صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب تحت عنوان التمرد على الصهيونية في الأدب الإسرائيلي المعاصر.. دراسة بنيوية للقصص القصيرة الفائزة بجائزة هاآرتس للدكتور محمد عبود. في هذا الكتاب يوضح الباحث الدكتور محمد عبود أن الأدب العبرى المُجند بأنواعه المختلفة قد حظى بدراسات أكاديمية مصرية وفيرة مميزة منذ أواخر ستينيات القرن العشرين، حتى تراكمت معرفة لا بأس بها بالخطوط العامة والتفصيلية لهذا الأدب، ومحتواه الفكري وبنائه الفني، ففي ظل هذه الصراعات الداخلية والخارجية التي لا تهدأ أزاحت القصة القصيرة القصيدة جانبا، وأصبحت القصة القصيرة هي النوع الأدبي القادر على تلبية احتياجات المبدعين الإسرائيليين. كما يرصد الكتاب الاتجاهات الجديدة في هذا الأدب ولاسيما أنها في قطاع مهم منها اتجاهات متمردة على الصهيونية وترفع لواء الرفض والاحتجاج ضد كل ما تمثله الحركة الصهيونية وما ينبثق عنها. فيبدأ التمرد من مبارزة النص الديني التوراتي الذي اعتمدت عليه الصهيونية في تبرير احتلال فلسطين وينطلق لممارسة النقد الحاد والتمرد على سلطة الدولة وسلطة المجتمع، سلطة الدولة عن طريق ذبح البقرات الصهيونية المقدسة كالجيش الإسرائيلي ومؤسسات اليسار السياسي. كما لا يدخر الكتاب جهدا في إعلاء قيم التمرد على السلطة الأبوية وسلطة الأسرة والتمرد على سلطة الثقافة الغربية الاشكنازية السائدة والدعوة لاحترام وقبول الثقافة العربية التي ينتمي إليها اليهود العرب وهو أمر مستفز للطبقة الاشكنازية السائدة وللمؤسسة الحاكمة في إسرائيل. ويستكشف الكتاب روح التمرد على الصهيونية في الأدب الإسرائيلي المعاصر من خلال نوع أدبي له أهميته وحضوره السردي الكثيف على مسرح الآداب المكتوبة باللغات المختلفة ألا وهو القصة القصيرة. وأكد عبود أن القصة العبرية لا تتبوأ هذه المكانة من فراغ، فهي نوع أدبي قادر على حمل مختلف الهموم الاجتماعية والإنسانية، كما نجد القصة القصيرة أرضا خصبة في الساحة الأدبية المعاصرة التي تتأثر بالصراعات التي يخوضها المجتمع الإسرائيلي على مستوى المواجهة المباشرة مع العالم العربي وعلى المستوى الداخلي من المتقلبات داخل الكيان الإسرائيلي. وحول بنية الراوي والمروى عليه فهما لا غنى عنهما في القصة القصيرة حيث لا توجد قصة بدون راوي ينظم البنيات المختلفة في العقد السردي، فالراوي عنصر جوهري من عناصر البناء السردي. أما المحور الثاني هو محور الحكاية الذي يحيل على الواقع الحكائي بمرجعياته المختلفة أحداث وشخصيات وزمان ومكان. ومما يميز الرؤية السردية الداخلية في القصة العبرية القصيرة الفائزة بجائزة صحيفة هاآرتس في الفترة من1988-2007م أن القائم بفعل الحكي- السرد هو واحد من الشخصيات وغالبا ما تكون هي الشخصية المحورية في العمل القصصي، أما عن بنية الزمان والمكان فقد كان التعامل مع عنصر الزمن في الرواية التقليدية بطريقة واحدة هي عرضه بصورة خطية متسلسلة وفقا لتطور الحبكة وأما في الرواية الحديثة فغدا الزمن يحتل المكانة الأولى ويتمفصل في اتجاهات متعارضة أحيانا ومتوازية أحيانا أخرى وعلى الرغم من ذلك لا أحد يختلف على أهمية هذا العنصر بوصفه أحد العناصر البنائية الرئيسية التي ينهض عليها فن القص وما يتبع في النقد البنيوي المكتوب لدى العرب كما هو ما يتبع في النقد البنيوي بالعبرية. وتتناول القصص محل الدراسة عددا كبيرا من القضايا محل النقاش العام في إسرائيل مثل أزمة اغتراب المثقف الإسرائيلي المعاصر وأزمة الفرد وعلاقته بالهوية وصراع المرأة مع بقايا المجتمع الأبوي الذكوري وتجليات التطرف الديني ومظاهر الانحلال الخلقي لدى رجال الدين في المعاهد التلمودية العليا ومأل الصراعات القديمة الجديدة بين السفارد والاشكناز ووضعية فلسطينيي 1948 داخل النسيج الاجتماعي الإسرائيلي وأزمة الوعي لدى الجندي الإسرائيلي على خط المواجهة مع الفلسطينيين ومعاناة المهمشين والمحرومين في المجتمع الإسرائيلي الرأسمالي وغيرها من القضايا المهمة التي تفرزها طبيعة العلاقات داخل المجتمع الإسرائيلي المعاصر. ويبين الكتاب أن أدباء جيل الألفية ومن ضمنهم الأدباء الفائزون بجائزة هاآرتس عام 1998 -2007 هم أحدث تجليات معركة الأنا والنحن في الأدب العبري أنهم حملوا على عاتقهم مهمة تطوير القصة العبرية القصيرة على مستويين الفني والثيمائي وتمتعوا بجرأة شديدة وجهروا بصوت رافض وروح متمردة متوثبة تتبنى أفكارا ما بعد صهيونية وما بعد حداثية لم يتح لمن سبقهم تاريخيا من أدباء أن يعبروا عنها في أريحية. كما يرى الدكتور عبود أن مسابقة ها آرتس حظيت بمكانة محورية في الساحة الأدبية الإسرائيلي المعاصرة نظرا لانطلاقها من صحيفة نخبوية كبرى تتمتع باحترام شديد على المستوى الإسرائيلي وعلى المستوى الدولي. ومما يذكر أن الدكتور محمد عبود أكاديمي يدرس الأدب العبري في كلية الآداب بجامعة عين شمس المصرية.