بوتفليقة.. مسار نضالي فريد من نوعه يطفئ رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بعد أيام قليلة يوم الأحد القادم شمعته الرابعة والسبعين وسط ظروف متميزة جدا تمر بها الجزائر يبدو أنها كانت دافعه الأكبر نحو الترشح لعهدة رئاسية جديدة، وفق ما أعلنه الوزير الأول عبد المالك سلال أمس السبت، ليواصل بوتفليقة، بذلك مساره النضالي الفريد من نوعه من أجل جزائر أفضل، ويُنتظر أن يكون الاستقرار والاستمرار عنوانا كبيرا للعهدة الرابعة لبوتفليقة. عبد العزيز بوتفليقة ولد بتاريخ 2 مارس 1937 ودخل مبكرا الخضم النضالي من أجل القضية الوطنية. ثم التحق، في نهاية دراسته الثانوية، بصفوف جيش التحرير الوطني وهو في التاسعة عشرة من عمره في 1956. نضال مبكر.. هكذا بدأ بوتفليقة نضاله من أجل الجزائر باكرا، وكان له أن أنيط بمهمتين حينها، بصفة مراقب عام للولاية الخامسة، أولاهما سنة 1957، والثانية سنة 1958، وبعدئذ مارس مأمورياته، ضابطا في المنطقتين الرابعة والسابعة بالولاية الخامسة. ألحق، على التوالي، بهيئة قيادة العمليات العسكرية بالغرب، وبعدها، بهيئة قيادة الأركان بالغرب ثم لدى هيئة قيادة الأركان العامة، وذلك قبل أن يوفد، عام 1960، إلى حدود البلاد الجنوبية لقيادة (جبهة المالي) التي جاء إنشاؤها لإحباط مساعي النظام الاستعماري الذي كان مرامه أن يسوم البلاد بالتقسيم. ومن ثمة أصبح الرائد عبد العزيز بوتفليقة يعرف باسم (عبد القادر المالي). وفي عام 1961، انتقل عبد العزيز بوتفليقة سريا إلى فرنسا، وذلك في إطار مهمة الاتصال بزعماء الثورة التاريخيين المعتقلين بمدينة (أولنوا). في 1962، تقلد عبد العزيز بوتفليقة العضوية في أول مجلس تأسيسي وطني، ثم وُلي، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وزيرا للشباب والسياحة في أول حكومة جزائرية بعد الإستقلال. وفي سنة 1963، تقلد العضوية في المجلس التشريعي قبل أن يعين وزيرا للخارجية في نفس السنة. في عام 1964، انتخب عبد العزيز بوتفليقة من طرف مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني، عضوا للجنة المركزية والمكتب السياسي. شارك بصفة فعالة في التصحيح الثوري ليونيو 1965 ثم أصبح عضوا في مجلس الثورة تحت رئاسة هواري بومدين. جعل عبد العزيز بوتفليقة من منصب وزير الخارجية، إلى غاية 1979، نشاطا دبلوماسيا أضفى على بلاده إشعاعا ونفوذا جعلا من الجزائر دولة رائدة في العالم الثالث ومن ثم متحدثا تصغي إليه القوى العظمى. هكذا حدد عبد العزيز بوتفليقة مسار الدبلوماسية الجزائرية التي لم تحد عنه إلى يومنا هذا والذي يقوم على احترام القانون الدولي ومناصرة القضايا العادلة في العالم. الدبلوماسي المحنك أعطى عبد العزيز بوتفليقة، الدبلوماسي المحنك والمعترف باقتداره وتضلعه، السياسة الخارجية دفعا خلال أزيد من عقد من الزمن أدى إلى نجاحات عظيمة بما في ذلك توطيد الصفوف العربية خلال قمة الخرطوم سنة 1967، ثم إبان حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، والاعتراف الدولي للحدود الجزائرية وإقامة علاقات حسن الجوار والإخوة مع البلدان المجاورة وكذلك إفشال الحصار الذي فرض على الجزائر بعد تأميم المحروقات. كما قام بدور ريادي في تقوية تأثير منظمات العالم الثالث وتعزيز عملها الموحد خاصة بمناسبة انعقاد قمتي منظمة ال77 ومنظمة الوحدة الإفريقية في الجزائر في 1967 و1968 على التوالي. كما جعل من بلاده أحد رواد حركة عدم الانحياز ودافع باستمرار عن حركات التحرر في العالم. هكذا أصبحت الجزائر الناطق باسم العالم الثالث ولاسيما في ندائها بنظام اقتصادي دولي جديد. انتخب عبد العزيز بوتفليقة بالإجماع رئيسا للدورة التاسعة والعشرين لجمعية الأممالمتحدة سنة 1974 ونجح خلال عهدته في إقصاء إفريقيا الجنوبية بسبب سياسة التمييز العنصري التي كان ينتهجها النظام آنذاك، ومكن، رغم مختلف المعارضات، الفقيد ياسر عرفات، زعيم حركة التحرير الفلسطينية من إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما ترأس الدورة الاستثنائية السابعة المخصصة للطاقة والمواد الأولية التي كانت الجزائر من بين المنادين لانعقادها. ابتعاد.. ثم عودة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين في 1978، وبحكم العلاقة الوطيدة التي كانت تربطه به، ألقى كلمة وداع بقيت راسخة في الأذهان. لكنه أصبح في ذات السنة الهدف الرئيسي لسياسة (محو آثار الرئيس هواري بومدين) حيث أرغم على الابتعاد عن الجزائر لمدة ست سنوات. عاد بوتفليقة إلى الجزائر سنة 1987، حيث كان من موقعي (وثيقة ال18) التي تلت وقائع 05 أكتوبر 1988. كما شارك في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني في 1989، حيث انتخب عضوا للجنة المركزية. بعد ذلك اقترح عليه منصب وزير-مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة وهو هيئة رئاسية انتقالية تم وضعها من 1992 إلى 1994 ثم منصب ممثل دائم للجزائر بالأممالمتحدة لكنه قابل الاقتراحين بالرفض. كما رفض سنة 1994 منصب رئيس الدولة في إطار آليات المرحلة الانتقالية. في ديسمبر 1998 أعلن عن نية الدخول في المنافسة الانتخابية الرئاسية بصفته مرشحا حرا. وانتخب في 15 أفريل 1999 رئيسا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. جدد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حال توليه مهامه، تأكيد عزمه على إخماد نار الفتنة وإعادة الأمن والسلم والاستقرار. وباشر في سبيل ذلك مسارا تشريعيا للوئام المدني حرص على تكريسه وتزكيته عن طريق استفتاء شعبي نال فيه مشروع الوئام أزيد من 98 بالمائة من الأصوات. ولما أخذ الأمن يستتب تدريجيا، تأتى للرئيس بوتفليقة الشروع، على المستوى الداخلي، في برنامج واسع لتعزيز دعائم الدولة الجزائرية من خلال إصلاح كل من هياكل الدولة ومهامها، والمنظومة القضائية والمنظومة التربوية، واتخاذ جملة من الإجراءات الاقتصادية الجريئة شملت، على وجه الخصوص، إصلاح المنظومة المصرفية قصد تحسين أداء الاقتصاد الجزائري ؛ مما مكن الجزائر من دخول اقتصاد السوق واستعادة النمو ورفع نسبة النمو الاقتصادي. كما قرر رئيس الجمهورية خلال عهدته الأولى ترسيم الاعتراف بتمازيغت كلغة وطنية. الجزائر تتنفس.. على الصعيد الدولي، استعادت الجزائر تحت إشراف الرئيس بوتفليقة وبدفع منه دورها القيادي، حيث يشهد على ذلك دورها الفعال الذي ما انفك يتعاظم على الساحة القارية في إطار الإتحاد الإفريقي والشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) التي كان الرئيس الجزائري أحد المبادرين بها. وعلى المستوى المتوسطي، أبرمت الجزائر اتفاق شراكة مع الإتحاد الأوروبي في 22 أفريل 2001. كما تشارك الجزائر التي أصبحت شريكا مرموقا لدى مجموعة الثمانية، في قمم هذه المجموعة بانتظام منذ سنة 2000. وموازاة لذلك، لا يدخر الرئيس بوتفليقة جهدا من أجل مواصلة بناء اتحاد المغرب العربي. وفي 22 فيفري 2004، أعلن عبد العزيز بوتفليقة عن ترشحه لعهدة ثانية. فقاد حملته الانتخابية مشجعا بالنتائج الإيجابية التي حققتها عهدته الأولى ومدافعا عن الأفكار والآراء الكامنة في مشروع المجتمع الذي يؤمن به ولاسيما المصالحة الوطنية، ومراجعة قانون الأسرة، ومحاربة الفساد، ومواصلة الإصلاحات. أعيد انتخاب الرئيس بوتفليقة يوم 8 أفريل 2004 بما يقارب 85 بالمائة من الأصوات. خلال عهدته الثانية، عكف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على تعزيز مختلف الخطوات التي بوشرت أثناء العهدة الأولى له فأقر برنامج دعم النمو، بغلاف مالي قدره 60 مليار دولار، والذي عزز ببرنامجي الجنوب والهضاب العليا وموازاة مع ذلك يحرص رئيس الدولة على إيلاء عناية خاصة لمتابعة الخطوات المتخذة. فعلى الصعيد الاقتصادي والمالي، تمكنت الجزائر بفضل انتهاجها سياسة صائبة ومتجانسة، من بلوغ احتياطي صرف يتجاوز 140 مليار دولار، وهو ما يضعها في أولى المراتب على صعيد الدول العربية. وقد بلغ النمو الاقتصادي خارج قطاع المحروقات حدود 05 بالمائة وحتى 06 بالمائة في بعض الأحيان. كما تم تخفيض المديونية الخارجية إلى أقل من 5 مليار دولار، وتوفير الدولة في صندوق ضبط الإيرادات لاحتياطي يقدر ب4000 مليار دينار. الوفاء بالوعد وقد أوفى رئيس الدولة بالوعد الذي قطعه على نفسه أثناء حملته الانتخابية، من خلال الاستفتاء حول سياسة المصالحة الوطنية التي زكاها الشعب الجزائري بالأغلبية المطلقة بنسبة قاربت 80 بالمائة. وبدوره عرف مسار إصلاح هياكل الدولة المزيد من التعزيز، مع استعادة هيبة الدولة. أما على الصعيد الدولي، فقد استعادت الجزائر دورها البارز على الساحة العربية، الافريقية، والأمة الإسلامية، وكذا في مجال العلاقات المتعددة الأطراف وقد انضمت سنة 2008 إلى مسار الاتحاد من أجل المتوسط. وقد تحصل الرئيس عبد العزيز بو تفليقة خلال عهدته الثانية على ألقاب دولية عديدة على غرار: أعلى وسام أحسن قيادة لدولة إسلامية، وجائزة (لويز ميشال) من مركز الدراسات السياسية والمجتمع لباريس. في أواخر سنة 2008 تقدم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى تغيير جزئي ومحدود للدستور. في 12 فيفري، أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه للانتخابات الرئاسية كمترشح حر. أعيد انتخاب الرئيس بوتفليقة يوم 9 أفريل 2009 بنسبة 90.24 بالمائة من الأصوات المعبر عنها. الاستمرار.. والاستقرار وجاء الإعلان عن ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة، ليكرّس استجابة الرجل لنداءات كثيرة تعالت في الشهور والأسابيع الأخيرة تناديه بمواصلة مسيرة التنمية والإصلاحات. ويُمكن قراءة ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة من باب الرغبة في استمرار البرنامج الحافل بالإنجازات على مختلف الأصعدة، وكذا الرغبة في الاستقرار في ظل حساسية الوضع الذي تمر به الجزائر ضمن محيط دمغرافي غير مستقر وغير آمن، يستدعي وجود شخصية محنكة وتحظى بثقل كبير في الداخل والخارج، وهو ما يتوفر في بوتفليقة الذي سيضع شعبيته في ميزان الانتخابات مجددا بمناسبة رئاسيات 17 أفريل.