بعد أيام قلائل قد يتم تدشين الدخول الاجتماعي لموسم 2012 / 2013 بالإعلان عن الطاقم الحكومي الجديد كما يتوقع الجميع، وافتتاح الدورة الخريفية للبرلمان المنتخب حديثا، والذي سيدخل اختبارا حقيقيا لمصداقيته بعد سلسلة الانتقادات التي وجهت للبرلمان السابق الذي ذهب الكثيرون الى اعتبار العهدة الماضية سلبية. امتحان لمصداقية البرلمان مصداقية البرلمان على المحك، لأنه يأتي في مرحلة فاصلة في تاريخ الجزائر، بالنظر الى سقف التوقعات والمطالب التي ينتظرها الشعب، وأيضا بالنظر الى التحديات والمخاطر الخارجية، وأيضا بسبب حالة التذمر الجماهيري الواسعة، والتي عبر عنها تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الانسان، من خلال إشارته الى أن البيروقراطية وجبروت الادارة هما سبب التصعيد الاجتماعي والجنوح نحو استعمال العنف للمطالبة بنيل الحقوق. صحيح أن البرلمان ليس الحكومة أو المسيرين، ولكنه في نظر العامة، المؤسسة القادرة على فضح قصور الوزراء وانحراف المسؤولين عن الخط من خلال وظيفة الرقابة الدستورية، وأيضا من خلال رفض القوانين التي تضر بمصلحة الوطن أو تقلص من مساحة الديمقراطية، وقد حصل مرارا أن صوّت المجلس على قوانين تبيّن فيما بعد أنها خطيرة على الاقتصاد وعلى الوضع بصفة عامة. هذا الدور المفترض للبرلمان والمحدد قانونيا لم يعد ظاهرا، خاصة في السنوات الأخيرة بسبب ما يعرف بالعزوف الانتخابي وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة عموما وفي البرلمان خصوصا. أهمية هذه المؤسسة بالنسبة للمواطن تكمن في أنها الوحيدة التي يختارها بإرادته، وبالتالي فهو ينتظر منها أن تعبر تعبيرا صادقا عن كل انشغالاته ولا تدخل في لعبة الحسابات والتوازنات والبزنسة، وهي ممارسات في ازدياد مستمر بعد دخول المال الفاسد وتغييب المقاييس والضوابط في العملية الانتخابية. لقد لاحظنا جميعا ذلك الغياب الكلي لمعظم مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها البرلمان الذي دخل في عطلة صيفية، في حين كان من المفترض التريث من جانب النواب والنزول الى الشارع الذي يغلي بشكل مستمر منذ أعوام وفي كل الولايات. الحضور المعنوي للنواب كان الغائب الأكبر خلال العهدة السابقة، لذا ونحن على أبواب الانتخابات المحلية قد يتكرر موضوع العزوف، وقد بدأ الناس فعلا يعبرون عن عدم ثقتهم في البرلمان الجديد وفي الانتخابات عموما. من هنا، تكمن أهمية هذا الدخول البرلماني الجديد، الذي سيكون في بداية شهر سبتمبر، والذي يستوجب من النواب، خاصة كتلة الأفلان بوصفه الحزب الفائز بالأغلبية والمالك لتجربة عريقة في العمل الجواري والاتصالي، تطليق الأسلوب الماضي في العمل وإعداد خطة محكمة وواضحة لملء كل الفراغات وتأطير كل المساحات الاحتجاجية والحضور المستمر الى جانب المواطنين ومحاولة توصيل الأفكار الإصلاحية والبناءة، خاصة لجيل الشباب الذي ركز عليه السيد عبد العزيز بلخادم الأمين العام للأفلان خلال الندوات التكوينية، عندما قال بأن عنصر الشباب سيكون المحور الأساسي في العمل الحزبي، سواء من خلال اختيار عناصر شابة للمحليات، أو من خلال تكليفه بمهام حزبية. إن سخونة هذا الدخول الاجتماعي والسياسي والبرلماني لن تسمح بالارتجال أو اللامبالاة، لذا فإن الفرصة مواتية جدا أمام الأفلان لكي يعود الى الصدارة فعليا وواقعا بعد الصدارة الانتخابية. الحسم في الملفات المطروحة ونحن بصدد الحديث عن انطلاق الدورة الخريفية للبرلمان المقرر يوم 3 سبتمبر القادم، نجد صعوبة في التعاطي مع الموضوع بسبب انعدام المعلومات والمادة، بالنظر الى كون أهم ملف سيشكل المادة الدسمة للعهدة البرلمانية الراهنة هو ملف التعديل الدستوري، لكن الحاصل أنه لحد هذه اللحظة لم يظهر أي شيء ولم ينشر أي شيء بخصوص المواد التي سوف يشملها التعديل الدستوري المرتقب. باختصار، المشروع المعدل للدستور لم يصل بعد إلى النواب، لذا فإن كل ما نستطيع قوله بخصوص هذا الموضوع هو أن المادة الخاصة بتحديد العهدات الرئاسية ستكون الأهم بالنظر إلى التطورات السياسية التي عرفتها البلاد والمحيط العربي، لذا فإن هذه النقطة سوف تحدث بدون شك نقاشا سياسيا وإعلاميا كبيرا، وقد لا تطرح إشكالا، لأن الجميع يريد الانخراط في المسعى الديمقراطي القائم على مبدأ التداول على السلطة وتجديد دماء النظام. هناك أيضا موضوع العلاقة بين السلطة التنفيذية والبرلمان، التي جاءت المواد المتعلقة بها متناقضة كما يقول بعض الخبراء، والمواد الخاصة بتعيين الوزير الأول وجملة من المواد ذات البعد التنظيمي والإجرائي. كما سيشكل موضوع فتح القطاع السمعي - البصري ملفا ساخنا يحتاج الى مواقف حاسمة ونهائية، بسبب التأخر الكبير للجزائر في القطاع، حيث لاتزال الجزائر من الدول النادرة التي تحتكر فيها الدولة قطاع السمعي - البصري، مما أدى الى تقلص مساحة الحرية وانعدام الإبداع والانتاج الاعلامي والثقافي، بالرغم من وجود بعض الفضائيات التي تسمي نفسها مستقلة، والتي تنشط خارج دائرة القانون، بحيث تقوم بتغطيات ميدانية وتحقيقات مع أنها لا تملك أساسا رخصة البث والعمل، وهذا يطرح أيضا موضوع انتهاك القوانين في الجزائر بشكل مذهل. هذه الملفات التي سوف تطرح على البرلمان قريبا - كما هو متوقع - ستضع حزب الأغلبية ممثلا في الأفلان في اختبار حقيقي لمدى قدرته على التجاوب مع المطالب الشعبية والتوفيق مع مقتضيات التوازنات السياسية. لقد سبق لحزب جبهة التحرير الوطني خلال الحملة الانتخابية الماضية أن قدم وجهة نظره بشأن موضوع طبيعة النظام السياسي، الذي يريده مزيجا بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني. بالنظر الى تركيبة البرلمان الحالي والذي يسيطر فيه الأفلان على الأغلبية، فإنه من المنتظر أن يؤخذ بالكثير من مقترحات الحزب بشأن جل الملفات المطروحة. لكن الأفلان يريد إشراك كافة القوى السياسية والحزبية للخروج بصيغة إصلاحات سياسية وتعديلات دستورية تضع حدا لمرحلة الحلول الظرفية والقرارات المؤقتة. منعرج مصيري لقد عاش الجزائريون صيفا حارا بأتم معنى الكلمة. فبالاضافة الى حرارة الفصل وقساوة الصيام وانقطاعات الكهرباء وندرة المياه وغلاء الأسعار، هناك أيضا تذمر كبير من الطريقة التي تدار بها المؤسسات، والتي انعكست في شكل بيروقراطية ودوس على القوانين وحقرة وفساد ومراتب تعيسة تحتلها عاصمتنا وجامعاتنا، لذا فإن المرحلة الراهنة، خاصة مع هذا الدخول الاجتماعي الساخن، تتطلب من كافة القوى والمؤسسات العودة بقوة لملء هذا الفراغ السياسي الواضح والمتميز بغياب شبه كامل للمسؤولين والمؤسسات التي عجزت عن مواجهة العديد من المشاكل والحسم في الملفات الشائكة المطروحة. إذا كانت أجندة البرلمان لم تحدد بعد، فإن هذه الوضعية لوحدها كفيلة بأن تملأ كل الأجندات بالنسبة للنواب الجدد، فهناك قانون المالية 2013، والذي ينتظر أن يطرح على النواب بعد أيام قلائل من افتتاح الدورة الخريفية، يضاف الى هذا مشروع القانون الخاص بالمحروقات والقانون الخاص بقطاع السمعي - البصري، وبالطبع يشكل موضوع الانتخابات المحلية المقررة يوم 29 نوفمبر أحد أهم الملفات التي تعنى بها الغرفة السفلى، وذلك لكونها ستعتمد في عملية تجديد ثلثي مجلس الأمة. من ناحية أخرى يستبعد بعض الملاحظين تناول مجلس الأمة لموضوع التعديل الدستوري الذي من المنتظر أن يؤجل الى غاية جانفي 2013 كما تشير بعد المصادر. يبقى أن نتساءل حول الحكومة التي سوف تشرف على وضع لمسات قانون المالية وإنجاز الانتخابات المحلية وتجديد المجالس الولائية، هل ستكون الحكومة الحالية أو أخرى يتم الإعلان عنها قبل افتتاح الدورة الخريفية؟ مهما كانت الأمور فإن الوضع يحتاج إلى مباشرة سلسلة من الخطوات والاجراءات حتى يتم تثمين نتائج تشريعيات العاشر ماي، وخلق ديناميكية سياسية تخفف من حالة الإحساس بغياب الدولة سياسيا، وتؤطر الفلتان الاجتماعي الذي يزداد كل يوم. لا نبالغ إذا ما قلنا بأن الجزائر تقف فعلا في منعرج خطير، لذا فإن الدخول البرلماني الجديد لا ينبغي أن يكون كسابقيه فاترا وروتينيا. ومن جهة أخرى يتحمل حزب جبهة التحرير الوطني أمام الشعب وأمام التاريخ - لكونه الحزب الذي كتب تاريخ الدولة الجزائرية الحديثة، وأيضا لأنه حزب الأغلبية - مسؤولية إنجاح هذا الموعد المصيري، وذلك عبر العمل الجاد من أجل الخروج بإصلاحات وتعديلات دستورية، تؤسسة لدولة ديمقراطية اجتماعية، وتضع حدا لمراحل عديدة من التطاحن على السلطة والصراع من أجلها.