الحديث المتواتر عن قرب تخلي الحكومة الجزائرية عن قاعدة 51 / 49 في إنشاء الشركات الجزائرية الأجنبية، يعني أن السلطات الجزائرية، أو جزءا منها ممن كان يتغنى بما أطلق عليه حينذاك الوطنية الاقتصادية، قد خسر المعركة، بعد أن أثبتت التجربة الميدانية، أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، ليست مستعدة للمغامرة في الجزائر، في ظل عدم استقرار القوانين، وفي ظل اقتصاد البازار الذي يشجع التجارة على حساب الإنتاج • سقوط نظرية الوطنية الاقتصادية، كشف أن أصحاب هذه الفكرة لم يستهدفوا من خلالها سوى غلق السوق الجزائرية في وجه الاستثمار الأجنبي وبالأحرى استثمار أجنبي بعينه، لأن هذا الاستثمار بحكم واقع الأزمة الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية بقي هو الوحيد الناشط والمتوفر في السوق الدولية• إن حكاية 51 / 49 التي قدمت في حينها على أنها ليست تفردا من الجزائر، وعلى أنها وسيلة من الوسائل لتمكين الجزائريين من الشراكة مع الأجانب واكتساب التكنولوجيا والمناجمت والحفاظ على الاستقلال والمصلحة الوطنية، لم تكن في الواقع سوى كلمة حق أريد بها باطل، لأن السوق الجزائرية، فيما عدا المحروقات - لم تكن في يوم من الأيام سوقا جاذبة للاستثمارات، بفعل المأساة التي مرت بها الجزائر، وقبلها أزمة منتصف الثمانينات، وبسبب من عدم استقرار القوانين، وغياب البورصة والسوق المالية، كما الحال في البلدان التي تعمد إلى مثل هكذا قوانين• إذا كان من حق الحكومة، أية حكومة، بل ومن واجبها الغيرة على المصلحة الوطنية والاقتصاد الوطني، فإن ذلك لن يكون أبدا إلا انطلاقا من واقع مدروس ومحسوب جيدا، بحيث تأتي الإجراءات والقوانين منسجمة ومتطابقة مع الحقيقة الاقتصادية للبلد، لا أن تكون القوانين سببا آخر في عزوف المستثمرين على قلتهم وغلق السوق الوطنية في وجه الاستثمار الأجنبي، ولا سيما الاقليمي منه، كما حصل في السنتين المنصرمتين• إن صدور قانون 51 /49 في حينه مترافقا مع إجراءات الشراكة مع الأجانب في المؤسسات التجارية الذي اكتفى بتحديد نسبة مساهمة الطرف الجزائري بنسبة 30 في المائة، قد أثار في وقته دهشة واستغراب كل العاملين في الحقل الاقتصادي والخبراء بوجه خاص، إذ كيف لحكومة تدعي الوطنية الاقتصادية ترفع سقف المشاركة في الوحدات الصناعية، مع ما تتطلبه من رأسمال ضخم إلى ما فوق الخمسين في المائة، وتنزل بذات النسبة إلى حدود الثلث فيما يتعلق بالمؤسسات التجارية التي لا تستدعي رأسمالا كبيرا؟! التسريبات المتتالية عن قرب تخلي السلطات العمومية عن هذه القاعدة الغريبة في سياق الواقع الاقتصادي الجزائري يؤشر فيما يؤشر إلى بداية تبدل نظرة الحكومة الجزائرية إلى علاقة السياسة بالإقتصاد التي ظلت إلى اليوم، ترهن الاقتصاد الجزائري للسياسة• في كل بلدان الدنيا المستقرة وذات النظرة الوطنية في الاقتصاد فإن السياسي يكون دائما في خدمة الاقتصادي، لأن الغاية الأساسية والهدف الأول لأية حكومة، إنما هو تحقيق النمو والرخاء الاقتصادي لمواطنيها، وقد رأينا على مدار العشريات الأخيرة، كيف أن الساسة والدبلوماسيين الغربيين والأسياويين يتنافسون في اصطحاب أرباب المال والأعمال في زياراتهم للبلدان الأخرى، ولم نسمع إلا نادرا بمقايضات سياسية على حساب الإقتصاد الوطني، كما يحصل في البلدان النامية والبترولية خاصة، حيث تعمد هذه البلدان ذات الإقتصاد الهش والجنيني من حيث الإنتاج وتنوعه، إلى التضحية بالمصالح الاقتصادية لبلدانها، بسبب خلافات سياسية لا تمس بالمصالح الحيوية والأساسية• فهل يشكل تراجع السلطات العمومية عن سياسة الغلق والمنع، نقطة البداية في الكف عن توظيف الإقتصاد في خدمة السياسة، أم أن الحديث الخافت عن الموضوع، مجرد تكهنات وأمانٍ، ليس له ما بعده•