تستعد السينغال لانتخابات رئاسية ينتظر أن تجرى في فبراير 2012 القادم، ويتوقع أن يكون حضور الطرق الصوفية فيها بارزا وقويا، كما وقع في رئاسيات 2000. فقد صار من شبه المألوف أن يعتمد هذا المرشح الرئاسي أو ذاك على هذه الطريقة الصوفية أو تلك، بحيث تشابكت العلاقة بين ما هو ديني صوفي وسياسي في السنغال. فمن أين استمدت هذه الطرق أهميتها؟ وكيف يأخذ الدين مكانة سياسية مؤثرة في دولة علمانية؟ ولماذا يطبع التودد والتلاحم العلاقة بين الساسة السنغاليين وبين مشايخ الصوفية؟ تاريخ ديني متصل بالحاضر السينغال كغيره من بلدان إفريقيا الغربية، له تاريخٌ ضارب في العمق مع التصوف، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، قوي النشاط الدعوي لمشايخ الصوفية، وشهدت البلاد ما يعتبره أتباع هؤلاء الرجال موجتي تجديد في العقيدة الإسلامية، عرفتا على التوالي بتسميتي "التيجانية" و"المريدية"، وهما طريقتان صوفيتان حاضرتان في البلد. أسماء بارزة تمتلئ بها عقول وقلوب السينغاليين، ويكنون لها احتراما خاصا: الشيخ عمر تال الفوتي والحاج مالك سي والشيخ أحمدو بامبا إمباكي، والشيخ إبراهيم انياس... إنهم آباء الصوفية في مجتمع تتجاوز فيه نسبة الإسلام التسعين بالمائة. وما تزال غالبية المسلمين في السينغال مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بزعيم ديني (شيخ) ويرتبط كل الشيوخ عادة وإن بدرجات متفاوتة بإحدى الطرق الدينية، وبالتالي وجد أغلب الناس أنفسهم على صلة بطريقة من تلك الطرق. وقد تكون تلك الصلة مبنية على مجرد التعاطف أو قائمة على تبعية حقيقية. وبلغ هذا الارتباط درجة بات معها أي مهتم أجنبي بالشأن الداخلي في السنغال، يبادر أي مسلم سنغالي يلتقيه بسؤاله: هل أنت تجاني أم مريدي؟ منظرو الصوفية في السينغال يعتقدون أن التصوف جاء لربط الصلة بالخالق بشكل حميمي وشخصي، ومن هنا نشأت الطرق الصوفية التي قدمت لنا فيما بعد على أنها "طرق خلاص الروح"، بيد أن كل طريقة تحمل اسم مؤسسها الذي كان وراء المذهب المأخوذ من الإسلام. والطرق الصوفية عبارة عن مدارس للفكر الإسلامي يقود كلا منها شيخٌ ديني يساعده مستشارون، وهذا الشيخ يملك صلاحية تعليم الطلاب وسلطة اعتماد تبعية الأعضاء الجدد في الطريقة، ولكل شيخ "وِرْده" الخاص به. يمثل التيجانيون في السينغال 51% من مسلمي هذا البلد، وقد أسس التيجانية الشيخ سيدي أحمد التيجاني (أبو العباس)، المولود سنة 1737م في عين ماضي بالجزائر والمتوفي سنة 1815 في فاس بالمغرب. وتتمثل مبادئ التيجانية في التعاليم الدينية التقليدية للإسلام، يضاف إلى ذلك حفظ أذكار مأخوذة من موروث إسلافهم مثل "صلاة الفاتح" بدل "الصلاة الإبراهيمية" ويتنادى الأتباعُ إلى المسجد قبيل صلاة المغرب لترديد صلاة الفاتح جماعياً، ونصها "اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لِما أُغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم". ويروُون أن هذا النص أخذه الشيخ أحمد التيجاني في رؤيا التقى فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم. ويتم اعتماد التبعية للتيجانية من الزعيم الديني (المقدّم) إلى التابع (الطالب) الذي يمنح له الوِرْد التيجاني. دخلت التيجانية إلى السينغال حوالي سنة 1835 ميلادية على يد الزعيم الديني البارز: الشيخ عمر تال الفوتي (1799 1864) وأخذ المشعل من بعده الحاج مالك سي (1855 1922). وقد قام هذا الأخير بنشر الطريقة في بلاد "الولوف" (السنغال) وفي سنة 1902 استقر بشكل نهائي في تيواوون (وسط السنغال) التي تحولت في عهده إلى إحدى عواصم التيجانية في البلد، وكذلك صارت مركزا لتعليم الثقافة الإسلامية، بإنشاء مدارس قرآنية تسمى كل منها "الدائرة".. إلا أن التيجانيين مجمعون على أن انتشار التيجانية في القارة الإفريقية كان على يد الشيخ إبراهيم انياس الذي يتبع له الملايين في نيجيريا وفي العديد من دول العالم، مع حضور محدود في السينغال، وتحديدا في منطقة كولخ حيث مسجده وضريحه. المريدية.. الصوفية بطابع سنغالي المريدية فصيلٌ صوفي حديث، ومحلي النشأة وتعني الرغبة في الله (مريد الله)، وقد أسسها ودرَّسها الشيخُ السنغالي أحمدو بمبا امباكي.. وهي عبارة عن مجموعة من الممارسات الثقافية والقواعد السلوكية، ويقول عنها الباحث محمدو جينغ "إنها طريقة تقوم على حب وتقليد الرسول صلى الله عليه وسلم، وغايتها بلوغ الكمال الروحي. إنها نمطُ حياة وجملة من المعتقدات والممارسات الثقافية المأخوذة من السنة". دخل الشيخ أحمدو بمبا (1850 1927) الطريقة القادرية أولا، في مدينة سان لويس بالسينغال، على يد الزعيم الديني الموريتاني الشيخ سيديا. ثم أسس المريدية حوالي 1880 (تقوم على التجربة والحياة الإيمانية الذاتية، وهي سبيل للقاء الله والتحرر من الماديات) بحسب مؤلفات مؤسسها. وتعتبر مدينة طوبا مدينة المريدين المقدسة، ويجب على الطالب "المريدي" أن يعمل من خلال ممارساته وحياته اليومية، على التقيد بالدين عبر جهاد نفسه بشكل دائم لتحريرها من نواقصها. وتقدر نسبة معتنقي الطريقة المريدية اليوم بحوالي 30% من مجموع مسلمي السينغال البالغين 90% من مجموع سكان البلد، لكنهم يتميزون بالوفاء الأعمى لتوجيهات شيخهم ومن يخلفه. * كل طريقة تحمل اسم مؤسسها الذي كان وراء المذهب المأخوذ من الإسلام. والطرق الصوفية عبارة عن مدارس للفكر الإسلامي يقود كلا منها شيخٌ ديني يساعده مستشارون، وهذا الشيخ يملك صلاحية تعليم الطلاب وسلطة اعتماد تبعية الأعضاء الجدد في الطريقة، ولكل شيخ "وِرْده" الخاص به.