ففي فترة الثمانينات كان التهريب يعتمد على أفراد حيث كانت المواد المهربة هي تلك المواد المدعمة من طرف الدولة كالحليب والسكر والقهوة ومادة الزبدة والزيت ...أما في فترة التسعينيات فقد شمل التهريب مجال الآلات الالكترونية كأجهزة الاستقبال التلفزيوني و أجهزة الكمبيوتر والأدوات المكتبية بصفة عامة، ومع حلول سنة 2000 اخذ التهريب يأخذ منحى تصاعديا وأكثر تنظيما، حيث توسع نشاطه بشكل صار العمل في خارج المجموعات يمثل مخاطرة كبرى لان اغلب المستثمرين قد وضعوا كل أموالهم في هاته الحرفة وهاهو السكين ينخر جسد الاقتصاد الوطني، الذي دخل في حالة نزيف حاد على مستوى أهم مصادره الطاقوية، عندما توسعت أجندات المهربين لتشمل المواد البترولية من بنزين و مازوت فكل من يزور الولايات المجاورة للمنطقة والتي وصلتها حمى تهريب الوقود هي الأخرى على غرار ولايات ام البواقي، خنشلة و سوق أهراس، يلاحظ قوافل من الصهاريج المحملة بالوقود تتجه نحو قطب التهريب في الشرق وهي ولاية تبسه. والسؤال المطروح هو هل أن تلك القوافل مضبوطة قانونيا أم أنها تسير خارج مجال التغطية؟وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل توسعت قائمة المواد المهربة نحو الأراضي التونسية لتشمل ألياف النحاس ، العجلات المطاطية للسيارات السياحية، كما تعرف المنطقة أيضا ظاهرة تهريب الآثار والتي تبقى من اختصاص عصابات دولية تستغل أشخاصا لسرقة هذه الآثار ومحاولة تهريبها بالرغم من خطورة هذه العملية التي تمس بالاقتصاد الوطني والتراث، حيث تقوم هذه العصابات في حال نجاحها في سرقتها ببيعها في المزادات العلنية بالدول الأجنبية. فعندما نسمع أن الوقود الجزائري يباع على الأرصفة وقارعة الطرق بتونس، من قبل بارونات معروفة عند العام و الخاص، وأن المحطة الواحدة بإمكانها توفير مبلغ 1 مليار و500 مليون سنتيم شهريا خارج رقابة الدولة ومصالح المراقبة والضرائب،وعندما يقال لنا إن القطع الأثرية لتبسة تباع في المزادات العلنية، وخرفان المنطقة تغطي عجز الأسواق الاروبية و المغاربية، وتستغل أمعاءها وجلودها في الصناعات الجلدية و الصيدلانية من قبل عدة دول،ليعاد بيعها للجزائر بالعملة الصعبة،نتساءل هل أصبح التهريب سلوكا و مبدأ لا يمكن التنازل عنه من لدن طفل ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة،بحثا عن لقمة العيش مرورا بالشاب الذي تقاعد من البطالة وصولا إلى موظف أصابته حمى البحث عن الربح السريع ،كما نسأل عن دور السلطات المحلية بولاية تبسة ، والتي استطاعت ان تنظم عملية توزيع الوقود عن طريق الحصص وتحت مراقبة أمنية مشددة لمدة أسابيع شعر من خلالها المواطنون بان السلطات المحلية قادرة على فرض القانون متى رغبت في ذلك . آثار التهريب بادية على الوجوه إذا كانت الآية الكريمة تقول سيماهم في وجوهم من أثر السجود فإن الحاصل بولاية تبسه انقلب رأسا على عقب و صار ما يعانيه التبسيون عموما خاصة في محطات التوزيع صار المنطق يقول سيماهم و علاماتهم في وجوههم من أثر التهريب .. من مختلف الأعمار لم يجدوا أي حرج في الاعتراف بأنهم يمارسون هذه المهنة التي أضحت بقدرة قادر مصدر رزق ومبعث لمن لم يستطع إعالة آسرته و لكل منهم حججه و براهينه إلا أن هذه الحجج و البراهين و الأدلة التي يوهمون بها أنفسهم من انعدام لمصدر رزق جعلت الكثير منهم يتناسى الخسائر الكبيرة التي تتكبدها البلاد. و العباد «الفلوجة»منطقة لتفريغ الوقود باتت منطقة الفلوجة ذائعة الصيت، و محجا لكل من يبحث عن الربح السريع، فكل سيارات المهربين التي تصطف يوميا لعديد المرات بمحطات نفطال تتوجه كل مساء إلى الفلوجة التي توجد بها مستودعات المهربين لتفريغ الحمولة، مقابل ألف و خمسمائة دينار جزائري عن كل خزان، فيما ترتفع القيمة إلى ألفي 2000 دينار عند التفريغ في نقاط التخزين بإحدى البلديات الحدودية . توجهنا إلى «الفلوجة. و أول ما شد انتباهنا هو رائحة البنزين المنبعثة من الأرض و المستودعات التي تميز سكنات الحي، الذي يفتقد إلى ادني شروط العيش الكريم،تجمع من حولي ما يفوق 10 أشخاص كلهم شباب يستفسرون عن سبب مجيء، استطعت أن افتك منهم بعض الحقائق المرة ،حتى أن احدهم قال لي بالحرف الواحد لقد وجدت مهنة التهريب البديل عن السرقة و الاعتداء على الأشخاص ليلا، فيما اجمع البقية على أن البطالة و المحسوبية و الرشوة هي السبب في امتهانهم لحرفة تخزين الوقود، مؤكدين على أن الأرباح التي يجنونها قليلة جدا، مقارنة مع ما يجمعه أصحاب السيارات، و المهربين الكبار، دون المخاطر و المطاردات التي يتعرضون لها يوميا من قبل الدوريات المفاجئة لعناصر الأمن و الدرك التي يطلقون عليها اسم «الصاعقة». يعمل هؤلاء في «الفلوجة» على تفريغ الوقود من سيارات المهربين الذين يأتون به من محطات نفطال مقابل 1200 دينار عن كل دلو سعة 20 لتر، يقومون بتخزينه في المستودعات نظير 70 دينار عن عملية التفريغ و التخزين، ليأتي في الليل أصحاب السيارات الرباعية الدفع لشحن الدلاء وتهريبها إلى الأراضي التونسية، بحيث يمكن لكل سيارة أن تشحن ما يقارب 60 دلو سعة 20 لترا أي ما يعادل 1200 لترا.. مكثنا لساعات مع شباب الفلوجة ونحن نعد الساعات و الدقائق حتى لا ينكشف أمرنا لتصل سيارة ‘'طويوطا هيليكس'' من اجل شحن الوقود، اغتنمنا الفرصة للحديث مع السائق عن مغامراته وحيله للهروب من أفراد «الصاعقة» التابعين للدرك و عناصر الجمارك قال لنا بأنه مجرد سائق لدى احد المهربين الكبار أو كما سماهم «المعاليم» رفض ذكر اسمه، يتقاضى مبلغ 5000 دج عن كل عملية ينجح فيه بنقل الوقود إلى الضفة الأخرى، مؤكدا على انه لا يتوقع الرجوع سالما في كل مرة، يخرج فيها للتهريب بسب المخاطر ومطاردات الدرك و الجمارك بل أن في العديد من المرات وصل به الأمر الى ترديد الشهادتين خوفا من الموت الذي رآه بأم عينيه في عدة محاور من الطرق التي يسلكها فرارا من المطاردات . واستنادا إلى مصادر موثوقة اكتشفنا أن عصابات التهريب، تقوم بتشغيل الأطفال والنساء من العائلات المعوزة في تخزين الوقود أو المساعدة بمصه من خزانات المركبات باستعمال أنابيب بلاستيكية، حيث تتسّبب لهم في أمراض قاتلة مقابل 70 دينارا لتفريغ كل شحنة من السيارات أو تخزينها بمنازلهم، لاسيما منها الواقعة في البناءات الفوضوية. توجهنا بعدها إلى محطة الوقود بطريق قسنطينة والتي تشهد يوميا طوابير طويلة طول جدار الديوان الوطني للحبوب المحاذي للمحطة لتصل في بعض الأحيان إلى مشارف الإقامة الجامعية للبنات، ولدى اقترابنا من بعض المواطنين لمسنا في وجوههم عبارات الأسى و التأسف، ولسان حالهم يستهجن الصعوبات اليومية التي تواجههم أمام محطات التزود بالوقود، التي يصطفون أمامها أحيانا لساعات طويلة، قد تصل ليوم كامل من اجل الظفر بكمية لا تكفي لقضاء حاجاتهم وتحركاتهم. هكذا قال احدهم: «نحن لسنا مهربين، لقد جئنا لشحن السيارة بقيمة 400 دينار من المازوت وكما ترى استغرقنا ساعات للوصول إلى دورنا لقد سئمنا الوضع» بل أن هناك من أسر لنا أنه حينما يبدأ الخزان في النفاد إلا ويملكه الرعب و الخوف حيث أنه ما إن يصلي الصبح إلا و يخرج ليجد أمامه طابورا طويلا و كأن من أتى قبله بات في هذا المكان وهو ما حصل في عدة مرات في حين أبدى احد الفلاحين تذمره و استياءه إزاء الوضعية الكارثية التي تشهدها المنطقة، مؤكدا على أن النشاط الفلاحي في طريقه إلى الركود على الرغم من الإجراءات المتخذة لصالحهم مؤخرا. ع.ع