في نهاة الأسبوع الماضي ، أحيت الجزائر ذكرى اليوم الوطني الشهيد، المصادف ل 18 فبراير من كل شهر، والمناسبة تستحق فعلا منا وقفة استشعار للتاريخ البطولي الذي قدمه أبائنا وأجدادنا لكي ننعم بالحرية والإستقلال، لقد قدموا أنفسهم ، قربانا على معبد الحرية، من أجلنا نحن، من أجل الجزائر، من أجل تحقيق أملهم وحلمهم المعبر عنه في بيان أول نوفمبر 1954. مهما احتفلنا، مهما قلنا، مهما كانت فصاحة خطاباتنا، وأنغام أغانينا، وقدرة فنانينا، فإنه يستحيل علينا أن نوفي الشهداء حقهم، وأن نجعلهم ينامون مطمئنين قريري العين، إذا فشلنا في أن نرتقي بالجزائر إلى مستوى مصاف الدول التي حلم بها جميع الشهداء الأبرار، التي حلم بها مليون ونصف مليون شهيد. إن عمر استقلالنا الذي حققه المجاهدون الأبطال، والشهداء الأبرار، يقترب نحو إحياء نصف قرن من عمره، وكلما تقدم به الزمن، راح الناس ينسون ويلات الإستعمار ومحنه، وراحوا ينسون التضحيات الجسام التي قدمها النساء والرجال والأطفال والشيوخ، وبدأ الناس يتنكرون تدريجيا للمجاهدين، ويغضون الصوت والطرف عن الشهداء الأبرار. كلمنا تقدم باستقلالنا الزمن، كلما بدأنا نفقد الجيل الذي فجر الثورة وصنع تاريخها وملحمتها، وبدأنا نفقد أيضا الجيل الذي عاش الثورة ونقل إلي جيل الإستقلال بطولاتها وملحمتها. وكلما تقدم باستقلالنا العمر، بدأ الجيل الذي تلقى الثورة من الذين عاشوها ورووها، ينأى عن روايتها للأجيال اللاحقة، وهكذا دواليك بدأت " الجمرة " تطفأ في هدوء .. أحيانا هناك من يشعر، وأحيانا لا يشعر بها أحد، وأحيانا يكون هناك تعمد لجعل الأجيال القادمة تنسى الشهداء تنسى المجاهدين وتنسى الثورة برمتها. من الجرائم التي نرتكبها في حق الشهيد والمجاهد أيضا وثورة نوفمبر العظيمة كذلك، أننا لم نوفهم حقهم . بمناسبة إحياء ذكرى يوم الشهيد، الحمد لله، عرضت التلفزة الجزائرية فيلم " دورية نحو الشرق " ، بدل مهرجانا للرقص، وشاهدنا جزءا من تضحيات الشهداء الأبرار، ومن بطولات الشعب الجزائري، ومن جرائم الإستعمار الغير قابلة للنسيان وليس قابلة للتقادم، فيلم واحد فقط، شهدته أكثر من مرة، جعلني من جديد أستشعر أن يوم واحد باحتفلات باردة لا يمكنها أن توفي الشهيد حقه. علينا أن نقوم بدورية صادقة إلى التاريخ، وعلى وسائل الإعلام خاصة التلفزة والسينما أن تهتم ببطولات شعبنا، وتجسدها في أفلام ومسلسلات، إنها الوحيدة الكفيلة فعلا بأن تقودنا في " دورية للتاريخ " لكي نشاهد، ونعيش معهم، ونقف على بطولاتهم الخالدة .. حتى لا ننساهم .. حتى لا نشكك في أعدادهم .. حتى نهم بأراملهم وايتامهم .. إنهم يستحقون منا الكثير .. فهل يعقل أن نعيش نحن والأجيال اللاحقة على بضعة أفلام عن الثورة ؟