أ أوصى الشهداء أبناء الجزائر بالدفاع عن ذاكرتهم، وما من سبيل للدفاع عن ذاكرة الشهداء غير بناء الدولة التي جاهدوا من أجلها، دولة الحق والقانون التي لا مكان فيها للظلم والطغيان، صحيح أن هذه مهمة شاقة قد تستغرق وقتا طويلا، غير أن السعي في هذا الاتجاه يمثل في حد ذاته وفاء للشهداء ودفاعا عن ذاكرتهم، وهذه مهمة تعني الجميع دون استثناء. الدولة التي أرادها الشهداء واحدة موحدة، فحدود الجزائر المستقلة رسمتها دماء الشهداء، لم يبق شبر مهما بعد وانعزل لم تصله أصداء الثورة، ورغم كل ما قيل ويقال عن الصراعات التي نشبت بين قادة الثورة لا يمكن لأحد أن ينكر أن الاستقلال كان مهمة وطنية، وأن الثورة كانت فعلا وطنيا، وأن الدولة المنشودة كانت دولة واحدة موحدة، ومن هنا فلا يمكن تصنيف الاستخفاف بالوحدة الوطنية، أو إضعافها بأي عمل سياسي أو غيره إلى ضمن خيانة ذاكرة الشهداء، وليس جزائريا من يخون ذاكرة الشهداء مهما كانت العناوين التي تطرح بها مشاريع التفتيت. ذاكرة الشهداء هي حقوق الشعب الجزائري بمختلف أجياله، حقوق لا يمكن أن تسقط بالتقادم، وما اقترفته فرنسا من جرائم في حق الجزائريين لا بد أن يكون له ثمن، والاعتراف بهذه الجرائم ثم الاعتذار عنها حق الشهداء علينا سيكون التفريط فيه خيانة أخرى، وليس لأحد، شخصا كان أو مؤسسة أن يحرم الجزائريين من الدفاع عن ذاكرة شهدائهم وأسلافهم الذين سحلتهم آلة القتل الاستعمارية، بل ليس من حق أي جزائري أن ينأى بنفسه بعيدا عن معركة الشرف هذه، فالأمم الحية هي التي تتولى الدفاع عن ذاكرة من صنعوا تاريخها، وهذه مهمة فوق طاقة الحكومات المقيدة بحسابات السياسة وإكراهات الواقع. نصف قرن من الزمن قد لا يمثل شيئا في تاريخ الأمم، غير أنه بالنسبة للجزائريين مناسبة لتجديد العهد مع الشهداء بالدفاع عن ذاكرتهم لأنهم منحونا الحرية والكرامة وطلبوا مقابل ذلك أن نتعهد بالعيش كراما ما حيينا.