لا يكفي إنجاز مشاريع جديدة أو ترميم ما هو موجود من هياكل ثقافية وسياحية لكي تكون قسنطينة في مستوى الحدث الثقافي المزمع تنظيمه في 2015 ) قسنطينة عاصمة الثقافة العربية(، إذا لم تكن هناك ثقافة بيئية بمعنى الكلمة، في غياب الشبه كلي للجمعيات المهتمة بنظافة المحيط. الحديث عن زجاجات الخمر المنتشرة على حواف الطرقات السريعة، لاينتهي، حيث طالت هذه الظاهرة، المواقع الأثرية والمعالم التاريخية)ضريح ماسينيسا(، وشوهت زجاجات الخمر صور شهداء الواجب الوطني، مثلما هو الشأن بالنسبة للمعلم الواقع خلف القاعة متعددة الرياضات بحي الدقسي عبد السلام، والذي يعود إلى شهيد الواجب»عمار بوخزر«الذي تم العثور على جثته بعدما اغتالته أيادي الإرهاب في 03 أفريل,1995 ولكن الإهمال والتسيب من قبل القائمين على قطاع النظافة، حوّله إلى فضاء لتعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية. وتكاد الأوساخ وانبعاث الروائح تقتل قلب المدينة النابض بالحركية والديناميكية، وتعذر على المواطن السير في بعض المناطق بوسط مدينة قسنطينة، مثلما هو الشأن بالنسبة للشارع الرئيسي العربي ين مهيدي، أين تحولت زاوية من زوايا هذا الشارع، وبالضبط بالقرب من ثانوية سمية العجابي إلى مفرغة عمومية، ناهيك عن المخلفات التي يتركها التجار على الأرصفة، خاصة وأن هذه المنطقة تعتبر معبرا للسياح، كونها محاذية لجسر ملاح سليمان المعروف بقنطرة ) السانسور(، المقابل للملحق الجامعي »المدرس« التي عادة ما تكون قبلة للباحثين من داخل وخارج الجزائر. وإذا قلنا أن هذه المناطق بعيدة عن أنظار المسؤولين المحليين، فبعض المناطق واضحة للعيان و يقف عليها السواح الأجانب، فعند عبور جسر سيدي راشد تقابلك القمامة التي نشأت بالقرب من الغابة الواقعة أسفل الجسر، وهي منطقة تباع فيها كل أنواع الخردوات، وتقتات منها العديد من العائلات الفقيرة، لكن التهاون وغياب الرقابة أصبح كل شيء مباح في هذه المنطقة ، وقد سبق وأن قامت مصالح الحماية المدنية بتنظيف هذه المنطقة وإزالة الأوساخ عنها وكل ما يشوبها من فوضى عدة مرات. كما كانت هناك مبادرات أخرى قامت بها جمعية المبادرة والتفكير التي كان يترأسها الطبيب بن قادرية المدير السابق للمستشفى الجامعي ابن باديس قسنطينة، الذي عمل على تطهير المعلم الأثري »نصب الأموات«، من الأوساخ وتنقيته من زجاجات الخمر، ثم أسفل جسر سيدي راشد، غير أن الأمور عادت إلى حالتها الطبيعية، دون أن تحرك السلطات المحلية ساكنا، كما أن أعضاء هذه الجمعية غابوا عن الساحة وتوقف نشاطهم مند وفاة رئيس الجمعية، وللعلم فإن هناك جمعيات أخرى متخصصة في نظافة المحيط لكنها متقاعسة نوعا ما في القيام بمثل هذه المبادرات. لم تعد قسنطينة كما كانت عليه في سنوات مضت، فقد كانت في السبعينات شعلة تنير الشوارع والحدائق العمومية، التي كانت تشهد حركية لا مثيل لها بتواجد» الكاليش« وكل وسائل الراحة، أما اليوم فقد أصبحت أكياس البلاستيك تتطاير في الهواء ، تداعبها الرياح، فتارة تلتصق بوجوه المارّة، و تارة أخرى تصطدم بالمركبات، وبالرغم من المشاريع التي وضعتها السلطات الولاية من خلال إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المختصة في النظافة والمساحات الخضراء، غير أنه لم تظهر نتائجها إلى اليوم، والسؤال الذي ينبغي أن يطرح ما فائدة عودة »الكاليشات« إذا كانت شوارع قسنطينة قذرة، وطرقاتها مهترئة، ويمكن الوقوف على الشارع الرئيسي زيغود يوسف باتجاه المجلس الشعبي الولائي بوسط المدينة، حيث ما يزال مغلقا بسبب هشاشة الطريق وانهيار جزء منها . هذا هو واقع قسنطينة التي تغرق في مشاكل بالجملة، هل يمكن القول أن المواطن اعتاد على الفوضى، وأنه يهتم بالجمال الداخلي لمنزله ولا يولي أي أهمية لما هو خارج مسكنه، لا لشيء إلا لأنه ملك »البايلك«، أم راجع إلى تقاعس الإدارة، والسؤال يطرح نفسه من المسؤول عن هذه الفوضى؟ وأين هو دور الجمعيات في غرس الثقافة البيئية عند المواطن الجزائري؟ فهل ستبقى قسنطينة على هذا الوضع وهي التي تستعد لاحتضان واستقبال وفودا ومثقفين عرب في تظاهرتها الثقافية في 2015؟