الزمن يغير وجه السياسة، ودورة الحياة التي تحدث عنها الزعيم التاريخي والمناضل السياسي الصلب حسين آيت أحمد ستأتي على كل محترفي السياسة الذين لم يستوعبوا التحول الحاصل في المجتمع. بقاء آيت أحمد على رأس جبهة القوى الاشتراكية لم يكن مشكلة في حد ذاته، فالتداول على السلطة داخل الأحزاب لا يشترط تغيير الرأس خاصة عندما يكون بوزن رجل مثل آيت أحمد، وللأمانة يجب الاعتراف بأن التداول على مناصب القيادة داخل الأفافاس كان تقليدا راسخا من الصعب أن نجد له نظيرا على الساحة السياسية الوطنية، غير أن المهم أن الرجل عرف متى يبتعد عن منصب المسؤولية دون أن ينسحب من السياسة لأن الاهتمام بالشأن العام والنضال من أجل بناء دولة الحق والقانون لا يمكن أن يتوقف. المجتمع الجزائري يمر بتحول عميق، وهذا التحول يتجاوز ما تطرحه السلطة من إصلاحات، ويتجاوز وتيرة حركة النظام السياسي، ويتجاوز أيضا ما تقترحه الأحزاب السياسية من بدائل، واستيعاب ما يجري يستوجب أولا الإقرار بأن جيلا جديدا بتطلعات مختلفة بات صاحب الحق في قيادة البلاد على طريق بناء دولة المؤسسات التي تضمن للجزائريين المواطنة الحقة، ولا بد من الاعتراف بأن إعادة بناء الثقة في العمل السياسي قد تتطلب رحيل أولئك الذين خربوا هذه الثقة وجعلوا التعددية مشوهة وعقيمة. لقد أدرك آيت أحمد بذكائه السياسي وخبرته الطويلة وحسه الوطني المتقد، أن المعارضة يجب أن تأخذ شكلا آخر، وأن الخطاب القائم على المواجهة والنقد المطلق والمعارضة الآلية لم يعد مقنعا لشرائح واسعة من المجتمع لديها رؤية أكثر عمقا لواقع البلد، وقد نجح الزعيم التاريخي في دفع حزبه نحو تبني رؤية أكثر إيجابية ليس من أجل التقرب من السلطة ولكن من أجل انسجام أكبر مع حقائق المجتمع. خلال خمسة عقود من المعارضة الشرسة والنضال السياسي المتواصل استطاع آيت أحمد أن ينال احترام الجميع، بمن في ذلك خصومه، وقد اختار الوجهة التي يراها صحيحة للأفافاس وللجزائر عندما ساهم بما يستطيع في وقف العنف ومنع عودته من خلال السياسة مجددا، وقراره اليوم هو علامة حسن خاتمة سياسية هو بها جدير.