قبل أزيد من عقد ونصف من الزمن لم تكن الفتاة السنغالية أندي جوب تمتلك خلفية عن الحجاب وقيمته في حياة المرأة المسلمة، رغم كونها تربت في حضن أسرة مسلمة تحافظ على شعائر الإسلام. وتقول أندي إن قصتها مع الحجاب تعود إلى أيام دراستها بالمرحلة الثانوية، حين حضرت ذات يوم درسا عن الحجاب لأحد التلاميذ المنتسبين لرابطة الطلبة والتلاميذ المسلمين بالسنغال، مضيفة أن هذا الدرس الوعظي أعطاها شعورا قويا بضرورة تغيير هيئة لبسها (امتثالا لشرع الله). وتضيف أن الحاجز الذي يمنع الكثير من الفتيات السنغاليات من ارتداء الحجاب (يعود في الأساس لجهلهن بكونه فريضة شرعية للمرأة المسلمة، وليس زيا خاصا بمجتمع معين كما يعتقد المجتمع السنغالي). ويشهد الإقبال على الحجاب في صفوف النساء السنغاليات تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ويعزو مراقبون هذا التوجه إلى عاملين: تأثر السنغاليات -خاصة المتعلمات منهن- ب(تيار الصحوة) في البلاد، وبالدعوات المتكررة لمشايخ وأئمة البلاد للابتعاد عن ارتداء الأزياء الدخيلة، التي تتعارض مع قيم المجتمع. وتأتي ظاهرة عدم الاحتشام في طليعة مظاهر الفساد الأخلاقي التي يحاربها المتدينون وزعماء الطرق الصوفية في البلاد. وقد منعت مدينة طوبى -التي تعتبر محل إقامة خلفاء الطريقة الصوفية (المريدية)- النساء من لبس الثياب غير المحتشمة. كما تمنع مدينة تيووان -وهي أحد معاقل الطريقة (التيجانية) بالسنغال- لبس الأزياء غير المحتشمة في المواسم الإسلامية. ويرجع رئيس (التجمع الثقافي الإسلامي بالسنغال) مختار كبي بدايات ظهور الحجاب في المجتمع السنغالي إلى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي (حيث عرفت الأوساط الجامعية انتشارا للظاهرة بسبب نفاذ تيارات الصحوة الإسلامية إلى الوسط الجامعي). ويرى كبي أن خطاب تيارات الصحوة الإسلامية آنذاك (كان يقوم على أهداف تسعى لبناء الشخصية الإسلامية من خلال الاهتمام بالقيم الإسلامية كالحجاب والالتزام، مما جعل الدعوة للحجاب تلقى استجابة في أوساط الطالبات). ويلفت إلى أن الدعوة للحجاب اصطدمت في البداية بالمعارضة الشديدة للتيارات العلمانية بالجامعة، قبل أن يصدر مشايخ البلاد وزعماء الطرق الصوفية فتاوى تمنع مضايقة المتحجبات. ويشير إلى أن (مبررات الإنكار التي رفعها العلمانيون ساعتها ضد الحجاب كونه عادة عربية دخيلة)، مبرزا أن المجتمع السنغالي التقليدي يؤيد ثقافة الاحتشام بشكل عام. بدوره يُفسر رئيس (رابطة الأئمة والدعاة بالسنغال) أندام أنجاي الإقبال على الحجاب ب(حب السنغاليين للإسلام، فالسنغاليون يحبون الإسلام ويعتزون به لكنهم يجهلون بعض تعاليمه)س. ويضيف (مما أعطى الظاهرة زخما شعبيا في السنوات الأخيرة حالة الاشمئزاز السائدة في المجتمع السنغالي من انتشار ظاهرة التفسخ)، معتبرا (أن عاملي انتشار المؤسسات التعليمية الإسلامية من جهة، وانفتاح الإعلام السنغالي في السنوات الأخيرة بكل أطيافه على البرامج الدينية من جهة أخرى أتاحا فرصة كبيرة لتعريف المجتمع السنغالي على الحجاب).