شروط خيالية للحصول على منحة لا تتعدى 4 آلاف دينار (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء) مثل عادة ما يقال عند رؤية حالات مصابة بأمراض مستعصية تلهث باحثة عن الشفاء بكل الطرق، وأكثر الحالات بؤسا في الجزائر هم فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين لا أحد يتذكرهم إلا خلال يومين في السنة، العيد الوطني والآخر العالمي، وماعدا التكريمات خلال هذين المناسبتين، فإن المعاق يجد نفسه في مواجهة التهميش والإقصاء على طول العام، فلا حقوق ولا تكفل في ظل وعود تتجدد كل مارس أو ديسمبر.. مليكة حراث نقلت (أخبار اليوم) في الآونة الأخيرة، عدة نداءات عاجلة من جزائريين وجدوا أنفسهم محاطين بالتهميش والإقصاء لأسباب تبدو غامضة، وإن تعددت أسماء هؤلاء المواطنين الذين اتصلوا بنا، فإن مواضيع نداءاتهم هي نفسها، وكلمات التظلم تبقى تطبع لسان حالهم، فكيف أصبحت وضعية ذوي الاحتياجات الخاصة في هذه الحالة السيئة؟ الإعاقة لم تكن حاجزا أمام الآلاف من الجزائريين للبحث عن حل للخروج من هذه الدائرة، إلا أنهم وجدوا جدار صد أكثر صلابة من إرادتهم، فالتهميش والإقصاء عملة يومية متداولة عند السلطات وفي المجتمع حدث ولا حرج عن نظرة دونية تذيب الحديد على نار هادئة.. فأكثر من مليوني معاق في الجزائر حسب الإحصاءات الأخيرة، نسبة كبيرة منهم تعيش في ظروف قاهرة، خاصة الأطفال في البيئات الفقيرة، أين تجد الأسرة نفسها في مواجهة الفقر وتبعات الإعاقة.. والمنحة المالية المقدمة لهذه الفئة لا تسمن ولا تغني من جوع، ورغم أن السلطات الوصية وعدت في العديد من المرات بمراجعة هذه المنحة ورفعها، إلا أن الواقع لا يزال على حاله، فبين ظلم السلطات وقهر المجتمع يظل المعاق في الجزائر محاصرا بتمييز جسدي يقتل فيه كل أمل للظفر بفرصة أخرى في هذه الحياة، ولكن .. التقينا ببعض المواطنين من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين عبرت أعينهم قبل السنتهم، بقصص تفيض بالمعاناة وبالذل المنقوش على عتبات يومياتهم، فحتى المنحة المالية الهزيلة الممنوحة لهم لا تصل إلى جيوبهم إلا بعد مشوار طويل مع الكر والفر، حتى أن البعض منهم تنازل عنها لعدم قدرته على المشاركة في السباق نحو الظفر بمنحة 4 آلاف دينار.. (جمال. ف) من البليدة أحد المستفيدين من المنحة المنصوص عليها بموجب إصابته بإعاقة حركية كاملة بنسبة 100 بالمائة، قال إن حصوله على المنحة كان بعد انتظار استمر أزيد من 20 سنة، سدت في وجهه كل أبواب العمل، باعتباره أساس الاندماج الاجتماعي السوي، عانى خلالها كل أصناف الحرمان، والآن، فإن هذه المنحة التي تحل جزءا صغيرا من أزمته المالية الخانقة، ليست الحل الأمثل، لأن ما يحتاجه المعاق فعلا هو فرصة عمل، وقانون يحمي حقوقه، قبل كل شيء، حتى لا يعيش عالة على أحد، ولا تجرفه دوامة الضياع أبدا. وكانت وزارة التضامن الوطني، قد أقرت مرسوما حكوميا يقضي بإجبار المؤسسات -سواء كانت خاصة أو عمومية- على توظيف 1 بالمائة من المعاقين الجزائريين من أجل تقليص الهوة الحادثة في مجال الشغل بين الحق في حصول المعاق على فرصة عمل، مثله مثل أي إنسان، وبين النظرة الدونية التي يقابله بها أصحاب المكاتب والشركات، كما أقرت إجراءات ردعية، قوامها العقاب لكل شركة تخالف التعليمات، أو تصل الوزارة شكوى ضدها بأنها قامت بالتمييز بين المتقدمين إلى سوق العمل لديها، على أساس السلامة الجسدية من الإعاقات المختلفة، دون النظر إلى حقيقة الكفاءة بين المتقدم المعاق والسليم. كما أن هناك مرسوما آخر يتعلق بتخفيضات لفائدة المعوقين في قطاع النقل، تتراوح بين 50 و100 %، سواء النقل البري أو الجوي، ويمتد هذا الإجراء إلى الخطوط الدولية في بعض الحالات، ومرسوما تنفيذيا يتعلق بمسألة غالبا ما يطرحها الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة، ويتعلق الأمر بصعوبة دخول مبان رسمية وحتى العمارات التي لا تتوفر أغلبيتها على ممرات خاصة، وآخر مرتبط بتخفيضات لصالح الأشخاص المعوقين في إيجار المساكن. لكن كل هذا لم يغلق باب التخوف في نفوس المعاقين، بعد ملاحظتهم البطء الميداني الشديد في تنفيذ قانون إجبارية المؤسسات على توظيفهم، حيث أشار عدد منهم إلى أن عددا من الشركات والمكاتب التي قصدوها رفضت طلباتهم بحجة الإعاقة، دون أن تلقى احتجاجاتهم آذانا صاغية، أو تلقى شكاويهم تجاوبا رسميا من أجل تطبيق هذا المرسوم الإجباري. وقد عبر بعضهم ل(أخبار اليوم) عن ضجرهم من بطء تطبيق القانون الذي أقرته وزارة التضامن، والقاضي بمنح المعاق امتيازات جديدة في مجال الشغل، الحلم الذي كادوا ييأسون من تحققه في يوم من الأيام، فكل المؤسسات ترفضهم، بمجرد النظر إلى إعاقتهم الجسدية الظاهرة، أو الاطلاع على ملفاتهم الطبية أو الاجتماعية المقدمة إليها، وخاصة المؤسسات الخاصة، حيث يعتبر أربابها المعاق مصدر تعب، وعرقلة لوتيرة الإنتاج، لا غير، فهل من مجيب لهذا النداء؟