يؤكد الأكاديمي المختص في علم الاجتماع البروفيسور محمد طيبي ل»صوت الأحرار« أن الجزائر وبنجاحها في تنظيم الانتخابات المحلية تكون قد أكملت حلقات بناء السلطة التمثيلية من برلمان ومجالس محلية، معتبرا نسبة المشاركة المسجلة في المحليات وبالنظر للظرف الذي جرت فيه هي »ذات مغزى ايجابي« ومن شأنها الدفع في اتجاه استكمال الإصلاحات السياسية، أما العزوف عن الانتخابات أكد البروفيسور طيبي أنه لا يعكس بالضرورة »الرفض« للفعل الانتخابي وإنما له عدة عوامل متداخلة وفي تحليله لنتائج التيار الإسلامي، علّق محدّثنا بالقول » تقهقر الإسلاميين سببه أنهم لم يبنوا مشروعا هادئا ومقنعا وواقعيا بل اقترحوا الجنة للجميع وقدّموا شعارات أكبر من أحزابهم« كيف تنظرون إلى الانتخابات المحلية والظروف التي جرت فيها؟ الانتخابات المحلية هي الحجر الأساس في بناء الديمقراطية التشاركية والانتخابات في حدّ ذاتها كفعل حضاري يعبر عن نجاح الأمة التي تريد أن تفرض وجودها، وهناك عدة مستويات للتحليل عند تناول الانتخابات المحلية التي جرت أمس الأول: أولا أنها تأثرت ب50 سنة من التجربة الانتخابية في الجزائر بكل ما لها وما عليها كما أنها تتأثر بالضرورة بمسار الإصلاحات الجارية في البلاد. أما المستوى الثاني فإن الانتخابات المحلية ترسخ الإصلاح السلمي والعقلاني والتدريجي الذي يقي البلاد من الهزّات، كما أن الفعل الانتخابي يحيل أيضا إلى المرجعيات الثقافية للفعل السياسي والفعل التمثيلي إلى جانب تأثير العصب السياسية واختراق الانتهازية المحلية على نصاعة الفعل الانتخابي. لكن الأهم الآن إذا تحدثنا عن الانتخابات المحلية، فإن الجزائر تكون الآن قد أكملت حلقات بناء السلطة التمثيلية من برلمان ومجالس محلية وهو ما يؤهلها لتقيم صرح دولة يجد فيها المواطن مكانته وإرادته كما يسمح للقانون فيها بأن يفرض ذاته على الفاعلين. ما هي قراءتكم السياسية لنسبة المشاركة المسجلة في الاستحقاق المحلي؟ نسبة المشاركة نفسرها انطلاقا من فرضية تقول أن لكل انتخابات ظروفها، تحددّها عوامل ثابتة وأخرى طارئة، وهو ما يسميه العلماء التقليد الانتخابي المرسخ الذي يحيل إلى الولاء الانتخابي الحزبي، أما العامل الثاني فهو تأثير المناخ الاجتماعي والأمني والسياسي الذي يدفع الناخب إلى التصويت إلى القوة التي يعتقد أنها تضمن له نسبة معينة من الأمن والسلم والاستقرار، والعامل الثالث هو استراتيجيات المنتخبين والتي تدفع الناخب لأن يفاوض صوته وفق اللائحة أو البرنامج المقترح وإذا لم يجد ما يبحث عنه يعزف عن الانتخابات. النسبة المسجلة والتي قاربت ال44 بالمائة فهي تحيل إلى التطور البطيء للكتلة الانتخابية في الجزائر فهي نفس النسبة تقريبا التي انتخبت في التشريعيات، هل هذا راجع إلى ضعف الأحزاب في صنع رأي عام أم إلى ضعف البرامج المقترحة هذه أسئلة بحاجة إلى أجوبة، لكن وبشكل عام وقياسا بالظرف الذي جرت فيه الانتخابات يمكن القول إنها نسبة ذات مغزى ايجابي من شأنها أن تدفع بالإصلاحات المقبلة. مقابل 44 بالمائة من الناخبين أدلوا بأصواتهم في انتخابات أمس الأول هناك ما يقارب 56 بالمائة عزفت عن المشاركة في هذا الاستحقاق، بماذا تفسرون هذا العزوف؟ نسبة العزوف التي يمكن تسميتها بالكتلة الصامتة تحدّدها عدة عوامل لا تعني بالضرورة »الرفض للعملية الانتخابية«، أما الأسباب فيمكن تحديدها في: أولا: أن الأحزاب وخاصة العريقة منها لم تتمكن من تجديد ذاتها وظلت محتفظة بنفس »النفس الاتصالي السياسي« فهي ليست لها أدوات إعلامية ومستشارين يؤطرون العمل الحزبي. ثانيا: أعتقد أن الظهور المفرط للإدارة يجعل المشهد يبدو وكأن الانتخابات هي انتخابات الإدارة وليست انتخابات الأحزاب السياسية بينما العكس هو الصحيح. ثالثا: في كل المجتمعات هناك ما يسمى النسب المتحركة، بينما في الجزائر ليس لدينا قياسات ولا ندري أين تستقر نسب المشاركة ونسب العزوف. رابعا: نشير إلى أن نسبة العزوف في المدن الكبرى أكثر منها في القرى والمناطق الداخلية وافتراضيا يمكن القول أن لهذا العزوف علاقة بالغضب والتوترات التي تعرفها هذه الفضاءات وهو ما يدعو إلى الاعتناء بها من قبل الأحزاب السياسية والسعي لإقناع هذه الفئة من المجتمع. فالجزائر أمام سوسيولوجيا انتخابية متحركة بدأت تتعقد ولا يمكن للأحزاب أن تتحكم فيها إلا بالاعتماد على المختصين وليس بالشعبوية. هل يمكن القول أن الجزائر نجحت في اختبار الانتخابات المحلية؟ البلد الذي ينظم سلسلة انتخابات تمثيلية ويصل إلى تثبيت الفعل الانتخابي هذا في حدّ ذاته قمة النجاح، فالانتخابات ليست غاية وإنما وسيلة لصناعة الأمصار وتحقيق الرفاهية وهو ما ينتظره الجزائريون من كل موعد انتخابي. عدة أحزاب من التيار الإسلامي تحاشت المشاركة في الاستحقاق المحلي ونتائج من دخل المنافسة منها متواضعة لم تختلف كثيرا عن ما حققه هذا التيار في التشريعيات الأخيرة، في تحليلكم ما هي أسباب تراجع هذا التيار؟ ما حدث هو تقهقر للإسلاميين والسبب أن الإسلاميين في الجزائر »باعوا بكارتهم السياسية بسرعة« لم يبنوا مشروعا هادئا ومقنعا وواقعيا بل اقترحوا الجنة للجميع وقدّموا شعارات أكبر من أحزابهم كما أن الوصاية التي تطبع خطابهم السياسي جعلت الناخب ينفر منهم. فالمشروع الجزائري المستقبلي يتم بين قيم مشتركة تماما كما في الماضي بين المرجعية الوطنية الأصيلة التي يجب أن تتجدد والمرجعية الإسلامية الأصيلة، بينما أحزاب التيار الإسلامي اعتقدت أنها ستشرّع لحضارة الوعظ والإرشاد وهذا الخطاب أثبت محدوديته لأنه لا يعتمد على العقلانية ومن يصادر المرجعية المشتركة وهي الدين ويحولها إلى حزب كأنه يسطو على مرجعية ليست له ويصل إلى مأزق إثبات الهوية السياسية التي يحملها. تابعت الخطاب الانتخابي لهذا التيار ووجدت أن فيه من اللغو أكثر مما فيه من العقلانية والتجربة الإسلامية في الجزائر يجب أن تدخل إلى »مخابر التحليل« لتدرس ويفهمها الجزائري.