بدأت بعض الأفكار المسماة سلفية ظلما وخطأ في انتشار رهيب في المجتمع الجزائري، وهي أفكار لا علاقة لها بالنص القرآني ولا بالمنطق والتفكر اللذين حث عليهما ديننا الحنيف، ناهيك عن معطيات العصر الحالي التي تنظر إلى المرأة والطفل على أنهما من ركائز المجتمع، لذا وجب الاهتمام بحقوقهما• من بين هذه الأفكار نلاحظ ما يجري في الجزائر من توسع خطير لظاهرة الزواج العرفي، هذا النوع من الارتباط الذي لم يكن موجودا في الجزائر حتى في السنوات الأولى للاستقلال مما بات يهدد انسجام العائلة الجزائرية التي كانت بعيدة كل البعد عن الظواهر التي نراها اليوم، مثل الزواج العرفي للبنات القصر وتعدد الزوجات دون ضوابط شرعية أو قانونية• لقد بتنا نصادف آباء وأمهات لا يتحرجون من الحديث عن قبولهما تزويج بناتهم في سن مبكر ولأشخاص متقدمين في السن على ضرائر دون مبالاة بنتائج الزواج المبكر للفتيات على صحتهن وتعليمهن• إن هذه الظاهرة تزحف بشكل خطير وتلاحظ بكل جلاء في بعض المساجد، حيث تتم عمليات التزويج العرفي لفتيات في المتوسط في غفلة من القانون، لذا بات من الضروري جدا تحصين قانون الأسرة بجملة من القوانين الجديدة، خاصة في مجال التكفل بالأطفال في حالة الطلاق• القانون الخاص بهذه النقطة بالذات فيه الكثير من الظلم والانتهاك لحقوق الطفل، حيث أن الأم الحاضنة في حالة الطلاق لا تستفيد سوى من منحة نفقة لأطفالها تتعدى 2500 دينار للطفل حتى وإن كان الأب ميسورا ويتقاضى الملايين• هذه الوضعية جعلت العديد من النساء يقبلن البقاء في حالة إذلال وإهانة بدلا من طلب الطلاق لجور القانون• إننا لنتعجب كيف لم يتم لحد الساعة إعادة طرح قانون الأسرة للإثراء والتعديل بما يتماشى مع توصيات الأممالمتحدة الخاصة بصيانة حقوق المرأة والطفل، خاصة في موضوع الإنفاق والتكفل المالي والاجتماعي• صحيح أن هناك بعض البنود التي تتعارض مع قيمنا الإسلامية والتي من حق الجزائر رفض التصديق عليها، مثل حقوق الشواذ في الزواج وكفالة الأطفال، لكن ليس هناك مبررا لرفض كل التوصيات الصادرة عن منظمة الأممالمتحدة والمنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان• التعديلات المطلوبة هي تلك التي تمنع زواج البنت القاصر وحتى الراشدة دون رضاها ومحاربة هذا المد السلفي البدائي الذي يسعى إلى إعادة الأمة إلى وضعية الحريم والجواري وسلب المرأة حقوقها الطبيعية التي نص عليها القرآن الكريم• إن النص القرآني ليس فيه ما يفرض على المرأة كل هذه القيود، مثل تحديد عمر المرأة الراغبة في الحج بمفردها أو مع جماعة ذات ثقة ب 46 سنة وكأن المرأة في سن الخامسة والأربعين تشكل خطرا وفتنة تزولان بمجرد بلوغها سنة السادسة والأربعين• إن مثل هذا الاجتهاد جعل الفكر العلماني ينتزع كل يوم مساحات جديدة بسبب تركيزه على عامل احترام أدمية البشر، خاصة المرأة، وأيضا بسبب وضوح أحكام وتوفر آليات تطبيقها• هناك خطر حقيقي بتنا نلمسه في المساجد وفي المجتمع بسبب تنامي ظاهرة السلفية الوهابية التي تزحف على المجتمع الجزائري الذي كان من أكثر المجتمعات العربية تنويرا واعتدالا بفضل جهود ابن باديس والإبراهيمي، أما اليوم فقد صار الفكر الظلامي بديلا في ظل استقالة الدولة عن مهمة الاهتمام بالشأن العام، وبؤس الخطاب الديني، الفارق في ثقافة وتمجيد الأشخاص والخوف من الخروج عن النص •