شكلت الاحتفالات المخلدة لخمسينية الاستقلال سانحة لتقييم ما أنجز والوقوف على الكثير مما تحقق في ميادين كثيرة، بل إن المناسبة كانت أيضا فرصة لرصد القفزات النوعية التي حققتها الجزائر المستقلة في بعض القطاعات، لكن لا أحد تذكر قطاعا له قيمته الكبيرة إبان الثورة وخلال الخمس عقود من الاستقلال وهو قطاع الإعلام، هذا القطاع الذي ينتقص من حقوق رجالاته، ومن تضحيات الكثير من أبنائه الذين بذلوا الكثير خدمة للوطن ودفاعا عن سيادته وعن حرية وكرامة أبنائه. لقد نجح هذا القطاع في نقل صوت الثورة إلى العالم، وقدم الكثير لدحض أطروحات الاستعمار والتشويش على دعايته الكاذبة والرد عليها من داخل الجزائر ومن خارجها، وبعد الاستقلال، وخلال مرحلة الحزب الواحد، واكب الإعلام الجزائري كل مراحل بناء الدولة الجزائرية، وحتى وإن كان هذا الإعلام خاضعا كليا للسلطة آنذاك، إلا أنه أدى رسالته كما يجب، وقدم الكثير من الأسماء ضحايا الواجب المهني، وتخرج من صلب هذا الإعلام الموجه، الذي كان عبارة عن مدرسة حقيقية، الكثير من الوجوه الإعلامية الكبيرة التي لا تزال اليوم في الخدمة، وجاءت مرحلة التسعينيات التي كانت حبلى بالتضحيات، فدفع الإعلاميون مواكب من الشهداء الذين سقطوا تحت رصاص المجموعات المسلحة. ولا أحد ينكر بان قطاع الإعلام بكل أنواع حقق الكثير من المكاسب، فبعدما ما كانت الساحة الإعلامية محصورة في عدد ضئيل من العناوين الصحفية المعروفة، فضلا عن قناة إذاعية وأخرى تلفزيونية، عجت الساحة الوطنية بمجرد دخول البلاد عهد التعددية بالعشرات من الصحف التي أصبح البعض منها يتمتع بصيت علمي، يضاف إلى ذلك الشروع في فتح القطاع السمعي البصري، وقد رأت النور عدد من الفضائيات المستقلة الجديدة حتى قبل فتح القطاع بشكل رسمي. ورغم النقائص الكثيرة التي يسجلها البعض من حين لآخر، خاصة في مسالة تحكم الدولة في الإشهار، وسيطرة بعض الممارسات التي تعود إلى العهد القديم في التعاطي مع الإعلام، تحقق الكثير على طريق حرية الإعلام والرأي في الجزائر، بل إن البعض يتكلم بكل فخر عن تجربة رائدة في مجال الصحافة الحرة في الوطن العربي ويعتبر ما تحقق في الجزائر نموذجا ايجابيا بالنسبة لباقي الدول العربية التي سبقتنا إلى الديمقراطية والتعددية السياسية والإعلامية. لكن في مقابل هذه الانجازات لنسأل أنفسنا ما الذي استفاد منه حملة الأقلام أنفسهم، هل الحرية التي تحققت لهم وإن كانت منقوصة بعض الشيء تكفي وحدها للقول بأن قطاع الإعلام في الجزائر قد حقق الهدف بعد خمسين سنة من الاستقلال، فهل يعقل أن يظل هذا القطاع رهينة لبارونات المال الذين يوجهون اللوم للسلطة فيما يتصل بباقي القطاعات ويمارسون الاستغلال في أبشع صوره على صحفيين تخرجوا من الجامعات الجزائرية، لا زال البعض منهم يتقاضى راتبا يقل عن الأجر الوطني المضمون، وهذه حقيقة قد تغييب عن أذهان بعض الناس ممن يضنون بأن رجال ونساء الإعلام يعيشون في بحبوحة قياسا الملايين التي يحصدها بارونات الإعلام الذين يجهل بعضهم حتى أبجديات العمل الصحفي، ولم يسبق للكثير منهم أن دخل الجامعة. لاشك أن سلم الأجور الذي أقرته وزارة الاتصال بالنسبة للقطاع الإعلام العمومي هام جدا، وقد يلبي جزءا من تطلعات الصحفيين وعمال الإعلام بعد الشروع في تطبيقه، لكن الإعلام ليس محصورا في القطاع العمومي فحسب، ومن غير المنطق أن تتنصل الحكومة عن مسؤوليتها بدعوى أن القطاع الخاص حر ويجب أن يخضع للاتفاقيات الجماعية وفقا لقانون العمل، لأن ذلك يعني بكل بساطة التخلي عن الجزء الأكبر من أهل المهنة الذين يؤدون رسالتهم كباقي زملائهم في القطاع العمومي أور بما أكثر، لضمان حق المواطن في الإعلام، وللدفاع عن مصالح الجزائر الإستراتيجية، والدفاع عن أمنها استقرارها أيضا، فهل يعقل أن تدخل الجزائر حروب الإعلام المقبلة التي ستكون دون شك شرسة بصحفيين يتقاضون رواتب مهينة؟