لا يزال المصابون بمرض فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" أو "الإيدز" في الجزائر يعانون من هالة الجهل الكبيرة والغموض والتهويل المحيطين بالمرض، مما يدفع الناس إلى الخوف من التعامل معهم أو التحدث إليهم حتى في الإطار العلمي والمهني، الأمر الذي جعلهم عرضة للشعور بالنبذ والإقصاء الاجتماعي، ورغم أن آخر الإحصائيات قد أشارت إلى وجود 6 آلاف حامل لفيروس الإيدز، منهم 75 بالمائة انتقلت إليهم عبر العلاقات الجنسية، تليها نسبة 10 بالمئة بسبب إدمان المخدرات، في حين النسبة المتبقية سببها الأخطاء الطبية والمهنية وحالات غير معروفة. وتعدّ شريحة النساء الأكثر إصابة بهذا المرض بنسبة 59 بالمائة، وأمام كل هذه المعوقات يبقى مرضى الإيدز يعيشون في تحد مع الفيروس ويصارعون على عدة جبهات صحية ومهنية واجتماعية. تعتبر الحالة النفسية أهمّ مرحلة في أي علاج، فإذا كان المصاب يعاني من مرض يستعصي شفاؤه فحالته النفسية ومعنوياته المرتفعة تساعد في امتصاص التوتر والتخفيف من غضبه وقلقه واضطرابه، غير أن المصابين بمرض فقدان المناعة المكتسبة يعانون الأمرين بداية من صراعهم وآلامهم الجسدية مع المرض، بالإضافة إلى نظرات الاحتقار من العائلة، الأقارب والجيران. ولأن حالة الانهيار ملازمة لهؤلاء المرضى يظل غياب الدعم والمساندة الاجتماعية كابوسا يؤرقهم، لتزيد معاناتهم مع أطباء انتهازيين يسمسرون في مرضهم ويطالبونهم بدفع مبالغ باهظة تتراوح ما بين 3 و6 آلاف دينار مقابل الكشف الطبي أو قلع الأضراس.
أطباء يرفضون فحصهم إلى ذلك، كشف رئيس جمعية تضامن إيدز "حسان بوفنيسة"، أن جمعيتهم تلقت شكاوي عديدة من حاملين للفيروس يتلقون معاملات سيئة من أطباء أسنان طردوهم من عياداتهم بعد أن صارحوهم بإصابتهم بالمرض، وهو ما قد يدفع بعض المرضى الساخطين على هذه المعاملات غير الإنسانية إلى أن يتفادوا التصريح بإصاباتهم وبذلك تنتقل العدوى، ولذا يتوجب على الطبيب أخذ احتياطاته وتعقيم وسائله الطبية بعد علاج كل مريض سواء كان حاملا لداء فقدان المناعة المكتسبة أم لأمراض أخرى تفاديا لانتشارها وانتقال العدوى. وأشار "بوفنيسة" إلى أن جمعيتهم تحتوي على خلية قانونية لمتابعة الأطباء، وفي حال تسجيل تجاوزات على مريض يتم إبلاغهم فورا وتقييد شكوى ضده، وذات الصعوبات يواجهونها مع المختصين في أمراض النساء والولادة، حيث يتم طردُ السيدات الحوامل والمصابات بالسيدا -حتى ولو كنّ على وشك المخاض- من المستشفيات العمومية والعيادات الخاصة بمجرد كشفهن عن المرض. وحمَّل رئيس جمعية "تضامن إيدز" المستشفيات والعيادات مسؤولية تدهور صحة بعض المصابين بالمرض نتيجة غياب آليات وخطط للتعقيم، حيث أوضح أن هناك حالات استقبلتها الجمعية لمصابين بالإيدز انتظروا سنتين كاملتين لإجراء جراحة بسيطة، ونساء حوامل تم إخراجهن من العيادات ووضعن في البيوت، مضيفا أنه من حق المريض التكتم على مرضه وعدم كشفه لكن أخلاقيات المهنة تحتم على الطبيب التعامل مع الجميع دون استثناء وأخذ احتياطاته بالتعقيم في كل مرة. ولا يقتصر الأمر على الأطباء فقط، بل تتواصل معاناة المصابين بالإيدز حتى في صالونات الحلاقة، حيث يتم طردُهم لغياب جهاز التعقيم وخشية انتقال المرض عن طريق الشفرات والمقص، وتحرص جمعية "تضامن إيدز" على تنظيم حملات توعية في مراكز التكوين المهني بصفة دورية، إلا أن غياب التعقيم يبقى الخطر الكبير المحدق بهم فمعظم الحلاقين يستعملون ماء الجافيل في التعقيم متناسين أن حمض الكلور يتبخر بمجرد فتح القارورة ويزول مفعوله.
معرّضون لكل الأمراض ولأن مرض الإيدز يصنف من الأمراض المزمنة طويلة الأمد ولا يمكن الشفاء منه، يخلق احتياجات خاصة بالنسبة إلى المرضى الذين يتم فصلهم من العمل ولا يعود بإمكانهم تلبية رغبات عائلاتهم المادية، خاصة إذا ما كانوا أرباب عائلات، وتزداد الأمور تعقيدا في حالة ولادة أطفال مصابين أيضا بالداء. أما النساء فتتنكر لهن عائلاتهن ويطردونهن من المنازل ليصبحن بدون مأوى. وأشار رئيس جمعية "تضامن إيدز" إلى أن هناك حالات لمرضى استطاعوا العيش 20 عاما بعد إصابتهم بالمرض، إلا أنه من الضروري جدا أن يتخذوا الاحتياطات الضرورية فهم عرضة للخطر أكثر من الشخص العادي وأبسط مرض كالأنفلونزا قادرة على قتلهم، لذا يتوجب عليهم الخضوع للمراجعة الطبية كل 3 أشهر والمراجعة البيولوجية. ليواصل السيد بوفنيسة قائلا: هناك مضاعفات صحية ترافق المرض كالقلب، الكلى، الشلل... وهو ما يمكِّنهم من الاستفادة من الضمان الاجتماعي كون معظمهم من فئة البطالين، وهو ما دفع بالخلية النفسانية والاجتماعية في الجمعية إلى التكفل بمشاريع مصغَّرة يتم إنتاجُها في البيوت تساعد على إدماجهم في المجتمع وتحقق لهم الاستقلال المادي. الأطفال هم شريحة أخرى تعاني بفعل المرض، غير أن صغر سنهم وعدم وعيهم على حد قول رئيس جمعية "إيدز للتضامن"، يمكنهم من قضاء السنوات الأولى للطفولة بسلام، فيتلقون دراستهم بشكل عادي زيادة على العلاج الخاص بهم، غير أنه ببلوغهم سن الرشد يكتشفون حقيقة المرض عن طريق الاطلاع على نوعية الدواء الموصوف لهم أو أن يبلغهم أقاربهم بذلك. وأضاف المتحدث أن الجمعية ستقوم في الدخول المدرسي القادم سبتمبر 2013، بتقديم دعم وإعانات ل 100 طفل من المصابين بمرض الإيدز أو ينتمون إلى عائلة فيها مصاب، وهو ما سيمكِّنهم من الاندماج في الوسط التربوي بسرعة دون الشعور بأي نقائص.