أضحت ظاهرة الدروس الخصوصية تتنامى شيئا فشيئا حتى أصبحت أمرا ضروريا على أغلب الأسر والتلاميذ في مختلف المستويات. ومع بداية الدخول المدرسي الجديد عرفت بورصة الدروس الخصوصية هذا العام بمدينة عنابة زيادة معتبرة وعرفت التسجيلات إقبالا كبيرا في معظم المواد الدراسية بدون استثناء، وهو ما يعكس تنامي شبه قطاع موازي لا اختلاف كبير بينه وبين القطاع الرسمي سوى في التوقيت والمكان،حيث بدأ التسابق محموم من الأساتذة للظفر بأكبر قدر ممكن من تلاميذ المدارس لإعطائهم الدروس الخصوصية التي يدفع الأولياء فيها مبالغ كبيرة في ظاهرة لم تعد مقتصرة على أصحاب الامتحانات المصيرية فقط، بل شملت كل الاطوار التعليمية دون استثناء، أين يضطر الأولياء إلى البحث عن أجود الأساتذة وأحسنهم مستوى لإعطاء دروس الدعم لأبنائهم في المواد الرئيسية كالرياضيات والفيزياء والفلسفة واللغات وغيرها،و قد انطلق عديد الأساتذة في عملية تسجيل التلاميذ الذين يرغبون في الاستفادة من الدروس الخصوصية ، ورغم الأجرة المرتفعة التي يطلبها القائمون على تقديمها، إلا أن هؤلاء الأساتذة يلاقون إقبالاً منقطع النظير من قبل التلاميذ مع بداية السنة الدراسية الجديدة، وفي ظل هذا التهافت الكبير لم يجد بعض التلاميذ مكاناً شاغراً في قائمة بعض الأساتذة، على الرغم من أن السنة الدراسية مازالت في بدايتها، وهو ما لفت نظرنا خلال حديثنا مع بعض التلاميذ الذين تفاجؤوا باكتمال قائمة التسجيل لدى بعض الأساتذة الذين تعوَّدوا على الاستفادة من الدروس الخصوصية عندهم، في السياق ذاته ولم يعد أمر الدروس الخصوصية مقتصرا على فئة دون أخرى، بل هناك من العائلات من خصصت لها ميزانية خاصة وشملت الدروس الخصوصية المجتهد والكسول وكلاهما مجبر على أخذها، وهو ما أدى إلى انتشار مدارس التعليم الخاصة بسرعة مذهلة، ملبية رغبة الكثير من الأولياء ففي كل حي نجد أن شقة سكنية قد تحولت إلى مدرسة للدعم وإعطاء الدروس الخصوصية ولجميع المستويات، أما الأساتذة الذين يقدمون دروسا في منازلهم أو في منازل التلاميذ فيعدون بالآلاف، ويبدو الأمر تجاريا أكثر منه تربويا خاصة وأن أخفض سعر تقدم به المادة الواحدة يقدر ب 500 دج لتلاميذ الابتدائي، ويصل الأمر لدروس الأقسام المتوسطة إلى حدود 1500 دج للمادة الواحدة،وترتفع أكثر بالنسبة للأقسام النهائية ،من جهتهم الأولوياء اعتبرو أن الدروس الخصوصية جرعة أكسوجين وحلا جيدا يمكن أبنائهم من استيعاب الدروس في أجواء هادئة بعيدا عن الأقسام التي ابتعدت كثيرا عن أدوارها، وأصبح بذلك الكثير من الأولياء مرغمين على تخصيص ميزانية خاصة لأبنائهم لأخذ الدروس الخصوصية والتي تضاف إلى المصاريف اليومية وهذا بهدف نجاح الأبناء لاغير، وحجتهم في ذلك اكتظاظ الأقسام الدراسية ، مع ما يشكله ذلك من صعوبة في استيعاب الدروس، وأصبحت بذلك الدروس الخصوصية تقليدا وعادة، تفرض نفسها مع كل دخول مدرسي وبأثمان تتفاوت من مكان لآخر أما الأساتذة فقد وجدوا في الأمر وسيلة للربح، والأحسن يظهر نهاية السنة من خلال عدد التلاميذ الذين نجحو على يديه. لتخلط بذلك الدروس الخصوصية الحابل بالنابل وتدخل قطاع التعليم في دوامة لم يعد يسبح فيها الثانويون فقط بل امتدت إلى كل أصناف التعليم من الابتدائي إلى النهائي وهو ما أربك ميزانية العائلات وعرّض قطاع التربوية برمته إلى خطر محذق على اعتبار أن النجاح أصبح مرتبطا بها .