من الدوحة جاء بشير السلام إلى بيروت بعد أن كادت الحرب الأهلية أن تنطلق في هذا البلد لتعيده من جديد إلى سنوات مرت وعاش من خلالها القتل على الهوية والتدمير الكامل كما تحول لبنان إلى مرتع للقوات الدولية كان من أهمها القوات الأمريكية التي عاثت في هذه البلد وقصفت عاصمته بالبارجة البحرية "نيوجرسي" حتى أخذت تلك الضربة التي وجهتها لها المقاومة اللبنانية الوليدة إثر الاجتياح الاسرائيلي واحتلاله العاصمة بيروت 1982 بتفجير موقع القوات الأمريكية وقتل كل من فيه• ولقد جاء السلام آنئذ من الطائف بالمملكة العربية السعودية حيث اختصر الفرقاء ما يقارب العقدين من الزمن في اتفاق أنهى الحرب وأعاد السلام وانطلق هذا البلد العزيز على كل عربي ليستعيد بناءه ويمحو كل آثار الحرب المدمرة التي طالت كل شيء بما في ذلك النفوس• لكن نهضة لبنان وعودته إلى الحضن العربي، وإلى المجتمع الدولي واستعادة دوره المالي والاقتصادي والسياحي لم يرح اسرائيل التي لا تزال تحتل مزارع شبعا في الجنوب بعد أن انسحبت في شهر ماي 2000 تحت ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية، فأعادت من جديد خلط الأوراق باستمرار تعدياتها واختراقها للمجال الجوي اللبناني، وحتى اجتياحها لبعض القرى الجنوبية• لم تكن الساحة هذه المرة خالية، بل كانت المقاومة الوطنية اللبنانية بالمرصاد للتصدي لقوات الاحتلال وإنزال ضربات موجعة بها وأسر بعض جنودها وهو المبرر الذي اختارته اسرائيل لتنطلق في عملية جديدة ضد لبنان في شهر جويلية 2006 عازمة على إنهاء المقاومة وفرض شروطها التي توفر لها السلام على الحدود الشمالية• المقاومة الوطنية اللبنانية تقف وقفة الند لقوات الاحتلال وتلحق بها الهزيمة وتجبرها على الانكفاء إلى داخل حدودها على الرغم من التدمير الممنهج الذي قامت به الطائرات الحربية الاسرائيلية للقرى اللبنانية وصولا إلى بيروت وكل طرق المواصلات والجسور• اسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية تحركت في اتجاه الداخل اللبناني لإثارة المخاوف لدى بعض الأطراف اللبنانية لتنطلق حملة مركزة لنزع سلاح المقاومة وإنهاء حزب الله من الساحة اللبنانية على أساس أنه يهدد الوحدة اللبنانية والسلام في المنطقة وتوزعت الاتهامات على كل من سوريا وايران• تحركت هذه الأطراف لتتحرش بالمقاومة الوطنية اللبنانية وسلاحها المقاوم للاحتلال حتى أن البعض منها وصل إلى حد اعتبار مزارع شبعا وكفر شوبا غير لبنانية ودخلت القضية في جدال داخلي وصل حتى أروقة الأممالمتحدة، كل ذلك حتى لا يبقى مبرر لوجود المقاومة التي هزمت اسرائيل ووضعت حدا لتلك التعديات التي كانت تمارسها ضد القرى والمناطق الجنوبية للبنان• بدأت بوادر الأزمة السياسية تتفاقم بين الأطراف الفاعلة على الساحة اللبنانية والتي انقسمت إلى ما سمي الموالاة، والمعارضة والتي وصلت بعد عام ونصف العام إلى حد المواجهة المسلحة والتي وفر لها البعض أسباب الانفجار حيث لم تنجح كل المحاولات التي قامت بها جامعة الدول العربية وأطراف أخرى عربية وغير عربية• وقفت المعارضة موقفا صلبا في اتجاه الطرف الآخر في استهدافه المقاومة الوطنية اللبنانية مما أدى إلى تسارع الأحداث والمواقف وبدأت المليشيات المسلحة تنزل للشارع وفي كل أنحاء لبنان ما يؤكد انفجار الوضع وقيام حرب أهلية ثانية• ولأول مرة تنجح مبادرة عربية وفي وقت قصير من لملمة الموقف في لبنان وإنهاء أزمة معقدة عاشت أكثر من سنة ونصف بل ووصلت إلى حد شغور كرسي رئاسة الجمهورية وتعريض البلاد إلى كل الأخطار، وأشدها الانقسام، نجحت الدوحة وأميرها ورئيس وزرائها في تتويج انتصار آخر للبنان على كل القوى التي أرادت الحرب، وسجلت هزيمة جديدة لاسرائيل وحلفائها والذين لم يكونوا متحمسين للمبادرة القطرية• نعم يمكننا كعرب أن نواجه الآخرين ونفرض حل أزماتنا بأيدينا لا بأيدي الآخرين، ولسنا دائما في حاجة إلى الآخرين•• لقد ربح لبنان العرب وربح العرب أنفسهم•