بحث مؤتمر عمان الأول للسرد الذي انطلقت فعالياته بمسقط إشكاليات السرد العربي في ظل تحولات مسيرة الإبداع العربي المعاصر، محاولا تلمس أوجه قصور المنجز السردي العربي ومدى تفاعله مع قضايا المجتمع في عصر تثار فيه مسألة الهوية والاعتزاز بالذات. واختار المؤتمر الذي تنظمه الجمعية العمانية للكتاب والأدباء على مدى ثلاثة أيام عنوان "السرد وأسئلة الكينونة" كتيمة له، رابطا السرد بوصفه منجزا إبداعيا بالكينونة باعتبارها فعلا أنطولوجيا، ومستهدفا البحث في المقاربات التي تجمع بين السرد والكينونة للإجابة على مجموعة من الأسئلة والإشكاليات الأدبية. وفي ورقة له بعنوان "الرواية كتجربة للحرية.. الكاتب في مواجهة عصره" لخّص الروائي الجزائري واسيني الأعرج إشكاليات السرد العربي بأنها تكمن في الارتكان إلى الاستعارة لتغلف السرد بغلاف يظنه الكاتب فعلا حداثيا وهو ليس كذلك. وأوضح صاحب رواية "أصابع لوليتا" المرشحة لجائزة البوكر العربية لهذا العام، أن اللغة في الرواية الغربية تؤدي وظيفة واضحة تماما وتنسحب منها المحسنات، معتبرا أن حرية الكاتب تبدأ من خلال استخدامه اللغة التي كثيرا ما تفضح كاتبها وتختبر حريته. وأكد أن التكرار هو أبرز أوجه قصور السرد العربي، معتبرا أن رغبة الرواية العربية في الاستمرار والخروج من دائرتها الإقليمية إلى العالمية والإنسانية تحتم عليها الميل نحو لغة تجعل القارئ يشعر بأنه يقرأ شيئا جديدا ينتمي إلى كاتب وليس إلى سياق لغوي فقط. ودعا الأعرج الروائي العربي إلى الوضوح في سرده، وأن لا يدور في دائرة مغلقة تؤدي إلى إثقال النص بما لا يخدم الرواية، منوها إلى أن ما يعانيه السرد العربي من نمطية وتقليدية لا يشمل جميع النصوص في كل الأحوال. وعن حظوظ روايته "أصابع لوليتا" في مسابقة البوكر العربية قال إن كل الروايات الأخرى المشاركة متساوية الحظوظ، أما روايته فقد تناولت الكثير من القضايا الحية التي تعيشها الإنسانية كالعنصرية والمخدرات وتهريب الأسلحة والنصب والاحتيال وغير ذلك من خلال موضوع جديد على الاهتمامات الأدبية العربية مليء بالكثير من الحساسية والرهافة، وبهذا يعتبر عمله جديدا ومن نوع آخر. وفي سياق تفاعل السرد مع قضايا المجتمع، تحدث صاحب كتاب "قراءة في جدلية الرواية والدراية عند أهل الحديث" الدكتور زكريا المحرمي. ويرى المحرمي أن أغلب أطياف السرد العربي تعاملت مع القضايا الاجتماعية، لكنها بصورة أقرب إلى الخيال والفنتازيا وبعيداً عن الواقعية في الطرح. وأضاف أن العمق غائب في الكثير من الأطروحات العربية التي عالجت القضايا الاجتماعية، وذلك بسبب غياب البعد الفكري والفلسفي لكثير من كتاب الرواية والقصة العربية، على حد قوله. وعدّد قصور السرد العربي باتسام النصوص السردية بالمحلية والخصوصية القطرية المبالغ فيها، وقصور البعد المعرفي في الكثير من النصوص السردية العربية المطروحة، وعدم وجود عمل مؤسسي لرعاية النصوص السردية العربية. كما تحدث للجزيرة نت الشاعر والروائي التونسي منصف الوهايبي صاحب رواية "هل كان بورقيبة يخشى حقا معيوفة بنت الضاوي"، مشيرا إلى أن قصور السرد العربي يكمن في السارد باعتبار أنه لم يتمكن من إيجاد الخيط الفاصل بين لغته المحكية واللغة العربية، داعيا إلى "تمرد على قدسية اللغة لكتابة سرد إبداعي". أما الشاعر الإماراتي سيف بن محمد المري رئيس تحرير مجلة دبي الثقافية الذي تم تكريمه بالمؤتمر لإسهاماته الثقافية، فيرى أن خصوصية الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي والأزمات التي تعيشها المنطقة العربية أعاقت مسيرة السرد العربي، خصوصا وأن الإعلام العربي في غالبيته إعلام رسمي. ومن جانبه يرى القاص العماني محمود الرحبي الفائز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب على مجموعته القصصية "ساعة زوال" أن السرد العربي يشهد نوعا من العنفوان على مستوى الكم، غير أن مسألة النوع هي التي تمايز بين كاتب وآخر. ودعا الرحبي الكتّاب العرب لقراءة التاريخ العربي بشكل عميق وفهمه للانطلاق منه نحو صياغة كينونة جديدة في مرحلة ما بعد الثورات العربية.