في منزل مؤلف من غرفتين وسقف من الصفيح في إحدى مدن الأكواخ العديدة التي تعج بها مدينة لاهور الباكستانية، يعيش إلياس ونسيم مسيح وبناتهما السبع اللواتي تتراوح أعمارهن بين 3 و15 عاماً معتمدين على دخل إلياس الضئيل كعامل يومي. تلعب أصغر بنات إلياس عند قدمي والديها وهي تحمل قطعة صغيرة من الخشب مطلية بألوان زاهية وتحركها صعوداً ونزولاً كأنها سيارة. ولا تملك الفتيات إلا القليل غيرها من الألعاب ويتشاركن في دمية قماشية بسيطة صنعتها لهن عمتهن بالإضافة الى بعض الألعاب الصغيرة الأخرى. وتقول سيلينا البالغة من العمر ست سنوات "لم يسبق لي أن ركبت سيارة أو أية مركبة من قبل. ولكنني أراها تسير على الطرقات وأتمنى أن أركب إحداها". ولكن فرصة سيلينا في تجربة ركوب السيارة ضئيلة، فمتوسط دخل إلياس لا يتعدى 3 الاف روبيه (36 دولاراً) في الشهر، اذ قال "في بعض الأحيان يطلب مني أشخاص حفر خنادق أو المساعدة في نقل أثاث ويدفعون لي مبالغ صغيرة مقابل ذلك. ولكنني في أيام أخرى لا أجد أي عمل وأناضل من أجل شراء كيلو واحد من 'الآتا' (دقيق القمح) الذي يكلف 30 روبيه (36 سنتاً). وحتى ذلك لا يصنع سوى نصف 'روتي' (رغيف من الخبز) لكل فرد منا". ويعتبر تأمين كل وجبة تتناولها الأسرة على الأرض حول موقد الكيروسين الذي تستخدمه نسيم للطهي محنة جديدة بالنسبة لها، "خاصة في الليل" كما قال إلياس، "فمن المؤلم أن تسمع الأطفال يتوسلون للحصول على المزيد من الطعام. كما أنهم يقومون أحياناً بانتزاعه من بعضهم البعض". وأوضح إلياس أنه في حالات أخرى يذهب وسطاء إلى الأسر الفقيرة لشراء الأطفال لتشغيلهم بالسخرة أو في الجنس. وتفيد التقارير أن ارتفاع معدلات الفقر يجبر عدداً متزايداً من الأسر على بيع أطفالها، حيث ينتهي المطاف بالفتيات على وجه الخصوص الى العمل في الجنس. وفي هذا الإطار، قال آي إيه رحمن، الأمين العام للجنة حقوق الإنسان الباكستانية "لدينا تقارير متزايدة عن أشخاص يبيعون أطفالهم بسبب الفقر". وأضاف أنه يتم في بعض الأحيان "الاتجار بالصِبية إلى خارج البلاد بينما يتم بيع الفتيات عموماً لتجارة الجنس". ووفقاً للجنة حقوق الإنسان الباكستانية، تعتبر معدلات البطالة المتزايدة عاملاً مهماً في تفاقم الفقر. كما تفيد تقديرات مستقلة أن معدل البطالة في البلاد يصل إلى 15.2 بالمائة. ولطالما كانت مستويات الفقر مرتفعة في باكستان، حيث أفادت دراسة تم الانتهاء منها في شباط/فبراير 2010 وقام بها خبراء اقتصاد من جامعة لاهور للعلوم الإدارية، أن نصف الأسر في مقاطعات جنوب البنجاب التي تضم 17.49 مليون نسمة تعاني من فقر مدقع. ويعتبر تدني مهارات الكثير من الأشخاص العاملين بسبب انعدام فرص التعليم سبباً رئيسياً لذلك. وتقول الدراسة أن "14.26 بالمائة من دخل الأسر في شمال إقليم البنجاب يأتي من التحويلات المالية مما يفسر وفرة الأموال نسبياً لديهم؛ مقابل 4.4 بالمائة في وسط الإقليم و2.14 بالمائة في الجنوب و3.03 بالمائة في الغرب". ويعتبر إقليم البنجاب إلى الآن الأكثر اكتظاظاً بين أقاليم باكستان الأربعة. واوضح المحلل الاقتصادي اسكندر لودي أن "اقتصاد باكستان يمر في حالة ركود منذ عدة سنوات. فنتيجة لعدم الاستقرار السياسي والإرهاب لا يوجد أي استثمار أو نمو اقتصادي في البلاد. وهذا يعني عدداً أقل من الوظائف وغيرها من الأمور ذات الصلة". وأشار لودي أيضاً إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع، بما في ذلك الغذاء، نتيجة لارتفاع تكلفة الوقود. المحرمات الاجتماعية ولكن كل ذلك لا يمنع الأسرة الفقيرة من إنجاب الكثير من الأطفال، حيث قالت نسيم أن "المحرمات الاجتماعية" منعتها من استخدام وسائل منع الحمل لتكوين أسرة أصغر وبالتالي عدد أقل من الأشخاص لإطعامهم. من جهتها، قالت جافيريا علي، وهي طبيبة نسائية تعمل في عيادة مجتمعية في لاهور "من الشائع أن تتجنب الأسر وسائل منع الحمل. كما يقول الرجال أن حبوب منع الحمل تدفع النساء إلى الفسق من خلال تشجيعهن على ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج. وهم بدورهم يرفضون استخدام الواقي الذكري". وقال إلياس الذي يعتنق المسيحية "يتعرض الرجال المتزوجون الذين يشترون الواقي الذكري للسخرية. لا أستطيع تحمل ذلك، كما أن الأطفال هبة من الله ولا ينبغي أن نعترض عليها". ولا تذهب أي من بنات إلياس إلى المدرسة لأنه لا يستطيع تحمل تكاليف الكتب والزي المدرسي والقرطاسية. كما تفرض التقاليد على أهل الفتاة في باكستان القيام بالاحتفالات وتقديم المهر لها عند الزواج والذي يتكون عادة من الأدوات الكهربائية وفرش المنزل. وقال إلياس "لا أدري كيف سيكون مستقبلهن فأنا لا أستطيع أن أصرف على زواجهن. حتى الفقراء جداً يصرفون عموماً ما لا يقل عن 100 الف روبيه على الزفاف. علينا اقتراض المال من الجيران والأقارب وتسديد ديوننا بطريقة أو بأخرى". وترى فرزانا بيج (ليس اسمها الحقيقي) التي تدير بيت دعارة أن منزلها المكون من طابقين في حي راقٍ من أحياء لاهور هو نهاية الطريق بالنسبة للأسر اليائسة التي ترغب ببيع بناتها للعمل بالجنس. وقالت أنه "يتم أيضاً بيع عدد من الفتيات من قبل آبائهن في المناطق الريفية، لا سيما في جنوب البنجاب"، حيث يقال للفتيات في معظم الأحيان أنهن سيرسلن إلى المدينة للعمل أو الدراسة. وقالت بيج "إنهم فقراء جداً وليس لديهم خيار آخر. عليهم بيع طفلة أو أكثر لإطعام أطفالهم الآخرين" مضيفة أن بعض الفتيات "يصلن نحيلات للغاية فأقوم بإطعامهن لأسبوع حتى يظهرن أكثر صحة وجاذبية". وعلى الرغم من أن الدعارة وعمل الأطفال في الجنس مخالفان للقانون، إلا أن بيج تأوي 5 إلى 6 فتيات دون السن القانونية والعديد غيرهن من العاملات في الجنس الأكبر سناً. وعن ذلك قالت "هناك طلب كبير على الفتيات الصغيرات ولذلك نقبل الفتيات من عمر 10 أعوام. يدفع الزبائن جيداً للأطفال قبل سن البلوغ، كما أن الشرطة المحلية لا تسبب أية مشكلة لأنني أدفع لهم كل شهر".