تقترب الهيئة التشريعية من اختتام السنة الأولى من عهدتها التشريعية السابعة والجزائر تنهي العقد الخامس بعد استعادة الاستقلال والشروع في بناء الدولة الوطنية تحت لواء الجمهورية كما نصّ عليها الإعلان المؤسس في الأول من نوفمبر ,1954 ولا ريب أن ذلك من أهم مكاسب ثورة التحرير الكبرى التي ينبغي أن تحافظ عليه أجيال اليوم والغد. ليس في النية في هذه الورقة الخوض فيما سبق وتواصل من توصيفات وتقييمات حول أداء المجلس وبعضها من قبيل ''ولا تقربوا الصلاة'' ولا الخوض فيما ظهر وما بطن من الحراك بأصواته الصاخبة والهادئة وما طرأ على الساحة السياسية من ارتباط وفكّ ارتباط وتجزّأ وتجمّع والأوضاع الراهنة في حزبين يتصّدران الساحة الوطنية، فليس في السطور التالية أي ردّ أو تصويب أو محاجّة، فالجزائر تتسع لكل أبنائها، إذا انطلقوا من الجوامع المشتركة للوطنية التي تحدونا جميعا لإدراك مصاعب المرحلة في محيط جيو سياسي مضطرب، بعد أن استعادت بلادنا الامن والأستقرار وأنطلق قطار التنمية بما يحمله من أثقال قديمة وحديثة وبسرعات متفاوتة حسب كل قطاع.من الواضح أنه من حق كل تشكيلة سياسية أن تعبّر عن رأيها وتدافع عن مواقفها من سياسات الحكومة في قاعات البرلمان وفق قواعد الممارسة الديموقراطية، وهذه الممارسة ليست مثالية وخالية من الشوائب والمآخذ فليس كل أعضاء المجلس من الملائكة ولا من الشياطين كما هو الحال في أي بلد في العالم، ومن بينها بلدان المقدمة التي نصبت نفسها معلمة للديمقراطية وفرضت في نفس الوقت حصانة وحماية على أنظمة استبدادية دموية وخاصة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وحتى في أروبا نفسها، والمنطقة العربية والإسلامية ليست أفضل حالا قبل ما يسمى الربيع العربي على غرار ربيع زبراغس وبعده، حيث لم يتبين خيطها الأبيض من خيطها الأسود، ويعود الحكم والتمييز إلى الشعوب المعنية ونخبها السياسية ومجتمعاتها المدنية، فلم تتورط الجزائر في أي نزاع داخلي وليس من شأنها توجيه التحول في أي بلد، استمرارا لمبادئ ومواقف الثورة الجزائرية التي كانت في حاجة إلى الدعم السياسي والعسكري ولم تقبل أبدا أن تحتويها أو توظفها أي دولة في المنطقة وبقيت طوال الكفاح المسلح بمنأى عن الصراعات الداخلية ولذلك حظيت باحترام الجميع. لن نكون طرفا في المجادلات فقد جاء في الأثر:'' ذا أراد الله بقوم شرًا كثر بينهم الجدل وقلّ العمل'، ولكن هناك ثلاثة أسباب أخرى تضاف إلى ما سبق أوجزها على النحو التالي: أولهما: من النادر ان أستعمل ضمير ''أناس'' فيما أقول وما أكتب منذ زمن طويل، ولكن كما يقال للضرورة أحكام، فقد شاءت الأقدار أن أكون في الموقع الراهن، وأنا على يقين أني لست الأفضل في بنك الاحتياط الوطني وفي الحزب الذي لم أنتم أبدا لغيره في السراء والضراء، ليس كجهاز وأشخاص، بل كمبادئ ثابتة في جوهرها وقابلة للتجدد وتجنيد الكثير من المناضلين الأوفياء والمتعاطفين، إن ما تعانيه الجبهة هذه الأيام يؤلم أفضل الناس وهم شهداؤنا الأبرار في مضاجعهم، ويسرّ أولئك الذين راهنوا على دفنها بلا تأبين بعد أقل من نصف قرن من التحرير. لقد تعهدت في أول كلمة توجهت بها إلى الزملاء بأن أبقى على مسافة واحدة من كل التشكيلات السياسية كبيرها وصغيرها المتحالف منها والمعارض، كلما تعلق الأمر بسير الجلسات والاستماع والتشاور مع الجميع، فلا أحد يحتكر كل الحقيقة وحده، غير أن آليات الديمقراطية تقتضي أن تسفر الانتخابات عن حزب أو تحالف يمثل الأغلبية مقابل أقلية قد تصبح أغلبية في أي تداول سلمي ومنافسة انتخابية أخرى. ثانيها: عائق منهجي متعارف عليه في علوم الإنسان والمجتمع، إذ لا يستطيع الباحث، وحتى الشخص العادي، أن يكون ملاحِظا وملاحَظا أي ذاتا تلاحظ وموضوعا للملاحظة في آن واحد، ولا يتأثر بميوله وتجربته الشخصية فقد جاء في الآية الكريمة: ''ولا أبرئ نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء'' فليست شؤون السياسة من العلوم التجريبية، فمن المحتمل أن يتعرض الملاحظ في أي موقع كان ومن أي زاوية ينظر منها، إلى نسبة مئوية من التذايت (Subjectivisation)، وهو ما لا ينكره حتى مؤسسو العقلانية من ''أ.كانطس (E. Kant) 1724- 1804 صاحب مقولات العقل الخالص (cathégories de la raison pure)إلى زبرتراند راسل'' (B. Russel) 1872- 1970 صاحب نصل أو كام في المنطق الرياضي والحاصل على جائزة نوبل في الرياضيات. بالإضافة إلى الحذر من الميل والهوى، فإن جزءا هاما من شؤون السياسة والمجتمع يتم التمهيد لها وغرس توجهاتها ونتائجها في صالونات ومخابر ومجالس ''للذكر''داخل الأحزاب والعارفين بالمعلن والمخفي من السيرة الذاتية للناس، وما يضمن مصالح الأشخاص والجماعات، وهذا أمر شائع في بلاد العالم الأخرى وإدعاء المثالية ليس أكثر من خطاب للاستهواء والإغراء، ولكن ما حيلة هذا الملاحظ، إذا لم يكن من رواد هذه الحلقات والمجالس من قبل ومن بعد؟. ثالثها: سمحت مجالس الحكومة ودورات اللجنة المركزية في الثمانينيات وقبلها في جامعتي الجزائر ووهران بالتعرف عن قرب على العديد من التيارات السياسية والثقافية، في وقت كانت الجامعة آنذاك تعجّ بالأفكار والتنظيمات السياسية العلنية والمتسترة، من الوافدين من وراء البحر ومن بعض البلدان العربية، من بينهم زملاء وأصدقاء لم تنقطع معهم أواصر المودّة والاحترام، منهم منخرطون في جبهة التحرير، ومنهم مناضلون في جبهة القوى الاشتراكية، ومنهم مؤسسون للحركة الإسلامية ومناضلون في حزب الطليعة الاشتراكية وغيرها من التنظيمات الطلابية، إن احترام قناعات الآخرين لا يعني بالضرورة الانخراط فيها والانضمام إلى صفوفها، فإذا كان من زملائك وأصدقائك شخص يساري سارع البعض إلى تصنيفك في صف الشيوعيين ''الملحدين''، وإذا كان منهم زملاء من التيار الإسلامي أتهمك آخرون بأنك إخواني ومن الدعاة للانتكاس إلى القرون الوسطى، سواء أطلقت اللحية أم لا، وفي ذلك الوقت كانت اللحية شائعة بين اليساريين أكثر من خصومهم الإسلاميين. لقد كان لنا في تلك التيارات زملاء في رحاب الجامعة وفي المنتديات الثقافية والملتقيات الوطنية، ومنهم من أصبحوا في مستوى قيادي في أحزابهم أو في مؤسسات الدولة بعد 1989 في داخل الجزائر أو في الخارج، بعد نضال طويل خلال عقد السبعينيات أذكر منهم على سبيل المثال الأساتذة الباحثين يوسف نسيب، والأستاذ المرحوم مولود معمري ومساعده س. شاكر مصطفى هداب، المرحوم عبد المجيد مزيان، الأستاذ جمال قنان، المرحوم الشيخ محفوظ نحناح الذي كان يرتاد في تلك الحقبة مدرجات الجامعة ولا تفارقه الابتسامة التي يلقي بها الأساتذة والطلاب والشيخ عبد الله جاب الله المعروف بالفصاحة والأستاذ جمال لعبيدي وجمال مصباح، وغيرهم كثير في جامعتي الجزائر ووهران، من الذين بقيت معهم علاقات احترام سواء كنّا في اللجنة المركزية للجبهة أو في مواقع أخرى داخل وخارج الوطن، في موقف دائم لا يمت بصلة للاّئكية الاستعراضية في بلد يمتزج فيه الإسلام بالوطنية، ولم ينتسب للسياسة والثقافة من مدخل ديني بين هاذين الخيارين يقول ''أينشتاين'' بعدما شاهد مما آلت إليه أبحاثه في رسالة إلى زميله عالم الذرة ''أوبناهيمر'' بعد ضرب هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة النووية يقول: الإيمان بلا علم حقل تنقصه الأسمدة المخصبة، والعلم بلا إيمان قد يحول المخصبات إلى مبيدات. المعارضة قوة للدولة وصمام أمان ليس فيما سبق تنظير من باب العموميات في بلادنا التي تمتلئ بعشرات الأحزاب مهما كان حجمها الحقيقي وامتدادها الشعبي، فالمسار الديموقراطي يتطور في خط مواز لانتشار الثقافة الديموقراطية وتناقص العصبيات القبلية ولامركزية السلطة، وعلى الأخص التوازن بين السلطات الثلاث واستقلالية القضاء والبرلمان. لا نرى أن الاحتجاج والاعتراض وما صاحبها من انفعالات وحملات في وسائط الإعلام والاتصال المكتوبة والمرئية التي تمثل لسان وقلم المعارضة، لا نراها مضرة بالتمرين على الديموقراطية، فهي موجودة في كثير من البلدان المصنفة في قائمة الأنظمة الديموقراطية بفارق هام وهو الاتفاق الضمني بين الجميع على الدفاع عن الدولة وسمعتها ومكانتها في الداخل والخارج، ومهما كانت قساوة النقد وتعدد المآخذ والأخطاء فإن الفعاليات السياسية من اليسار أو اليمين و ما بينهما، تدرك في تلك الدول بأن إضعاف الدولة والإساءة إلى مكانتها ودورها هو في النهاية إضعاف للجميع. ليس في السطور السابقة تبرير لما يحدث عندنا أو اتهام لأي تشكيلة سياسية أو مقارنة بين أمورنا في الجزائر وما يجري خارج منطقتنا أو داخلها، و في ما يخص المنطقة وجوارنا بوجه خاص، فإنه من التسرع الحكم على أوضاعها بالفجر الصادق أو الحمل الكاذب، فمنذ ما سُمي تجاوزا بالثورة العربية في أوائل القرن الماضي التي لم يبق منها سوى خريطة سايكس- بيكو وضياع القسم الأكبر من فلسطين وبدل التفكير في الخروج من التخلف تتزايد الصراعات التافهة بين المذاهب والأديان والطوائف والأعراق بمستوى أدنى مما وصفه ابن خلدون قبل خمسة قرون، يحق لنا التساؤل عن الأيدي التي تحرك خيوط الربيع مباشرة أو من وراء حجاب ؟ لقد خدعت المنطقة بسراب الثورة العربية ووعودها ووجدت شعوبها أن البديل عن العثمانيين هو الاحتلال الغربي، مع تصاعد النعرات الطائفية وأصوات التكفير المتبادل، لذلك من الأفضل أن ننتظر لنرى بدون أن ننسى أن خريطة العالم كله أشبه بنسيج متشابك قابل للتأثر والتأثير حسب التجربة التاريخية لكل شعب، فلم تؤثر الثورة الفرنسية على أقرب جيرانها وهما بريطانيا وألمانيا، كما لم يمنع الستار الحديدي جمهوريات منظومة الاتحاد السوفياتي من التساقط الواحدة تلوى الأخرى. إن وجود معارضة في الداخل فضلا عن كونه مفيد جدا لترسيخ الديموقراطية، هو أيضا صمام أمان، فالخطر كل الخطر هو وجود معارضة تعمل من الخارج، سواء باختيارها أو مضطرة بسبب الغلق والإقصاء والاضطهاد، لأنها قد تتعرض في الحالتين للاحتواء والتوظيف والاستعمال للضغط على بلدها الأصلي، فلا شيء في السياسة لوجه الله، كما أن بلد اللجوء في أغلب الحالات لا يقتصر على الضيافة، والأمثلة كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال بعض أشخاص المعارضة العراقية في الخارج الذين حرضوا وساهموا في أحتلال بلادهم ودفعوا ثمنا باهضا للتخلص من النظام السابق، ممّا كلف الشعب كله معارضة وموالاة دمارا كبيرا وضياعا لجزء كبير من السيادة، ويمكن أن نقيس على ذلك ما حدث في ليبيا وهناك من الانذارات في المنطقة وخارجها على أن سوريا قد تتعرض لما أصاب غيرها في المنطقة. لا توجد انتخابات كاملة الشفافية والنزاهة والمصداقية، ففي أعرق الديموقراطيات البرلمانية تتبادل الأحزاب التهم والتشكيك في نتائج الانتخابات ويتدخل المال لترجيح الكفة لصالح المترشحين للرئاسيات سرا وجهرا، بل لا يطمع مرشح لمنصب قيادي إذا لم تسانده رؤوس أموال تُسمى زمنحا وهداياس وهي على الأصح تمويل من بلدان الجنوب التابعة أو من حلفاء في منظومة سياسية جهوية من بلدان الشمال وقد تعرّض البعض منهم في أروبا وأمريكا إلى محاكمات مسرحية وبإخراج إعلامي يظهر المتّهم في صورة ضحية خصوم متآمرين، ولا نذكر أمثلة وأسماء فهي معروفة ومتداولة من قصة انتخاب بوش الابن إلى رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق برلشكوني وبوتين الأول والثاني، والتهم المتبادلة في المباريات الرياضية بالتزوير والرشوة، وقد وصلت إلى شيخ الفيدرالية الدولية لكرة القدم زجوزيف س. بلاتير (Joseph S. BLATTER). لا نختار في هذه المسألة المنزلة بين المنزلتين، فالديموقراطية كما عرّفها رئيس الحكومة البريطانية الشهير ونستون تشرشل هي: أسوأ الانظمة ما عدا غيرها (وكلها أسوأ منها)، ونحن لا نشهد إلا بما علمنا وسمعنا في منطقة العاصمة المكشوفة من جميع النواحي، فقد حضر وتابع انتخابات ماي 501 ,2012 ملاحظا من هيآت أممية وإقليمية وسجلوا في تقاريرهم بمحض إرادتهم أن انتخابات المجلس الحالي غير مشبوهة بالتزوير، ومن المزايدة اتهام أولئك الملاحظين بأنهم من الموقعين على بياض، فلم يرافقهم في حلّهم وترحالهم أحد في مختلف أنحاء القطر، غير ما يتطلبه أمنهم، وفي التقرير الذي قدمه السيد ''جوزي إغناسيو سلافرانكا''(José Ignacio Salafranca)، رئيس بعثة ملاحظي الإتحاد الأوروبي عدّة توصيات أغلبها تقني، وفي لقاء مطول معه بعد انتهاء مهمته لم يتحدث عن أي خلل أو شبهة في الانتخابات التشريعية وهو شخص محايد ومن هيئة تتزعم الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الانسان والمواطن. من يستفيد من زعزعة مؤسسات الدولة ؟ ليس من شأن هذه المقاربة إصدار الأحكام القطعية باتهام هذا الطرف أو تبرئة طرف آخر والمؤسسة التشريعية تتعرض لحملة متواصلة من التشويه والتصغير من خارجها وأحيانا من داخلها وأحيانا أخرى بتواطئ غير شريف من العاملين فيها واٌمتداداتهم في مواقع الزعزعة، وخاصة تلك التي أصيبت بخيبة بعد أن عقدت معاهدات وطمأنتها وعود، وكلمة السر عند هؤلاء هي العبارة الشعبية ''نلعب وإلاّ نخسّر'' ومنهم من يسعى لهدم المؤسسة على طريقة شمشون: '' عليّ وعلى أعدائي يا رب'' وزعزعة استقرار الدولة الجزائرية، فمن الطموح ما أضرّ. تلتقي في هذه الوضعية أعراض العصاب (Psychose) والذهان (Névrose) المعروفة في الطب النفسي والعقلي ومن تلك الأعراض حالة التثبيت (Fixation) والسوداوية التشاؤمية (Mélancolie)ولهذه الوضعية تاريخ قبل وبعد 1991 فالصدفة وحدها كما يقول فيلسوف الحضارة ف. بروديل (F. Braudel) ليس لها تاريخ seul le hasard na pas de mémoire))، فقد بقي شيء في نفوس قسم من الطبقة السياسية بعدما يمكن تسميته بالانتصار- الهزيمة لجبهة الانقاذ وما أعقب ذلك من صراع دموي كانت الجزائر كلها ضحيته الأولى.لا نتهم أحدا ولا نبحث عن خيوط مؤامرة، لا في الداخل ولا من الخارج، إن الحديث عن وسائط الإعلام العام والخاص الموجود في الجزائر أو المرسل من خارجها من الغفلة التقليل من شأنه، بل ما أحوجنا إليه، ولنا من بين شبابه وشيوخه أصدقاء أصبحت لهم مدرسة في الأسلوب والخبرة في التقانات الإعلامية والتواصلية باللغتين، سواء أتفقنا معهم أم اختلفنا، ولكن ذلك لا يمنع من التعبير عن وجهة نظر على النحو التالي: عندما بدأت إرهاصات الربيع الاسلامي تقترب من هدفها وهو الوصول إلى السلطة على أنقاض الأنظمة اللاديموقراطية، تجنّدت بعض أطراف الساحة في الجزائر لركوب الموجة، وهي في الحقيقة ليست جديدة أو مجرد محاكاة وعدوى من الجيران أو من المراكز في الجزيرة العربية وبلاد النيل، وما وراء البحر والمحيط، وعندما خسر دعاتها الرهان أو أجلوه لموعد آخر، أصبح الهدف المرحلي هو التشكيك في مصداقية الهيئة التشريعية الحالية، وشنّ الهجمات عليها من داخلها، وهم فيها ومن خارجها بالاستعانة بسلاح الاعلام الخاص المرئي والمكتوب وموائد الحوار والندوات الحزبية في استراتيجية الزعزعة والإيهام بالفراغ المؤسساتي، من قمة هرم السلطة إلى قاعدتها في انتظار البديل الجاهز أمام عجز وتخاذل قطاع الإعلام العمومي المحنّط في كليشيهات عفا عليها الزمن. كان من المنتظر أن تكون وسائط إعلام ''استقبل'' ''وودّعس'' ''وصرّح'خدمة نزيهة وفعالة لتصحيح المغالطات والرّد الرزين على النشر الانتقائي لوقائع مفتعلة وتحويلها إلى فضائح على طريقة الصحافة الصفراء، لا ندري ما سبب هذه السلبية، هل حقا يتلقى التلفزيون والإذاعة والجرائد تعليمات شخصية؟ ومن أين تأتي؟ ألا يوجد في البلاد الليبيرالية والديموقراطية إعلام عمومي. ومنه ما تغذّيه وتوجّهه وزارات الخارجية والتعاون والدفاع بما فيها الأمن وسلطة للضبط تحافظ على التوازن أقوى من وزارة الاتصال عندنا؟ تدافع كلها عن المصالح الدائمة لبلدانها في الداخل والخارج، وتتخاصم فيما سوى ذلك. في الجزائر ما يزيد على 100 جريدة وقنوات تليفزيونية بعضها متخصص في تسويد وجه الجزائر والتحريض على الإساءة إليها والتشهير بكل ما تفعل وما لا تفعل، واستغفال الأبرياء من الشباب والشيوخ في محاكمات تزعم أنها حوارات مباشرة تعبر عن رأي المواطن على الهواء كما تقول، ولا داعي للإشارة إلى مصادر التمويل والعواصم التي تبث منها، فهل هي جزء من إعلام الفتنة والتضليل الذي نشر الخراب في بعض أنحاء المنطقة، وأعاد إليها الاحتلال الأجنبي مصحوبا بالتهليل والهتاف والشكر، إنّ مصطلح النكبة لا يقتصر على فلسطين، إن قسما من المنطقة منكوب معها منذ منتصف القرن الماضي وإلى اليوم، إما عن طريق العدو البديل وإما بسبب الصراعات الداخلية و فتاوى شيوخ الفتنة مقابل اليورو والدولار، أيها الإسلام الحنيف كما أنت مظلوم من طرف بعض المنتسبين إليك بالتضليل والهذيان. إن التحوّل الديموقراطي لا يتوقف على مراسيم وقرارات فقط، إنّه أيضا ثقافة وبيداغوجية من الأسرة والمدرسة إلى المجتمع الواسع، وتصبح بعد مدّة من الأخلاقيات المرعية وحتى أسلوب حياة (way of life) داخل الأحزاب وفي العلاقات بينها وفي وسائط الإعلام وهي الجسر الأكبر بينها وبين الرأي العام، ومن مهامها المحافظة على الروح المعنوية للأمة، ولا شك أن تأييس الشعب وإهانة رموزه بالكلمات والكاريكاتور هو شكل من إعلان الحرب على الدولة والمجتمع من داخل الوطن، وقد نبه الإستراتيجي الصيني ''صن تزو'' صاحب كتاب ''فن الحرب'' عدّة قرون قبل الميلاد إلى أن مفتاح النصر هو كسر الجبهة الداخلية، ولم يكن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغن في حاجة للإطلاع على المقولة السابقة لحث أركان حكمه على اختراق ما سماه جدار الجليد السوفياتي والانتصار على ما سمّاه محور الشرّ والغولاق الذي كتم أنفاس شعوب السوفيات والجمهوريات الأشتراكية التي تسير في فلكه الإيديولوجي والهدف واضح وهو الإضعاف من الداخل وشيطنة الآخر، ولكن من يتحدث اليوم عن سجن غوانتانامو الرهيب؟ وماذا نشر موقع ويكيلس عما يحدث وراء الأبواب المغلقة؟ وفي كل الحالات تدفع المنطقة العربية وإفريقيا ثمن التشرذم والخدمة التابعة بلا أدنى مقابل، ويزداد إضعافها والتسلط عليها يوما بعد يوم. هناك من يرى أن الجزائر لم تقطع الأشواط المطلوبة في الممارسة الديموقراطية، وأن خمسين سنة بعد التحرير مدة طويلة وكافية لتكون الديموقراطية في بلادنا مثل السويد، وقد أجابت النائب الأول لرئيس برلمانها وهي تزور المجلس بأن السويد تعيش في أمن واستقرار كامل منذ مئاتي (002)سنة ولا تتعرض لأي تهديد على حدودها أو بعيدا عنها، وكم هو عدد السنوات التي مرت على استقلال أمريكا قبل أن تحرّر العبيد وتنهي حرب الانفصال بين الشمال والجنوب وتقلّل من التمييز العنصري، وتخرج من عزلتها السعيدة في الحرب العالمية الأولى؟ وكيف كان حال الديموقراطية في فرنسا خلال المئاة سنة الأولى بعد ثورتها أي ما بين 1789 و 1889 بين الجمهورية والملكية والإمبراطورية وحتى التوسع الكولونيالي، ودولتها التي أصبحت شبه حليف للغزاة من النازيين، وفي بريطانيا لم يكن الحال أفضل قبل التصحيح الذي قام به ''كرومويل'' )1599-1658( ضد الملكية، ومازال الكاثوليك والبروتستانت يتصارعون في الأولتسر، أو ما يسمى إرلندة الشمالية لأستعادة الوحدة مع جنوبها الكاثوليكي، ولم يحصل المناضلون الكاثوليك على أي من مطالبهم على الرغم من الإضراب عن الطعام حتى الموت. الهجوم على المجلس، من المستفيد؟ وفي هذا السياق لا نطلب الرضى ولا نرجو القربى من غير العلي القدير، إذا نقلنا شهادة عيان، أليس ''من يكتم الشهادة فإنه آثم قلبه'' فقد حسم رئيس الجمهورية النقاش حول بعض قضايا الساعة قائلا: إني أعمل على توسيع قاعدة الديموقراطية، ولن يبيع أحد الجزائر وأنا هنا. إذا عدنا إلى ما يقال وينشر عن تركيبة المجلس ومستوى أدائه وعلاقاته بالهيئة التنفيذية، فمن المعروف أن في المجلس نواب يمثلون 27 حزبا من مختلف الحساسيات والتيارات وتتكون من مختلف الشرائح، الاجتماعية والمستويات التعليمية، إن القول بأن المجلس متكون من الأميين لا يستند إلى أي سبر أو إطلاع على بطاقية الأعضاء المحفوظة في أمانة المجلس، وفيها البيانات المطلوبة ومنها عدد الحاصلين على شهادات عليا ومهندسون وأساتذة في الطب ومحامون وخبراء ونقابيون، عملوا في قطاعات المالية والصناعة والفلاحة والعلوم القانونية والاجتماعية والسياسية ومناضلون عاديون من مستويات أدنى فالانخراط في حزب لا يتطلب فقط الشهادات العلمية، يتوزعون على مختلف الأطياف الممثلة في المجلس، وهؤلاء جميعا لا يراهم أحد على الرغم من أن الأغلبية منهم متفرغون للعمل النيابي ألتزاما بالقانون الذي حرصنا في المجلس على تطبيقه، و هو ما أُعجب به رئيس الجمعية الوطنية لبلد وراء البحر وعبّر عن ذلك أثناء زيارته للجزائر وهو يحاول الاجتهاد في تطبيقه، فليست بلادنا من المقلدين للآخر في كل شيء. وعلى أي حال فإن المجلس ليس أكاديمية للعلوم والفنون والآداب لا يدخله إلا من شاب قرناه في البحث والإبداع والابتكار، وكم عددهم في برلمانات العالم الثالث والثاني والأول؟ يشاع على الألسنة وبعض الصحف القول بأن في المجلس الشعبي حفافات وعاملات نظافة، وعلى افتراض وجود هذه الفئة في قبة المجلس فإن هذه ليست مأخذا، إنها في الحقيقة استعلاء طبقي، كي لا نقول عنصري كما كان الكولون المتجبرون يسمون كل مرأة جزائرية ''فاطمة''(Fatma) بهدف الإذلال والاحتقار، إن ممثّلي الأحزاب - كل الأحزاب- في هذه العهدة البرلمانية السابعة هم عينات من المجتمع الجزائري في أبعاده الجغرافية المعروفة وخريطته السياسية ومستويات الدخل والثروة. وفي النقطة الأخيرة فإن الثروة نفسها ليست مأخذا، والسؤال المشروع هو هل كانت كسبا مشروعا لا شبهة فيه أم لا؟ متى كان الفقر فضيلة؟ على الرغم من أنني أرى شخصيا أن الثروة توجد في القناعة و العّفة التي تحفظ من الغرور والإغراء، وبالتالي فهي كنز لا يفنى، وعلى أي حال علينا جميعا أن نجعل من العمل قيمة عليا، وعلينا أن نجعل إتقان العمل أكبر تكريم للأفراد والجماعات والمرادف للوطنية بدل التسابق لتبادل التكريم وما يتبعه من موائد للأكل والشرب والهدايا والشهادات. لقد تم رفع الأجور عدة مرات ولمختلف الأسلاك وأحيانا بأثر رجعي حتى 2008 ويقول البعض هل من مزيد؟ ومهما كانت مشروعية الزيادة في تعويضات النواب وقلت رأيي فيها وطبقته في أول شهر من العهدة على نفسي بدون إشهار، أقول ان النواب في الغرفتين لا يحصلون على تعويضات وأجور تختلف عن غيرهم في بلاد العالم حسب بيان إتحاد البرلمان الدولي، وهذه عينة منها بالأورو بدون التعويضات وهذا للعلم وللثقافة العامة لا غير، وهي كما يلي: بوتسوانا 8000 الكونغو 9985 المغرب 2700 الأردن 3823 لبنان 5766 مصر 8000 اليونان 5393 فرنسا 7100 إسبانيا 4886 ولكن المشتغلين بالبحث عن الفرجة الفضائحية لا يهمهم سوى السبق في كيل التّهم وتلويث مؤسسات الدولة، والمجلس هدف سهل وأرتداء رداء المحامي للدفاع عن الشعب أسهل، ماذا لو تعرضوا لفحص بالسكانر وسئلوا من أين لك هذا ؟ إن تكرار كلمة ''شكارة'' عند بعض الحزبيين وبعض الإعلاميين وتعميمها على كل النواب توهم العاديين من الناس بأن كل عضو في المجلس يحمل على ظهره أكواما من الأوراق المالية لشراء الذمم والهمم وأن الذي يتهم هو وحده النظيف في جماعات كلها ملوثة بالرشوة والفساد، هل من المطلوب في ملف المترشح للبرلمان أن يقدم شهادة فقر؟ وهل هو مؤسسة لا يدخلها سوى حملة دكتوراه وقائمة من المؤلفات وهو ما لا تطلبه في البداية مختلف كليات ومعاهد الجامعة؟ وفيما يخص السلوك وخرق القانون، فهذا شأن المصالح المعنية والقضاء، وباستثناء الخطيئة الكبرى وهي العمالة لدولة أجنبية، فإن حصانة النائب مكفولة في أداء مهامه في التشريع والرقابة فقط، وما سوى ذلك فالنائب مثل غيره من المواطنين، وهو لا يحمل جواز سفر دبلوماسي عند السفر إلى الخارج، وحسب المادة 72 من القانون الداخلي فإنّ رفع الحصانة لا يكون إلا عندما يُودع طلب رفعها لدى المجلس من طرف وزير العدل، أطلعوا أيها السادة على القوانين قبل أن تتأبطوا شرّا وتضربوا خبط عشواء. لا أدري لماذا لا تذاع ولا تنشر مداولات المجلس في جلساته داخل اللجان الإثني عشر المتخصصة في مختلف القطاعات، وهي في الغالب لصالح المؤسسة التشريعية والحكومة معًا، وحتى جريدة المداولات وهي عبارة عن محاضر طبق الأصل لما يجري داخل المجلس، لا يطّلع عليها أحد، والأعجب أن بعض وسائط الاتصال بما فيها العمومية تختصر مناقشات حامية في تصريح لعضو في الحكومة يدافع فيه عن مبررات التصويت على المشروع المقدم وتغض الطّرف عن الاستجواب والاعتراض والنقد الذي يشارك فيه في بعض الجلسات حوالي مائة نائب من الأغلبية والمعارضة على حدّ سواء في جلسات المساءلة العامة أو مناقشة المشاريع، إن القطاعات الوزارية ليست إقطاعيات لأحد وتقييم أدائها ليس قضية شخصية إن المناقشة الحرة والإثراء والتنبيه إلى الأخطاء والنقائص مفيد للدولة كلها وليس هذا من باب الوعظ والإرشاد فقوة الدولة من مصداقية الهيئة التشريعية والعكس أيضا صحيح. من الطبيعي أن تؤيد الأغلبية المتكونة من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي والمستقلين والمؤيدين لبرنامج رئيس الجمهورية مشاريع الهيئة التنفيذية، فهي حكومتها، ومن الطبيعي أكثر أن تعترض المعارضة وترفع صوتها داخل المجلس، وهي تتكون من تحالف الجزائر الخضراء وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال والأحزاب الأخرى التي ليس لها مجموعات برلمانية، إذا اختارت أحد الموقفين، وهذا هو حال كل برلمانات العالم، وهذا هو حال المجلس في عهدته الحالية، ولا أعرف ولا أرغب في المقارنة مع سابقاتها، فثقافة الدولة تعني استمرارية المؤسسات وإذا كان من الضروري الإصلاح وتحسين الأداء فالمطلوب أن نذكر كل السابقين بخير. الحقيقة أن المجلس ليس غرفة تسجيل وتسابق في رفع الأيدي والتصفيق كما يشاع، فلم يمنع أحد من التسجيل وأخذ الكلمة ولأكثر من نائب في الحزب الواحد والأسئلة الشفوية تكون مثل التعديلات باسم المجموعة البرلمانية وعشرة من النواب. وفي مستوى أشغال اللجان يمكن لكل عضو أن يقدم رأيه الموافق أو المعترض أو المطالب بحذف مادة أو تعديلها أو اقتراح غيرها، وتدعو اللجان للاستنارة أو الاستجواب من تراه ضروريا من المدراء والمسؤولين ومن الخبراء في المسائل المتعلقة بمشروع القانون وتعرض خلاصة الآراء والتعديلات المقترحة على الجلسة العامة وهذا إجراء عادي، وقد تقدم إلى لجان المجلس وجلساته العامة عدد كبير من الوزراء في قطاعات السيادة وغيرها وأكثر من مرة خلال هذه السنة نذكر منهم السادة وزير العدل وزير الداخلية ووزير الخارجية، وزير المالية ووزير التربية، وزير الطاقة، وزير السكن وشملت الأسئلة الشفوية والكتابية أربعة أخماس أعضاء الحكومة أما الوزير الأول فهو المنسق لكل نشاطات الحكومة وقد ناقش المجلس أولوياته ومنهجية عمله مباشرة بعد تعيينه من قبل فخامة رئيس الجمهورية وحسب القانون الأساسي الأول للجمهورية فإنه ليس من حق البرلمان بغرفتيه تعيين أو إقالة أي مسؤول في الهيئة التنفيذية كما هو الحال في كل الأنظمة الرئاسية. أما مسألة الحضور والغياب في جلسات المجلس فهي مسألة تخصّ الكتل البرلمانية كل على حده، وهو ظاهرة لا تخص غرفتنا فقد تشاهد على القنوات التليفزيونية أقل من ربع النواب في كثير من الجلسات في برلمانات أخرى، وقد اُضطر بعضها إلى الخصم من التعويضات والتحقق من تواجد النائب عن طريق الزر الإلكتروني (Pointage)، ولكن العديد يغادر الجلسات مباشرة بعد التسجيل لقضاء شؤونه الخاصة في عمله، أو دائرته النيابية، أو يقضى أغلب الوقت في مقهى ومقصف البرلمان، وهو ما أشار إليه عدد من رؤساء البرلمانات في اجتماعهم بمرسيليا في شهر مارس الماضي، وعلى الرغم من أن المشاركة لا تتوقف على إحصاء عددي في ديموقراطية ناشئة، فإننا نتساءل كيف يمكن أن تكون الجزائر استثناء في محيطها القريب والبعيد؟ وهل أن ما هناك دائما خير من هنا مؤسسات لها أختصاصات مختلفة ولكن في دولة واحدة قد يحدث أحيانا أن يدرس مكتب المجلس اقتراحا من إحدى المجموعات البرلمانية لتنظيم يوم برلماني ويرى المكتب أن الموضوع في حاجة إلى تشاور مع القطاعات المعنية، وخاصة إذا تعلق الأمر بقضايا راهنة مثل الاحتجاجات في الجنوب أو الأوضاع في مالي أو مسألة الفساد والرشوة التي توجد ملفاتها بين أيدي العدالة وهي مؤسسة دستورية مستقلة وسيدة لا يتدخل المجلس في عملها. إن الهيئة التشريعية مستقلة في اختصاصاتها ولكنها ليست منفصلة عن مؤسسات الدولة الأخرى، وهناك من المسائل ما يتطلب موقفا موحدا في الداخل وفي التعامل مع الخارج. ظهر ذلك واضحا في موقف حزب مغاربي حضر مؤتمر جبهة القوى الاشتراكية مؤخرا ودافع في مداخلته عما يسمى''مغربية الصحراء وأقاليمنا الجنوبية'' وسط احتجاج مناضلي جبهة القوى الاشتراكية، فالشعارات المعلنة تتضاءل أمام المصالح الحزبية ومصالح الدولة، ومن المعروف أن هذا الحزب له تاريخ نضالي مشهود وعرف أحد أبرز السياسيين المدافعين عن الحرية والديموقراطية في كل العالم الثالث، وتمّ اغتياله غدرا على يد مسؤولين كبار في تلك الدولة المغاربية. في بلادنا تراكمات كثيرة من الاجتهادات فيها الصواب وفيها الخطأ، ينبغي أن نقيّمها في سياقها التاريخي المحلي والعالمي، وقد تفسح الساحة لجيل آخر لم يعرف محنة الأحتلال و بعيدا عن نصب الكمائن والبحث عن يد ''الكاكي'' والمخابر السرية المتداولة في بعض الأوساط، فلا وجود لطبقات العمر إلا في المجتمعات البدائية التي تفرض طقوس المرور (Rites de passage) من طبقة عمرية إلى أخرى والرغبة في إبعاد الأكبر سنا يعرف بعقدة أوديب في الأسطورة الإغريقية التي تدفع الإبن للتخلص من الأب للتفرد بالأم التي خصص لها سيغموند فرويد (S.Freud) دراسة رائعة بعنوان الطوطم والطابو (Totem and Tabou)، والملاحظ أن الآلة الإعلامية الأمريكية ركزت طوال الثمانينيات على شيخوخة قادة الكرملين، ولكن القليل من تحدث عن شيوخ البيت الأبيض ومنهم الرئيس والممثل السينمائي رونالد ريغن وكبار القادة ومنهم من قارب التسعين وهذه المقارنة للفت الانتباه على المفارقة، وليس للدفاع عن طبقة من العمر فلم تكن أبدا نسبة مواليد ما قبل 1950 الأغلبية طيلة العقود الأربعة الأخيرة حيث عرفت الجزائر تضاعف عدد السكان ثلاث مرات بين 1962 - 2002 بفعل ما يعرف بتضخم المواليد Baby Boom، كما أن هضبة العمر والحياة (espérance de vie) زادت منذ نهاية السبعينيات بسبب التحسن النسبي في معيشة السكان. من حق النخب المفكرة والسياسية في الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني من الشباب، ومنهم من عانى من أهوال حقبة التسعينيات، وبعضهم يستثمر فيها فقط، أن تطمح للصعود إلى أعلى مراتب الدولة وأن تطرح ما تريد من مشاريع داخل أحزابها وتنظيماتها وعلى الرأي العام الوطني في مناخ من الأمن والسلم وبلا خوف ولا تخويف والثقة في الحس السليم للشعب فكيف يسوس الشعب من لا يثق في الشعب ؟ أما نسبة عدد المشاركين في الانتخابات، فإذا كانت متدنية فالسؤال الأول يطرح على الطبقة السياسية ومدى قدرة أحزابها على الاقناع والتجنيد، وفي بعض الحالات يكون أتهام الإدارة حجّة لمن لا حجة له. إن موجات الاحتجاج الدورية وما يصحبها من تظاهرات غاضبة لها في كثير من الأحيان ما يبررها، والعجيب هو أن لا تحدث، وذلك للأسباب التالية: 1 - مركزية الإدارة وتعقيداتها البيروقراطية الثقيلة وأداؤها البطيء والهزيل. 2 - ضعف الحوار بين الشركاء الإجتماعيين قبل حدوث الأحتجاجات ثم الإسراع إلى الحوار بعدها، ولكن كرجال مطافئ 3 - قول بعض المسئولين أن هذه القضية أو تلك هي مشكلة الجميع، أي لا أحد يجيب على الهاتف! وهذا قول هروبي أو ضعف في العمل المتناغم (Combiné) بين الشركاء والحيل الهروبية عن طريق التأجيل والتخلّص من المسئولية برميها على الآخر (Passe à lautre) وقائمة الحيل طويلة وأشبه بمغارة علي بابا. 4 - أعتبار العمل - توفر أم لم يتوفر- نوع من ز الكُرفيس (Corvée) والحصول على مقابل (أجر) فهو واجب على أساس مغالطة المساواة البدائية (كلّنا أولاد تسعة) ومغالطة أخرى أخطر وهي توزيع الريع بدون أيّ قيمة مضافة من الانتاج في السوق والقابل للتسويق والمنافسة في الخارج، بالإضافة إلى الأختلالات الفادحة في سلم الأجور وتزايد الفروق الشاسعة بينها، وإغفال تطبيق سلّم الوظيفة العموميّة على بعض الهيئات والمؤسسات مما سمح بالتبرّع بتعيينات في وظائف عليا أحيانا بلا كفاءة ولا أستحقاق، فالمقصود بالتعيين هو الإرضاء بلا مساءلة عن المردود وهو أمر يثير عند الآخرين الدهشة والغضب، ويقلل من مصداقية الإدارة في كل مستوياتها. 5 - الاحتجاج العلني بمختلف الوسائل ظاهرة تاريخية ودائمة في المجتمع الجزائري في عهده النوميدي والاحتلال الروماني حيث ظهر مذهب معادي للكنيسة روما الكهنونية (الدوناتية)، وفي العهد الاسلامي والعهد الإسلامي العثماني الذي عرف العديد من أشكال العصيان والعهد الكولونيالي الذي عرف سلسلة من الانتفاضات وأشكال المقاومة بما فيها التمرد الفردي المعروف عند الفرنسيين بأسم عصاة الشرف (Les Bandits d honneur) وبالتالي يمكن القول بأن الأحتجاجية هي طبع وطني .(National Character) في انتظار ما تسفر عنه تعديلات وثيقة الدستور، وموعد أفريل ,2014 فإننا منحازون إلى كل من يسعى قولا وعملا للحفاظ على أمن بلادنا ووحدة الوطن ورفاهيّة المجتمع، وفيما يخصّ صاحب هذه السطور وما قيل ويقال عنه، فإنه ملتزم على الدوام بما جاء في الآية الكريمة ''وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما''.