تعرض قانون الأسرة في تعديله الأخير للعديد من الانتقادات لاسيما من طرف الرجال فيما تعلق بحقهم في الزواج مرة ثانية، إلا بموافقة الزوجة الأولى، وفي الوقت التي خدم هذا القانون بنات حواء، إذ شكل حصنا منيعا يحول دون إقدام الزوج على الزواج بأخرى إلا برضاها، انتقده بعض الرجال واعتبروه قانونا يحد من ممارسة حقهم الذي يقره لهم الدين، فيما وجد البعض الآخر حيلا تملصوا عن طريقها من هذا الالتزام القانوني. تعدد الزوجات من الأمور التي شرعها الله سبحانه وتعالى للرجل، وفي الوقت الذي يراه الرجل حقه الطبيعي، تؤكد بعض النساء أن الكثير من الرجال لا يطبقون تعدد الزوجات كما نص عليه الشرع، ومازال العديد منهم لا يدركون شروطه الدينية حتى وإن كانوا على علم بها. نساء يؤكدن مقولة «الضرة مرّة» ترى الكثير من النساء أن المرأة هي المتضرر الأول في حال أعاد زوجها عليها الزواج، إذ تجمع العديد منهن أن الضرة هي أسوأ ما قد يكون في حياة الزوجة، فكثيرات من تحولت حياتهن إلى جحيم، منهن من فضلن خيار الطلاق ومنهن من رضخن للأمر الواقع لأسباب يرين أنها تستحق التضحية، الأمثلة كثيرة ومتعددة، أين كانت إجراءات الزواج سهلة وبسيطة قبل التعديل الأخير لقانون الأسرة، وكما علقت إحداهن «كانت الكثيرات لا تعلمن بشيء إلا وزوجها يدخل البيت مع امرأة أخرى يقول أنها زوجته الثانية»، وهنا بدأت مأساة الكثير من العائلات، عائشة 43 سنة، إحدى من فجعن بقرار زوجها بالزواج مرة ثانية رغم تأكيدها أنها كانت نعم الزوجة له، تروي: «كنت أحزن لحزنه وأفرح لفرحه، أحرص على راحته دوما، تقاسمت معه الحلو والمر لمدة عشرين سنة، ولكنه فاجأني يوما وهو يقول لي أنه قرر الزواج بأخرى، انهارت أعصابي وصرت أصرخ سائلة إياه إذا ما كنت قد قصرت معه في شيء، ولكنه احتفظ بالإجابة لنفسه»، كان طلب الطلاق أول ما فكرت به عائشة، ولكنها تراجعت بعد تدخل أفراد من عائلتها ممن نصحوها بضرورة أن تحافظ على بيتها من أجل أولادها، تضيف عن معاملة زوجها ومدى عدله بينها وبين زوجته الجديدة فراحت تضحك ساخرة: «اقتنى لها بيتا وتركني مع أولادي في شقة لا تزيد عن غرفتين، بل وصار لا يدخل ذلك البيت إلا إذا مرض أحد الأطفال، وبالكاد أتحصل على مصروف البيت الذي يرسله مع زوجة أخيه، في الوقت الذي يدلل فيه زوجته الأخرى التي تصغره سنا، فهل هذا عدل؟». مفاجأة أخرى لسهام 35 سنة لم تتوقعها في حياتها وهي التي حفظت عبارة «إذا أردت أن تحافظي على زوجك فاعتني بمظهرك»، ولكن هذه القاعدة لم تنطبق على سهام، فبعد مرور عشر سنوات على زواجها لاحظت تغيرا في تصرفات زوجها، فقد صار شارد الذهن طوال الوقت ولم يعد يبدي اهتماما كبيرا بها وبولديهما تقول: «في البداية كنت أظن أنها مشاكل في العمل، ولكن مع مرور فترة أطول أحسست أن المشكلة أكبر مما أتوقع، خاصة وأنه أصبح عصبي للغاية وينتظر مني أي خطأ ليغادر البيت قائلا أنه سينام عند صديقه»، تضيف: «كنت كقطة مغمضة العينين، ولكن جارتي أكدت لي أن لا شيء يغير الرجل تجاه زوجته وبيته إلا إذا كانت في حياته امرأة أخرى، وطلبت مني أن أتبعه وهي من رافقتني في ذلك، وبالفعل رأيت زوجي يطرق أحد البيوت ويدخل قبل أن أتأكد أنه ذهب إلى بيت حماته، أين تقيم زوجته الثانية التي كانت تنتظر منه أن يصارحني بالأمر، هنا لم أر أمامي سوى طلب الطلاق الذي منحه لي بكل برودة». فاطمة 39 سنة، هي الأخرى ارتأت أن تصف لنا حالتها النفسية التي لازمتها بعد سماع خبر زواج زوجها، فقد بكت بحرقة، لم تأكل ولم تشرب لأيام حتى أدخلت المستشفى، أهملت بيتها وأبناءها لشهور طوال، بل وتسبب حالها في فشل ابنها في دراسته، ولكنها تؤكد أنها بعدها تحولت إلى امرأة أخرى تصف نفسها بالقول: «لقد تحولت إلى وحش لأحمي نفسي وأطفالي، فأنا أعلم أنها بداية حرب ضروس كان لابد أن أخرج منها منتصرة، فبعد أن خسرت زوجي لا أريد أن أخسر بيتي»، فاطمة قررت أن تبقى في بيتها ولا تخرج منه مهما حدث لها، وبالفعل كانت المشاكل لا تفارق البيت والسبب حسبها هو عدم عدل الزوج في المعاملة بين الزوجتين حتى في أبسط الأمور تقول: «صرت وأطفالي نكرة في البيت، نهان ونشتم وأحيانا نضرب». تصاب بالجنون لأن زوجها تزوج عليها لازمت كثير من النساء مشاكل نفسية جمة منهن من أصبحن منطويات على أنفسهن، يعانين الكآبة والحزن في أغلب الأوقات، وأخريات أصبن بإحباط شديد قلب حياتهن رأسا على عقب، منهن من تجازون تلك المرحلة، ولكن منهن من أصبن بالجنون، والسبب امرأة جديدة تأخذ منها زوجها وهي حالة العلجة 50 سنة، تعرضت لصدمة نفسية شديدة بعد أن علمت بأن زوجها أعاد الزواج وهو ما كان سببا في بداية اضطرابات عقلية جعلتها تترك البيت إلى وجهة مجهولة جعلت صورها تملأ الأحياء بحثا عنها دون جدوى. يفسر الأخصائيون النفسانيون ذلك الإحباط النفسي الذي يلازم النساء ممن يعايشن التجربة أنه حالة طبيعية، فالمرأة غيورة بطبيعتها، خاصة على زوجها ولا يمكنها أن ترضى أن تشاركها فيه امرأة أخرى، وكثيرا ما تعتبر ذلك الزواج خيانة عظمى لا تغتفر وقد تتمنى المرأة في تلك اللحظة الموت. رقية ومخلوفة ضرتان ليستا كالأخريات هما امرأتان أثارتا استغراب أهل الحي الذي تقطنان به رفقة زوجهما في شقة لا تتعدى ثلاث غرف، الأولى أم لخمسة أطفال، والثانية لطفل واحد، حدثتنا بعض النسوة عنهما فقلن أنهن كالأختين، ومن يراهما لا يمكن أن يقول أنهما ضرتان، والدليل أنهما تعيشان بسلام ولم تحدث بينهما أي مشاكل، والسبب حسب ما أكدته إحداهن هو صلاح الزوج الذي يحرص على أن يكون عادلا بينهما تقول «استغربنا كثيرا لأمر رقية، فهي لم تعارض زواج زوجها في الوقت الذي كان من المفروض عليه أن يقوم بتزويج ابنه، بل ورضيت أن تقيم مع ضرتها في نفس البيت، وهذا ما كانت لتقبله امرأة أخرى»، رقية ومخلوفة نموذج لامرأتين رضيتا بقدر الله ومصيرهما المشترك، وأدركتا أن المشاكل لن تكون في مصلحة أي منهما. نساء يرين في المادة القانونية حماية لهن ربما كان من الصعب أن نسأل الجنس اللطيف عن رأيه حول واقع تعدد الزوجات في مجتمعنا، فقد أجمعت أغلب اللواتي تحدثن إليهن، أنه أمر لا يمكن أن تقبله أي امرأة، وقد أرجعن أسباب تفكير الزوج في الاقتران بأخرى إلى غنى الزوج من جهة وارتفاع نسبة العنوسة التي جعلت بعض النساء يرضين بمن يتقدم لهن ولو كان رجلا متزوجا ولديه أطفال، تقول نسيمة: «إن الرجل عادة ما يقرر الزواج عندما يكون مرتاحا ماديا، فكلما زاد المال في جيوب بعض الرجال زادت إمكانية زواجهم مرة أخرى، والأدهى أنهم يتزوجون بفتيات تصغرنهم سنا». «قانون الأسرة خدمنا خدمة العمر» تقول إلهام وهي تستبشر كل الخير بالمادة القانونية التي تمنع الزوج من الزواج مرة أخرى دون موافقة الأولى على أنها ستنظم الزواج، والقانون سيجنب المرأة تلك المعاناة، خاصة وأن الكثير من الرجال لا يعدلون، لتضيف أن المرأة صارت اليوم أكثر وعيا بكل ما يكفله القانون. رجال ينتقدون المادة الثانية من قانون الأسرة بعض الرجال الذين تحدثنا إليهم كانت لهم وجهة نظر أخرى بخصوص تلك المادة القانونية ولم يتوانوا في إبداء استيائهم من القانون الذي يقولون أنه كان ضدهم في الكثير من الأمور، خاصة وأنه يعيقهم عما أحله الله، فمنهم من يرى أنه سيؤدي إلى مشاكل أخرى، مؤكدين أن هذا القانون لا يمكنه أن يحرمهم من حقهم الطبيعي، وهذا ما تجسد في الحيل التي اتبعها بعض الرجال للتملص من هذا الالتزام، خاصة أنه ليس من السهل أن توافق الزوجة على ذلك، وفي الوقت الذي اكتفى البعض بزواج الفاتحة، فيما استخرج آخرون عقد الزواج بعقد ميلاد طفل من الزوجة الثانية. وعن مسألة العدل، فقد تباينت الآراء بين من يرى نفسه عادلا، وبين من أقر أن العدل لا يمكن تحقيقه أبدا حتى وإن تجسد من الناحية المادية فلا يمكن أن يسوي بين زوجتين أو أكثر من الناحية العاطفية، لأن القلب لا يمكن التحكم فيه ولا بد أن تميل الكفة إلى أحد الطرفين على حد تعبير البعض.