ينطبق المثل الشائع الذي يقول »صمت دهرا ونطق كفرا« على الاقتراح الأخير الذي تقدم به حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية والمتمثل فيما اسماه بالحكم الجهوي، وهو تعبير مهذب للاستقلال الذاتي الذي لم يسبق للأرسيدي أن تبناه بشكل واضح وصريح، وقد عرفت به الحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل لصاحبها المغني والمناضل البربري والعضو السابق في الأرسيدي فرحات مهني. يقول مقترح التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أن نظام الدولة الحالي المبني على المركزية ونظام الدولة الموحدة أو البسيطة حسب التعبير الأكاديمي، هو نظام موروث عن العهد الاستعماري، والمطلوب حسب هذا الحزب هو إنشاء 15 مقاطعة وعواصم جهوية تتمتع كل واحدة منها بصلاحيات واسعة وبتمثيل شعبي حقيقي، وتعطى لها كل ما يلزمها لتحقيق السير الحسن للمؤسسات عدا ما تعلق بالدفاع والخارجية والعملة، ويراعى في عملية التقسيم هذه تقاليد والخصوصيات والثقافة لكل منطقة. ولم يقدم الأرسيدي أي شيء يبين من خلاله مبررات هذا الطرح الجهوي، وما الذي يجعل هذا الحزب يخرج علينا بهذه الطبخة وفي هذا الظرف بالذات، هل النظام الحالي للدولة ينطوي على أي مشاكل تعيق الممارسة السياسية أو يشكل عبئا على المجتمع، ومتى كان تفكيك الدولة البسيطة الموحدة إلى دويلات صغيرة يربطها نظام فيدرالي كما هو موجود في بعض الدول المركبة يشكل حلا لأي مشكلة من المشكلات السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، ثم هل طالب الجزائريون أو حتى جزء منهم بالتحرر من المركزية؟ ويخفي إصرار الأرسيدي على وجوب الأخذ بعين الاعتبار بالجانب الثقافي وبالتقاليد وعادات وخصوصية كل منطقة، نية مبيتة لبعث مشروع الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل، ويبدو أن هذا الحزب قد اهتدى إلى حيلة لمحاولة تمرير مشروعه الجهوي عبر طرح شمولي يمس كل مناطق البلاد. الأرسيدي يحاول حل مشاكله الداخلية ومعالجة إخفاقاته السياسية عبر التوجه نحو الخيارات المتطرفة والعودة إلى نظريات قديمة عفا عنها الزمن، جرى تجريبها في وقت سابق بهدف تحقيقي سيناريو معروف يتمثل في إعطاء منطقة القبائل استقلالا ذاتيا تمهيدا لسلخها بشكل نهائي عن الوطن الأم، ولطالما رفع بعض أدعياء الطرح الأمازيغي وبعض المتخفين وراء رداء الهوية والثقافة البربرية، وراء الطرح الجهوي الذي يريدون من ورائه تقسيم الجزائر إلى دويلات صغيرة، بحيث تكون منطقة القبائل القاطرة التي ستجر باقي المناطق الأخرى إلى الانفصال، دولة للقبائل بوسط الجزائر، وأخرى للشاوية بشرق الجزائر، ودولة للمزاب بغرداية ودويلة للتوارق بأقصى الجنوب..الخ وبطبيعة الحال فإن هذا الحزب لم يبدع أي شيء وما يقدمه ليس من بنات أفكاره إنما هو مستوحى من سيناريوهات استعمارية قديمة كانت تدفع في اتجاه تشكيل دويلة للقبائل بشمال الجزائر، ودويلات أخرى في كل ركن من أركان الجزائر، فالجزائر في منظور منظري الاستعمار القديم والجديد هي اكبر مما يجب والمطلوب هو تجزئتها إلى دويلات ولا يهم مسمى هذه الدويلات محافظات أو مناطق مستقلة ذاتيا، فما يدفع من اجله العراقيون الدم بشكل يومي مستمر ويبذلون من أجله قوافل من الضحايا لصده، وهذا الذي يزرع الدمار في ليبيا وسوريا وربما في دول عربية أخرى يريد الأرسيدي نقله بكل بساطة وتطبيقه في الجزائر تحت عنوان براق اسمه تحسين عملية تسيير الدولة ومنح صلاحيات أوسع للمناطق والأقاليم. يبدو أن الأرسيدي يعاني من حالة عطالة سياسية دفعته إلى التمترس وراء أفكار خبيثة يهدف من ورائها إلى استفزاز كل الجزائريين، فهذا الحزب الذي قاطع التشريعيات وخرج من امتحان المقاطعة صفر اليدين خاصة بعدما شارك غريمه الأفافاس في العملية الانتخابية، يحاول اليوم تبرير مقاطعة أخرى للمحليات ستبعده أكثر من الساحة السياسية وتدخله في دوامة أزمات داخلية لا تنتهي، وما دام الأرسيدي أصبح عقيما لهذا الحد، وغير قادر لا إنتاج أفكار محترمة ما عليه إلا أن يعيد الاعتماد للداخلية ويحل نفسه تلقائيا ويندمج في حركة فرحات مهني بدلا من أن يكلف نفسه تسويق أفكار هذا المغني المغمور والتافه.