الذي يتابع الصخب المرافق للزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولوند للجزائر يخيل له أنها ستحمل تغييرا جذريا في طريقة تعامل فرنسا الرسمية مع الجزائر، وأنها ستشكل مناسبة للاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية والاعتذار عنها دون لف أو دوران، ودون التلاعب بالمصطلحات كما فعله سلفه نيكولا ساركوزي، لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما، فهولوند سيأتي للجزائر لتوزيع العواطف وبعض الكلام المعسول وسوف يرحل على نفس العبارات التي سمعناه من قبل، وهي أن ما حصل هو تاريخ مشترك أليم للجانبين،، وبتعبير آخر فإن الإساءة، حسب اعتقاد الفرنسيين، لم تأت من الاستعمار فقط وإنما من الشعب الجزائري أيضا الذي قاوم الاستعمار، أي المساواة بين الجلاد والضحية، وهذه ثقافة أضحت قاسما مشتركا بين النخبة الحاكمة في فرنسا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. يرد الفرنسيون على مطالب الاعتراف والاعتذار عن تاريخ فرنسا الدموي في الجزائر بعبارات توحي بان الوصول إلى هذه الغاية هو من المستحيلات، فما الذي يؤخر فرانسوا هولوند عن الاعتراف والاعتذار وتنفيذ الوعود التي قطعها قبيل انتخابه رئيسا لفرنسا، بل من الذي يدفع بخليفة ساركوزي إلى التمادي في استفزاز مشاعر الجزائريين من خلال تمجيد الحركى الذين أفاض في إبراز الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا في حقهم لما قال في رسالة وجهها إلى الحركى تلاها نيابة عنه الوزير المنتدب لقدامى المحاربين قادر عارف خلال احتفال في باحة الشرف في ساحة الانفاليد في باريس: »فرنسا تكبر دائما عندما تعترف بأخطائها«، مؤكدا بأن »ذاكرة الحركيين ذاكرة حية ومتألمة، وهي تفرض على فرنسا عودة إلى ذاتها والى تاريخها«، وأوضح هولوند أنه »قبل 50 عاما تخلت فرنسا عن جنودها، أولئك الذين منحوها ثقتهم، أولئك الذين وضعوا أنفسهم تحت حمايتها، أولئك الذين اختاروها وخدموها..« فوضع رئيس حكومة اليابان إكليل من الزهور على قبور جنود يابانيين ماتوا خلال الحرب العالمية الثانية كان كافيا لكي تنهض الصين عن بكرة أبيها لتندد بما اعتبرته استفزازا لمشاعر شعبها الذي ذاق الأمرين جراء الغزو الياباني للصين، ولو تجرا أي شخص في العالم على تكريم جنود ألمانيا النازية لثارت أوربا وأمريكا وانتفضت إسرائيل وطلبت برأس كل من قام بتمجيد النازية التي تسببت في ألام كثيرة ليهود أوربا، ,أما عندنا فإن وضع النصب التذكارية لسفاحي الجيش السري، وتكريم خونة الأمس وتعليق النياشين على صدور من شارك الجيش الاستعماري في ذبح مليون نصف مليون جزائري لا يعني أي شيء، والسؤال هو كيف يمكن لهولوند أن يجمع بين نقيضين، تكريم الخونة والقتلة، والمطالبة بأملاك الأقدام السوداء، ومن جهة أخرى الاعتراف بجرائم الاستعمار والاعتذار عنها. أشاطر الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، السعيد عبادو لما يدعو فرانسوا هولاند إلى »المبادرة بخطوة جريئة إذا أراد فعلا إيجاد صدى إيجابي من جهة الجزائر بخصوص فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية«، فعبادو قال أيضا بأن هولوند »مطالب بأن يعترف باسم فرنسا الرسمية بجرائم الاستعمار وعمليات الإبادة، ومخلفات التجارب النووية والألغام المضادة للأشخاص وبتفقير وتجهيل الشعب الجزائري، وفوق ذلك أن تعتذر دولته على كل هذه الجرائم وتعيد كل الأموال والأرشيف والمواد الثمينة التاريخية التي نهبت«، فهذه المسائل هي عبارة عن شروط مسبقة لأي تطيع للعلاقات بين البلدين أو لأي مشروع للصداقة بين البلدين، وهي شروط واضحة لا لبس فيها، ولا داعي أن يتهرب هولوند عبر استعمال عبارات مطاطية كالتعبير عن الألم الذي يحس به اتجاه جرائم الاستعمار فإذا كان الاستعمار مؤلما وجريمة ضد الإنسانية فمن واجب فرنسا الحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان أن تدينه بشكل واضح لا لبس فيه وتعتذر للضحايا.