هي الطامة الكبرى التي تؤدي إلى انتشار المرض وحمله من طرف آخرين. مستشفيات وأطباء يرفضون حاملي الفيروس يشتكي مرضى الإيدز من انعدام الرعاية الصحية ورفضهم من طرف المستشفيات وحتى الأطباء أو التعامل معهم بكل تحفظ، ما يؤكد أن مرضى السيدا لا يعانون فقط من النظرات السلبية التي تطالهم من أفراد المجتمع بل أنهم لا يتمتعون حتى بحقوقهم في العلاج كون أن هناك الكثير من الأطباء من غاب عنهم الضمير المهني وتناسوا أخلاقيات مهنة الطب بحيث يرفضون استقبال المريض خوفا على معداتهم على غرار أطباء الأسنان أو مراكز تحليل الدم، وإضافة على خوفهم على معداتهم فهم يتخوفون من انتقال المرض إليهم عند احتكاكهم بالمرضى لاسيما عند وجود احتكاك وتلامس مع دم المريض فكم من أم حامل مصابة بالمرض رفض استقبالها بمصحات عمومية وخاصة، ناهيك عن رفض استقبالهم بعيادات أخرى بمجرد اكتشاف المرض الذي يظهره الملف الطبي المرفق دوما مع المريض، تلك السلوكات الصادرة من طرف من هم أولى بحماية حامل الفيروس من شأنها أن تزيد من عمق الفجوة وانتشار المرض وتفاقم الوضع في حالة ما إذا لم تراع الحالة النفسية للمصاب بالسيدا، وتنهك حقوقه علنا مما يؤدي إلى إحباطه النفسي وإحساسه بالنقص. ذلك ما ناهضته الجمعيات وكذا المنظمات المساندة لمرضى السيدا في الجزائر التي أوصت بضرورة معاملتهم مثلهم مثل الآخرين مع ضرورة اتخاذ الإجراءات الضرورية في تعقيم لوازم العلاج لمنع انتقال المرض من شخص لآخر، خاصة وأن هناك أمراضا أخرى لا تقل خطورتها يحظى مرضاها بتعامل عادي مثل مرضى التهاب الكبد الفيروسي سريع العدوى في حال عدم تعقيم بعض المعدات الحساسة والمستعملة في العلاج، فكيف لحامليه أن يتمتعوا بالعلاجات بطريقة عادية ويستثنى مرضى السيدا من ذلك، ونفس المعاناة تتكبدها الحوامل المصابات بالمرض واللواتي يجدن صعوبة في التكفل بهن منذ الحمل وإلى غاية المخاض، بل حتى أن هناك مستشفيات تمتنع عن استقبالهم بدعوى اتخاذ الحيطة والحذر، وتفادي انتشار الفيروس فيما بين الحوامل الأخريات دون أدنى اعتبار لهضم حق شرعي والمراهنة بحياة الأم والجنين لا لسبب سوى لأنها أصيبت بمرض لم تختره هي وابتليت به، فنقص الرعاية الصحية وحتى الرفض والامتناع عن مداواة المرضى أدى إلى تفشي المرض وكان من الواجب تأدية الواجبات الطبية ومراعاة الجوانب الإنسانية إنقاذا للمرضى وليس تعريضهم إلى الخطر لمجرد احتمالات وتخوفات من حمل عدوى المرض والواقع يكشف رفض استقبال الحوامل في المصحات مما يعرض حياة الأم والجنين إلى الخطر. وعي وتضامن لدى فئة من الناس اقتربنا من بعض المواطنين تزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة مرض الإيدز لرصد آرائهم ومستوى ثقافتهم عن المرض، منهم من فر بمجرد سماع كلمة سيدا أو إيدز خاصة من كبار السن، لكن هناك من شده الموضوع لطرح فكرته ونظرته حول المرض الذي بدأ يتدحرج إلى الجزائر من دول إفريقية عبر الحدود، وبات يعد بالآلاف من المصابين وهي أرقام مرعبة تدعو إلى أخذ الحيطة والحذر. بحيث سألناهم عن طريقة معاملة حامل الفيروس إن هو فصح عن المرض للجماعة فاختلفت آراؤهم منهم السيد محمد طالب جامعي قال إن مرض السيدا هو من الطابوهات في الجزائر التي لا يمكن كشفها أو التحدث عنها أمام الجماعة، وقال إنه لو صادف واحدا منهم فمن المؤكد أنه سيتعامل معه بطريقة عادية لإبعاد العقدة عنه إلا أنه في نفس الوقت سوف يتخذ احتياطاته الضرورية في عدم ملامسة أشيائه الحساسة ولوازمه الشخصية، وغير ذلك فسيتجاوب معه كونه مرضا لم يختره المريض وابتلي به. أما الآنسة ياسمين فعبرت بالقول (مريض السيدا لازال يعاني في مجتمعنا لانعدام ثقافة الكل بحيث يرفض في الجماعة ويعزل المريض أحيانا حتى على مستوى العائلة أو الأقارب ويعامل بتحفظ، فما بالنا بالغرباء، لذلك وجب حماية حقوق هؤلاء والقضاء على نظرات النقص التي تلاحقهم والتي لا تضرهم هم فحسب بل تضر الجماعة، كونها ستؤدي إلى التكتم عن المرض خوفا من النبذ والعزلة، وقالت إنه يتخيل المرء منا إن حدث وحل المرض داخل العائلة فهل ستتبرأ العائلة من المريض بالتأكيد لا ووجب تطبيق نفس النظرية بمن نحتك معهم في المجتمع وتلاقينا معهم مصالح يومية، العينة التي احترنا لها هي لإحدى السيدات التي قالت إنها كانت على معرفة بإحدى المريضات التي توفيت وكانت تحمل الفيروس ولم تجد المسكينة حتى من يقوم بتغسيلها كشرط لازم قبل الدفن وتكفلت بذلك أمها بكل حسرة وألم والتي لازالت على قيد الحياة ولم تصب بعدوى المرض، بحيث تهرب من ابنتها المتوفية الجميع خوفا من حمل المرض حتى وهي جثة هامدة، وأضافت محدثتنا أنه وجب فك تلك الأفكار السوداوية والتعامل بطريقة عادية مع المرضى وعدم الزيادة في عنائهم ويأسهم وليحس الشخص منا بالمرض في نفسه فهل سيتقبل تلك المعاملات والتمييز عن الجماعة. ولا ننسى أن الكل معرض إلى حمل الفيروس في كل مكان سواء على مستوى المستشفيات أو أطباء الأسنان وغيرها من المواضع الحساسة جدا نتيجة عدم تعقيم المعدات الطبية أو أي أسباب أخرى.