استطلاع وتصوير: مالية كربوش في زيارة قادتنا إلى (بحيرة الرغاية)، شرق الجزائر العاصمة، استمتعنا خلالها برحلة سياحية أشبه ما تكون برحلة أحلام، ساقتنا إلى أجمل وأروع منطقة بيئية وسياحية متنوعة، أبدع الخالق في صنعها على وجه المناطق الرطبة بالجزائر والعالم على حد قول بعض الزوار والمسؤولون بالبحيرة، و(نهديكم) في هذا الاستطلاع رحلة مجانية لتغوصوا في أعماق وتصاميم هذه البحيرة الرائعة التي تحتاج إلى رعاية من قبل كل الهيئات المدنية السياسية كي تنمو وتترعرع وتعود بالفائدة على الإنسان والبيئة على حد سواء، ومما لا شك فيه أن من يزور البحيرة مرة سيعود إليها ثانية. بعد وصولنا إلى المركز البلدي لعلي خوجة، أول ما ثار انتباهنا هي تلك المنطقة الريفية الشاسعة الحجم التي تحيط بالبحيرة، حيث تضم أراضي زراعية كبيرة ومناطق رعوية تعود ملكيتها إلى هيئات عمومية وأخرى يملكها خواص، وانتبهنا إلى خلو المنطقة من العمران الكثيف والسكان سوى بعض البنايات القليلة التي بدأت تطال أرض المنطقة على خلاف مدينة الرغاية التي تشهد تجمع سكاني كبير، وهي تخلو من متطلبات الحياة من مدارس ومستشفيات ومراكز تجارية... إلخ، وعندما دخلنا البحيرة لم تغب أعيننا عن ذلك الطريق الطويل والضيق الذي خصص للراجلين والسيارات كذلك والذي ينتهي إلى البحر وتعلوه الغابة الخضراء. شساعة الزرقاء تحتوي البحيرة على مقاهي تقع في منطقة الإستراحة الإيبس غير مستغلة، وهناك مساحات مخصصة للأطفال قصد تمكينهم من اللهو، ويوجد مركز للحيونات يضم البط والطيور كالحجل، إلى جانب خيمات على الهواء الطلق وأثناء تجولنا بالبحيرة جذبنا صوت العصافير التي كانت تخيم على المنطقة الرطبة، فالأخضر والأصفر والأزرق هي الألوان التي طغت على المنطقة الرطبة بالرغاية والتي أثارت فينا مشاعر وأحاسيس كلها هدوء وراحة ورقة، فالمنطقة تبعد كل البعد عن الضجيج الصاخب للمدينة وسكانها وهوائها الملوث، أما مساحة البحيرة تقدر ب75 كلم2 وهي شاسعة زرقاء تمتد إلى البحر، فالمياه الملوثة في الجهة العلوية المقابلة للسكانات الفوضوية الصادرة عن المصانع وحتى المياه الملوثة للسكنات تصب في البحيرة، وتوجد فيها نباتات مائية وهي تلعب دور إيكولوجي حيوي في كونها مركز أو عش للطيور المائية المهاجرة التي تتغذى وتستريح وتعشش فيها، فالبحيرة توفر الغذاء والبيت والحماية والراحة لكل الحيوانات الموجودة فضلا في كونها منطقة عبور للطيور المهاجرة من أوروبا، وتتربع البحيرة على مساحة كبيرة قدرها 150 هكتار من جسر الرغاية إلى غاية البحر المعروف ( بالشط) وهذا ما يضيفها قيمة وأهمية كبيرة، أما الغابة هي نوع بيولوجي يريح ويهدئ الأعصاب وهي تتمثل في بعض بقايا الأدغال القديمة، وتعود أهمية الغابة في الحفاظ على توازن البيئة كونها تشكل حزام نوعا ما ضيق حول البحيرة يسمح بحماية جيدة للطيور وأنواع الحيوانات الأخرى وهي مخزن لعديد من النباتات والحيوانات في البحيرة التي هي الأخرى نوع بيولوجي خلاب وأخاذ. ما سر إهمال البحيرة الرائعة؟ وفي حوار شيق جمعنا مع السيد ( رامي عبا) وهو مفتش الغابات و ( أمينة بلعربي) مهندسة دولة في البيولوجية، استفسرنا حول عدم إستغلال البحيرة سياحيا وإقتصاديا وفتح أبوابها أمام المواطن الجزائري وحتى الأجانب لتوفير مناصب شغل والقضاء على البطالة وتمكينهم من التردد عليها لتصبح قبلة سياحية وطنية ودولية مشهورة، وقد كان جوابهما أن مركز تربية الحيوانات بالرغاية وجد أساسا لحماية ومراقبة التنوع البيئي خاصة الحيونات والنباتات والمياه.... إلخ، فهي توفر للحيوانات الغذاء والأمان، لكن على حد قول المهندسة إذا تم فتح المركز أمام المواطن الجزائري الذي لا يتمتع بتربية بيئية على حد قولها للمحافظة على ذلك التنوع الإيكولوجي، فهم لا يرأفوا بال بيئة، هذا ما يشكل خطرا على المهمة التي وضع من أجلها مركز تربية المصيدات فينعدم عنصر الأمان خاصة الحيوانات والطيور مما يؤدي إلى فرارها، من جهة أخرى يقول ( رامي ) أن منطقة الرغاية كانت تكتسي نظام غابات بما فيها الأدغال القديمة وكل الأنظمة البيئية الأخرى، لكن بقدوم الإستعمار الفرنسي جفف البحيرات والمناطق الأخرى طغى عليها العمران بينما البحيرة ليست معروفة من قبل كل الجمهور الجزائري العريض فعن سؤالنا هذا كان جواب أمينة ورامي أن السبب يعود إلى العشرية السوداء التي مرت بالجزائر، لذا نجد أن الأطفال يترددون عليها أكثر من الكبار، إضافة إلى انعدام الأمن بالمنطقة وتعرض الكثيرين إلى اعتداءات، فضلا عن نقص الإعلام وعدم اهتمامه كثيرا بهذه الثروة البيئية الساحرة. أهداف لم تجسد.. وعلى حد قول محدثينا فهم يسعون إلى إدراج المنطقة كمحمية طبيعية من خلال إدماج (إقليم بونطاح) و ( لاكوستنغ) ويعملون على توفير ظروف معيشية للحيوانات الموجودة فيها واستقبال وتربية الطيور والفرص الإقتصادية من خلال سياسة إدماج سكان المنطقة والموارد البشرية وتقوية المعاملات الوطنية والدولية في إطار حماية المنطقة ومساعدة الطلبة في إعداد البحوث العلمية، وفي نفس الصدد يرون أنه قصد تحقيق هذه الأهداف والارتقاء بالمنطقة سياحيا وجب العمل والتنسيق مع مختلف الهيئات التي لها علاقة بالمنطقة الرطبة من بينها والي الجزائر، المقاطعة الإدارية للرويبة، مدير منطقة هراوة، وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، وزارة البيئة وتهيئة الإقليم، وزارة الصيد البحري، الدفاع الوطني، وزارة الداخلية إضافة إلى وزارة السياحة. جمال خلاب أما عن أهمية الموقع حسب (أمينة بلعربي) من الناحية السياحية هو مكان هادئ يستقطب العديد من الزوار ويحتوي على جمال طبيعي خلاب وتنوع المناظر الطبيعية والمساحات الخضراء الواسعة، أما من الناحية الاقتصادية يرى (عبا) لابد أن تكون سياسة إدماج من خلال جلب سكان المنطقة قصد استغلال تلك الثروة كالحطب والحيوانات والنباتات مثلا، لكن دون التأثير على التنوع الإيكولوجي للبحيرة وهذا ما يعمل عليه المركز، وفي زيارة ميدانية للمحمية لاحظنا معرض كبير، الأول للبالغين والثاني للأطفال، فالمعرض الأول يضم ملصقات لكل من الأنظمة البيئية الخمسة (غابة، بحيرة، مستنقعات، كثبان، بحر) وموقع للبحيرة عبر مخطط (قوقل إيرث) إلى جانب مخططات للحيوانات التي تزخر بها البحيرة، ومخطط للأنواع المهددة بالإنقراض المصنوعة من الوبر والريش ومخططات تحوي على شعارات لإحتفاليات المناطق الرطبة الذي يصادف كل 2 فيفري من خلال اليوم العالمي للمناطق الرطبة فكل سنة يرفعون شعار، فهذا العام كان موضوع الإحتفالية حول شعار ( المناطق الرطبة تحمي مياهنا )، أما العام الماضي كان موضوع الإحتفالية ( الشجرة)، بينما السياحة كان موضوع اليوم العالمي للمناطق الرطبة العام الذي سبقه، أما المعرض الثاني فهو مخصص للأطفال ويحتوي على تنوع بيئي مصغر الذي تزخر به البحيرة نظرا لشساعتها، فالأطفال لا يستطيعون المشي فيها كلها والتعرف على كل أقاليمها، وهي فرصة لتوعيتهم أيضا بخطر التلوث البيئي والقضاء على الحيوانات والنباتات الطبيعية عن طريق مجسمات صغيرة كالثعابين المحنطة والحيوانات الاصطناعية كالفئران التي تنتج من التلوث، إضافة إلى النباتات المصبوغة، وهناك مركز للدراسات والتجارب والبحوث العلمية. تنوع بيئي وفي الأخير نشير إلى أن البحيرة تحتوي على نظام بيئي متنوع نظرا لتوفرها على معايير عالمية جعلتها ثروة طبيعية محمية ومصنفة ضمن (رامسار) وهي المنظمة المهتمة بتصنيف المناطق الرطبة المحمية التي انضمت إليها الجزائر في جوان 2003 فقد إنضمت الجزائر إلى اتفاقية ( رامسار) من خلال حمايتها من التلوث والبيئي والصيد العشوائي وحماية وتهيئة المنطقة كونها أحد المؤشرات التي تحدد مدى تدهور الوضعية البيئية في المعمورة وتساهم، حسب المختصين في التوازن البيئي لشمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، فالنظام البيئي البحري يسمى جزيرة (أكيلي) المعروف باسم (الشط) كذلك، تقدر مساحتها 90كلم2 وهي منطقة يتربع على عرشها 12 صنف من السمك وهي منطقة تعشيش لنوعين من الطيور كطير (القاق) و(النورس) وتحتوي على نباتات معشبة وفي مياه البحر 12 صنف، أما الكثبان الساحرة هي حاجز يفصل البحر والبحيرة يشمل على نباتات حلزة، هي مهمة نظرا لكونها مكملة للسلسلة الغذائية وتضمن التنوع البيولوجي، بينما المستنقعات هي نوع بيولوجي آخر مكون من المرج وحواف الماء، وهو موقع وسيط بين المرج والوديان، يضبط مياه الأودية وهو موقع مثالي لتعشيش أنواع كثيرة من الطيور، فالحيوانات أخذت نصيبها هي الأخرى من البحيرة فهناك الطيور التي قدرت ب206 صنف منهم 4 أصناف مهددة بالإنقراض مسجلة ضمن القائمة الحمراء الدولية، والأسماك نجدها في المياه العذبة وتضم المنطقة 233 صنف محماة من النباتات البرية ومنها الطبية على حسب قول مفتش الغابات منها ثلاثة أصناف في شمال إفريقيا وصنف نادر على السواحل والجزائرية من النباتات البحرية، أما وظيفة المصيدة تتمثل في الحفاظ على هذه الأنواع في كونهم أولا يعملون على أن تكون المنطقة والثروات الطبيعية محمية من طرف هيئات دولية ووطنية، بالتالي تخضع هذه الأنواع لقوانين دولية جزائرية كمصالح الأمن والشرطة القضائية هذا من الجانب القانوني. البحيرة ثروة طبيعية تسحر وتمتع كل من زارها وهي مريحة للنفوس، فهي رحمة من عند الخالق، لذا وجب تكاثف الجهود من طرف المواطن من جهة لحمايتها والحفاظ على كل ثرواتها الهامة، وزع ثقافة بيئية منها ثقافة النظافة لدى المواطن الجزائري، حتى لا تعود بالسلب على السياحة والاقتصاد، لأنها مساحة شاسعة ومنظر خلاب، من خلال فتح مناصب شغل جديدة تمتص البطالة التي تخنق الشباب الجزائري، واستغلالها سياحيا قصد النهوض بالقطاع السياحي في الجزائر وتنميته وتطويره، لأن وطننا كبير وجميل بموارده الطبيعية فهو يستحق حقيقة زيارة كل مناطقه الخلابة دون البحث عن وجهة لبلدان عربية أو أوروبية أخرى.