حديث وزير المالية عن اتخاذ تدابير تقشفية بسبب تراجع أسعار النفط أحدث مفاجأة للبعض رغم أن كل المؤشرات كانت توحي منذ سنوات بأننا ذاهبون نحو هذا الخيار، التفسير البسيط لما يجري على الساحة الاقتصادية العالمية يقوم على قاعدة واضحة، وهي أن الاقتصاد العالمي شديد الترابط، والأزمات أصبحت عالمية لا يمكن لأحد تجنب آثارها. قبل سنوات عندما تفجرت الأزمة المالية الأمريكية قال بعض الرسميين في الجزائريين إننا في مأمن من تلك الأزمة، وقد فسر البعض هذه الطمأنينة بأنها نعمة التخلف التي تجعلنا غير مرتبطين بالاقتصاد العالمي، لا نؤثر ولا نتأثر، غير أن هذا التفسير ظهرت سذاجته، لأن آثار الأزمة قد تتأخر في الوصول بعض الشيء لكنها ستصل حتما، وستكون مدمرة، وها هي أزمة الديون الأوروبية تثير الرعب فينا بعد أن تسببت في انخفاض أسعار النفط التي هي المصدر الوحيد لتمويل اقتصادنا. مشكلتنا ليست فقط في العجز عن توفير بدائل عن النفط رغم أننا بدأنا هذا المسعى منذ عقود، لكن الأخطر من هذا هو أننا عاجزون عن إدراك حقيقة ما يجري حولنا على الساحة الاقتصادية الدولية، وهذا يشل حركتنا، ويختزل رد فعلنا في اللجوء إلى تلك الأموال التي اكتنزناها في أيام الرخاء في انتظار أن ترتفع أسعار النفط مرة أخرى، وإذا طالت الأزمة أكثر مما هو متوقع فستكون الكلفة أكبر وستتحول كل المشاريع العملاقة التي نفخر بإنشائها إلى عبء ثقيل على الاقتصاد الوطني. الاستعداد للمستقبل هو مهمة الحكومات ومن تستخدمهم من خبراء ومختصين في كل المجالات، وإذا كانت المهمة المعلنة منذ عقود هي تنويع الصادرات والتحرر من التبعية للنفط، فإن الفشل في هذه المهمة أصبح يهدد قدرتنا على التكيف مع الأزمات التي تطل برأسها في الأفق، وما يحدث اليوم هو دليل آخر على أننا لا نحسن قراءة الواقع فضلا عن أننا عاجزون على إيجاد الحلول لمشكلاتنا المزمنة، وسيكون معيار الحكم على من يتولون الشأن العام هو مدى نجاحهم في تغيير هذا الوضع مستقبلا.