تبدو قضية التنصير، التي بقيت إلى عهد قريب موضوعا محليا، سائرة على طريقة التدويل، فبداية من تصريحات كاتبة الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان انطلقت الآن حملة إعلامية منظمة ساهمت فيها جريدة لوموند بداية من أمس من خلال حديثها عما سمته بالقمع الأعمى للمسيحيين في الجزائر، ومن الآن بدأت الإشارات بوضوح إلى إمكانية بروز مواجهات بين المسيحيين والمسلمين رغم أن المقارنة بين الطرفين غير واردة على الإطلاق من حيث عدد أتباع كل ديانة. ما يثير القلق الآن هو أن الحملة بدأت بغطاء محلي من خلال مواقف صحف وشخصيات تعتبر أن الدفاع عن التبشير يدخل في إطار الدفاع عن الحرية، والأخبار التي يتم نقلها عن محاكمات لمسيحيين يتم تقديمها على أنها محاكمة للعقيدة النصرانية وأن الذين يمثلون أمام العدالة لا ذنب لهم إلا اختيارهم لدين آخر غير الإسلام، والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بمعاقبة المتنصرين بل هو ضبط للوضع بعد أن أصبح نشر المسيحية يتم بالإغراء والمال والوعود الكاذبة، والذين يدافعون عن حرية المعتقد اليوم لا يفعلون الشيء ذاته مع المسلمين رغم أنهم أهل البلد. في تصريحات رسمية أقر وزير الشؤون الداخلية والأوقاف ومن بعده وزير الداخلية أن الدولة أغلقت أماكن عبادة إسلامية لأنه تم إنشاؤها دون ترخيص وقد تم منع وعاظ من إلقاء الدروس أو الخطب في المساجد لأنهم لم يعينوا من قبل وزارة الشؤون الدينية ولم يتحرك حماة الحرية ليقولوا أن الدولة تحتكر الدين أو تمارس الوصاية على العقائد، وقد تم التنبيه في مناسبات كثيرة إلى خطورة هذا التيار الإسلامي أو ذاك وطلب من السلطات أن تتدخل للتحكم في الوضع لكن هذه المرة أصبح التدخل لفرض القانون قمعا للمسيحيين. لم يجرؤ أحد من حماة الحرية في الصحافة الفرنسية الصادرة بالجزائر على قول ما قاله هنري تنك أمس في جريدة لوموند عندما اعتبر أن مجموعات المسيحيين الإنجليين التي تثير هذا الجدل في الجزائر الآن هي في حالات كثيرة معادية للإسلام وتستلهم أفكارها من اليمين المسيحي في الولاياتالمتحدة. نعم الآن أصبحت لدينا مشكلة لكن ليس مع النصارى والتنصير بل مع هذا الطابور الخامس الذي يعتبر أن انسجامنا الديني وتمسكنا بالإسلام هو عقدة يجب فكها ولو بتحريض فرنسا وأمريكا على التدخل من أجل حماية المسيحيين من القمع والسماح بتنصير أكبر عدد ممكن من الجزائريين.