كان على المصريين أن ينتظروا زيارة رئيسهم حسني مبارك إلى واشنطن ليسمعوا كلاما صريحا عن مسألة التوريث التي تشغلهم منذ سنوات، فوسائل الإعلام المصرية المرئية والمسموعة والمقروءة، وعلى كثرتها، لا تجرؤ على طرح السؤال على »الريس«، وأمريكا وحدها هي التي تقدر على مساءلة مبارك وغيره من الحكام العرب عن نواياهم وخططهم المستقبلية، وهكذا انتزعت »قناة سي بي أس« الأمريكية الإجابة التي يبحث عنها ملايين المصريين. مستقبل مصر، ومن يخلف مبارك في الحكم قضايا لا تهم الشعب الأمريكي في شيء، بل إن الأمريكيين لا يسمعون على الأرجح بشخص اسمه حسني مبارك أو جمال مبارك، لكن سبعين مليون مصري يهمهم مستقبل بلدهم، وهم منذ سنوات يعبرون عن رفضهم للتوريث، وقد خرجت المظاهرات في مناسبات كثيرة للتعبير عن رفض الشعب المصري لهذا الخيار، ورغم الضغط لم يجد مبارك ما يستدعي تقديم تفسير لما يجري على الأرض من تحضير لابنه للعب دور سياسي متقدم على الساحة المصرية، لكنه وجد أن أمريكا تستحق أن تحصل على إجابة من خلال وسيلة إعلام أمريكية لا يتابعها أي مواطن مصري. مبارك قال لأمريكا إن الشعب المصري هو من يقرر، لكنه يعلم أن أمريكا تعرف كيف تجري الانتخابات في العالم الثالث، وكيف تتغير ألوان الأوراق داخل الصناديق محكمة الإغلاق، ومبارك يعلم جيدا، وهذا هو الأهم، أن أمريكا لا يهمها أن تكون انتخابات مصر نظيفة، ولا يهمها اسم من سيخلف مبارك بل كل ما يهمها هو ولاء الخلف واستمراره على نهج السلف، ولهذا فإن ما صدر عن مبارك من تصريحات يعتبر كافيا في نظر واشنطن لغلق هذا الموضوع وغض الطرف عما يجري في مصر. عندما يقول الرئيس المصري إن الشعب المصري هو الذي يقرر فإنه يعيد ما قاله رموز حزبه الحاكم من أن جمال مبارك يحق له أن يلعب دورا سياسيا كبقية المواطنين وأن منصب رئيس الجمهورية يبقى مفتوحا أمام التنافس السياسي، غير أن هذا الكلام النظري يصبح بلا فائدة عندما نعلم أن الانتخابات في العالم الثالث هي مجرد إجراء روتيني لتكريس الأمر الواقع، وعلى الذين ينتظرون الدعم من أمريكا أن يفكروا في بدائل أخرى.