أكدت النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية والتي أفرزت عن فوز عبد المجيد تبون ب58% من مجمل الأصوات المعبر عنها في الجولة الأولى التي جرت، الخميس الماضي، عن تحولات غير متوقعة في الاتجاهات السياسية للجزائريين.وهو ما أكده أغلبية المتابعين للشأن السياسي في الجزائر بالإضافة إلى استطلاعات الرأي التي أشارت في وقت سابق إلى احتمال تقدم عز الدين ميهوبي، مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي والمدعوم من حزب جبهة التحرير الوطني الذي أكد قبل الرئاسيات دعمه الكامل للأمين العام بالنيابة لحزب «الأرندي». نفس المصادر حصرت المنافسة بين عز الدين ميهوبي وعبد المجيد تبون الذي أصبح رسميا ثامن رئيس للجزائر في حين حل ميهوبي في الترتيب الرابع بنسبة 7.26%، بعدد أصوات قدرت ب 617.753 من إجمالي 24.474.161 صوتاً، فيما جاء علي بن فليس ثالثاً بنسبة بلغت 10.55%.فوز عبد المجيد تبون، الذي لم تدعمه الأحزاب الكبيرة، وحلول المرشح عبد القادر بن قرينة، المحسوب على الإسلاميين رغم أنه تحرك منفرداً، بعد إعلان حركة مجتمع السلم عدم دعمها لأي من المرشحين، يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب تغير الاتجاهات السياسية للجزائريين، وتراجع مرشح الحزبين الكبيرين، بالإضافة إلى معرفة حدود تأثير فوز «تبون» على واقع ما بعد الانتخابات. ووفقاً للمؤشرات الأولية فإن التفاوت الكبير في نسبة الأصوات، وعددها بين الفائز والمرشحين الأربعة، الذي كان أقلهم عبد العزيز بلعيد بنسبة 6.66%، يشير إلى أن عمل «تبون» تحت غطاء شعبي قوي ساعده في أن يتصرف بعقلية الرئيس الذي يجمع كل الجزائريين، ويؤسس عملية سياسية جديدة. تحليل الأرقام الذي حصل عليها المرشحون الخمسة، يشير إلى رفض الناخب الجزائري النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وكل من شارك من أحزاب السلطة على غرار «الأرندي» و»الأفلان» وحتى الأحزاب الإسلامية. لذا يمكن القول إن النسب المذكورة تشير إلى تراجع ترتيب مرشح أحزاب السلطة في عهد بوتفليقة، عز الدين ميهوبي، الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وتقدم ملحوظ ل»بن قرينة»، الذي مثلت نتيجته مفاجأة للكثيرين. وبالتالي تراجع مرشح أحزاب السلطة يشير إلى تغير ملحوظ في توجهات الكتلة الناخبة في الجزائر، واحتمالات عدم استقرارها خلال الانتخابات التشريعية والبلدية المقبلة. كما كشفت توجهات الكتلة الناخبة في الجزائر التي توجهت إلى صناديق الاقتراع لدعم المرشح «عبد المجيد تبون» وغيرت كل التوقعات، عن احتمالات حدوث هزة عنيفة للأحزاب الكبيرة على شاكلة التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني، قد تؤدي إلى خروجها تماماً من المشهد السياسي مستقبلا بعدما أكدت نتائج الانتخابات الرئاسية ومن قبلها الحراك الشعبي نهايتهما شعبيا. ويأتي ذلك بعد إعلانهما الصريح عن رفض دعم «تبون» وإصدارهما بياناً قبل يوم من تاريخ الاقتراع يؤكدان التزامهما الكامل بالوقوف وراء عز الدين ميهوبي، بل ربما يؤدي ذلك لهزة وخروج عدد كبير من الأحزاب، وبالتالي ينتقل قطاع كبير من الجزائريين إلى واقع سياسي جديد مع تأسيس أحزاب سياسية فتية تؤسس لعهد سياسي جديد.وبفارق كبير عن المرشح عبد القادر بن قرينة، تبرز أرقام تصويت الجزائريين على بقية المرشحين الأربعة بمن فيهم الرئيس الجديد للجزائر عبد المجيد تبون المكانة الحقيقية التي أصبحت تحتلها التيارات الإسلامية في الجزائر. وتعد هذه المرة الرابعة التي يجر فيها الإسلاميون أذيال الهزيمة والخيبة في الجلوس على كرسي الرئاسة خلال مختلف الانتخابات التي عرفتها الجزائر, حيث أثبتت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة مرة أخرى عدم قدرة التيارات الإسلامية على استقطاب الشارع، بما يملكه من خلفيات عنهم في ضوء تجربتهم خلال تسعينيات القرن الماضي، عند صعود ما كان يعرف بالجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى المشهد السياسي، وتبني قياداتها خطابات متطرفة صريحة. ومن تلك المنطلقات، لا ينظر الناخب الجزائري للمرشحين الإسلاميين وخطاباتهم الانتخابية على محمل الجد، إذ يعتبرونها مجرد خطابات انتهازية تمجد صناديق الاقتراع للوصول إلى الحكم مثلما كان عليه الحال في التسعينيات, حيث ترسخت عند غالبية الجزائريين قناعة تتأكد مع كل موعد انتخابي بأن التيارات الإسلامية ما هي إلا جدار يعزل الفعل الديمقراطي ويلغيه بمجرد انتقاله إلى موقع صناعة القرار، وخير دليل على ذلك ما يحدث داخل هذه الأحزاب نفسها ,حيث تنعدم الديمقراطية في عملية التسيير الداخلي ليسيطر عليها الولاء للشخص الواحد رغم محاولات تزيف الحقيقة من خلال اعتماد الديمقراطية شكليا فقط.