لا يرى رئيس المجلس الشعبي الوطني، العربي ولد خليفة، مبررا لتفعيل المادة 88 من الدستور التي تتعلق بشغور منصب رئيس الجمهورية بسبب مانع صحي. أما من يطالب بذلك، "فهو يستعجل الفراغ الدستوري". وتناول ولد خليفة في إجاباته على أسئلة طرحتها عليه "الخبر" في مقابلة جرت بمكتبه، "قضايا كثيرة، منها وصف الغرفة البرلمانية الأولى بأنها مكان ل"الحفافات وعاملات النظافة"، وموضوع رفع قيمة التعويضات للنواب المثير للجدل، و"تخلي" البرلمان عن وظيفة الرقابة وموجة التغيير التي عرفتها دول المنطقة دونا عن الجزائر. - هل مطلوب من السلطات نشر بطاقة الحالة الصحية لرئيس الدولة كما تنشر عدة مرات معلومات عن الأحوال الجوية؟! - أرجو نشر عدد الجزائريين الذين استفادوا من العلاج بفرنسا خلال ال5 سنوات الأخيرة - النواب في الغرفتين لا يحصلون على تعويضات وأجورهم تختلف عن غيرهم في بلدان العالم - تتعرّض المؤسسة التشريعية لحملة تصغير بتواطؤ غير شريف من العاملين فيها - الحديث عن حفافات وعاملات نظافة في المجلس استعلاء طبقي حتى لا أقول عنصريا يثار جدل حول مرض الرئيس بوتفليقة، وتتعرّض السلطات لانتقادات شديدة على أساس أنها تخفي الحقيقة. أنتم كيف تنظرون للقضية؟ - لقد أجبت على هذا السؤال في جلسة عامة في المجلس، وأقول لكم إن رئيس الجمهورية إنسان قبل كل شيء، والمرض ينال من كل شخص، كبيرا كان أم صغيرا. وأسألكم كم عدد مواطنينا، من المسؤولين وغير المسؤولين، يبدأون أو يكمّلون علاجهم خارج الوطن على نفقة الدولة؟ وأرجو أن تنشر المصالح المعنية إحصاءات للسنوات الخمس الأخيرة على الأقل عن عدد الجزائريين، الذين يحظون بالتكفل التام من الدولة للعلاج في فرنسا وغيرها. ما هي هذه الحقيقة التي تخفيها السلطات؟ هل إنكار أنّ رئيس الجمهورية يكمل علاجه؟ أم هي نشر بطاقة الحالة الصحية لرئيس الدولة كما تنشر عدة مرات معلومات عن الأحوال الجوية؟ لقد تناسى البعض منّا أخلاقيات تقليدية في مجتمعنا، وهي التراحم والاحترام وتمني الشفاء للمريض حتى ولو لم يكن من ذوي القربى. هل البلاد في وضع تطرح معه المادة 88 من الدستور، وما موقفك من الذين يطالبون بتفعيلها؟ - نحن في تعددية سياسية تطرح فيها الأحزاب اقتراحاتها بحرية مطلقة، ولم يتعرض أي فصيل في بلادنا لمساءلة عن رأيه وموقفه من القضايا التي تهم الوطن. في الجزائر، معارضة حقيقية وليست للزينة والتمويه، والمؤسسات الدستورية تتعرّض يوميا للنقد أحيانا عن حق، وأحيانا أخرى بتضخيم النقائص، وهي موجودة. والمطالبة بتطبيق بنود الدستور من حق كل الجزائريين والمطالبة بالإسراع بتطبيق المادة 88 من الدستور ورئيس الجمهورية في نقاهة، يعني أن البعض يستعجل الفراغ الدستوري بلا مبرر مقنع، وهو ما لا يجد أي تجاوب في الشارع. ومن موقعنا المتواضع، نرى أنّ شؤون الدولة تسير بطريقة عادية. فعلى الرغم من أنّ رئاسة الجمهورية في أعلى هرم السلطة، فإنّ المسؤولين في مختلف المرافق يؤدون وظائفهم السياسية والإدارية بطريقة عادية مثل السابق. طرح رئيس المجلس الدستوري الأسبق، سعيد بوالشعير فكرة إخضاع مؤسسة الجيش للرقابة البرلمانية، ما رأيكم؟ - للسيد رئيس المجلس الدستوري الأسبق، الذي نكنّ له كل الاحترام والمودّة، أن يجتهد في طرح رأيه وهو من المختصين في القانون المرموقين. والمؤسسة العسكرية هي جزء من البناء المؤسسي للبلاد، والقائد الأعلى هو رئيس الجمهورية وهو أول مدني منذ استعادة السيادة الوطنية. والسلطة السياسية موجودة في المؤسسات الدستورية والجيش الوطني الشعبي جزء من هذه المؤسسات، ولا ينفرد أي مسؤول فيه بأخذ قرارات شخصية فيما يخص أمن البلاد والدفاع عن سيادتها، مع العلم أننا في بداية العهدة البرلمانية الرابعة وعلى موعد مع تعديل الدستور، ورأي الأستاذ السعيد بوشعير مع آراء أخرى قدمتها الأحزاب ومختلف وسائط الإعلام، يمكن عرضها في البداية على اللجنة المعنية بالتعديلات الدستورية وعند مناقشتها في البرلمان، وهناك 27 من الأحزاب المعتمدة وكذلك فعاليات المجتمع المدني وخارجه، فلا شيء محرم أو ممنوع. يعاب على الجزائر أنها تسير ضد مجرى التاريخ، قياسا إلى تجارب تغيير الأنظمة ببلدان مجاورة، كيف تفسّرون بقاء الجزائر على هامش موجة التغيير؟ - في ما يخص المنطقة وجوارنا بوجه خاص، فإنه من التسرع الحكم على أوضاعها بالفجر الصادق أو الحمل الكاذب، فمنذ ما سُمي تجاوزا بالثورة العربية في أوائل القرن الماضي التي لم يبق منها سوى خريطة “سايكس بيكو” وضياع القسم الأكبر من فلسطين، يحق لنا التساؤل عن الأيدي التي تحرك خيوط الربيع مباشرة أو من وراء حجاب؟ لقد خدعت المنطقة بسراب الثورة ووعودها ووجدت شعوبها أن البديل عن العثمانيين، هو الاحتلال الغربي، مع تصاعد النعرات الطائفية وأصوات التكفير المتبادل، لذلك من الأفضل أن ننتظر لنرى بدون أن ننسى أن خريطة العالم كله أشبه بنسيج متشابك قابل للتأثر والتأثير حسب التجربة التاريخية لكل شعب، فلم تؤثر الثورة الفرنسية على أقرب جيرانها وهما بريطانيا وألمانيا، كما لم يمنع الستار الحديدي جمهوريات منظومة الاتحاد السوفياتي، من التساقط الواحدة تلوى الأخرى. رغم الانفتاح الذي عرفته البلاد في 2011، ظلت الساحة السياسية مغلقة ومحتكرة من طرف حزبين لصيقين بالسلطة، لماذا برأيكم؟ - إن وجود معارضة في الداخل، فضلا عن كونه مفيدا جدا لترسيخ الديموقراطية، هو أيضا صمام أمان، فالخطر كل الخطر هو وجود معارضة تعمل من الخارج، سواء باختيارها أو مضطرة بسبب الغلق والإقصاء والاضطهاد، لأنها قد تتعرّض في الحالتين للاحتواء والتوظيف والاستعمال للضغط على بلدها الأصلي، فلا شيء في السياسة لوجه الله. كما أن بلد اللجوء في أغلب الحالات لا يقتصر على الضيافة، والأمثلة كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال بعض أشخاص المعارضة العراقية في الخارج، الذين حرضوا وساهموا في احتلال بلادهم ودفعوا ثمنا باهظا للتخلص من النظام السابق، ممّا كلّف الشعب كله معارضة وموالاة دمارا كبيرا وضياعا لجزء كبير من السيادة، ويمكن أن نقيس على ذلك ما حدث في ليبيا. وهناك من الإنذارات في المنطقة وخارجها على أن سوريا قد تتعرض لما أصاب غيرها في المنطقة. ألا تتحرّجون من وصف المجلس الذي ترأسونه بأنه وليد انتخابات مزوَرة؟ - لا توجد انتخابات كاملة الشفافية والنزاهة والمصداقية، ففي أعرق الديمقراطيات البرلمانية تتبادل الأحزاب التهم والتشكيك في نتائج الانتخابات، ويتدخل المال لترجيح الكفة لصالح المترشحين للرئاسيات، سرا وجهرا، بل لا يطمع مرشح لمنصب قيادي إذا لم تسانده رؤوس أموال تُسمى “منحا وهدايا”، وهي على الأصح تمويل من بلدان الجنوب التابعة، أو من حلفاء في منظومة سياسية جهوية من بلدان الشمال. وقد تعرّض البعض منهم في أوروبا وأمريكا إلى محاكمات مسرحية، وبإخراج إعلامي يظهر المتّهم في صورة ضحية خصوم متآمرين. ولا نذكر أمثلة وأسماء، فهي معروفة ومتداولة من قصة انتخاب بوش الابن إلى رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق برلسكوني وبوتين الأول والثاني، والتهم المتبادلة في المباريات الرياضية بالتزوير والرشوة، وقد وصلت إلى شيخ الفيدرالية الدولية لكرة القدم جوزيف س.بلاتير. لا نختار في هذه المسألة المنزلة بين المنزلتين، فالديمقراطية كما عرّفها رئيس الحكومة البريطانية الشهير ونستون تشرشل هي: أسوأ الأنظمة ما عدا غيرها (وكلها أسوأ منها)، ونحن لا نشهد إلا بما علمنا وسمعنا في منطقة العاصمة المكشوفة من جميع النواحي، فقد حضر وتابع انتخابات ماي 2012، 501 ملاحظا من هيئات أممية وإقليمية وسجلوا في تقاريرهم بمحض إرادتهم أن انتخابات المجلس الحالي غير مشبوهة بالتزوير، ومن المزايدة اتهام أولئك الملاحظين بأنهم من الموقعين على بياض، فلم يرافقهم في حلّهم وترحالهم أحد في مختلف أنحاء القطر، غير ما يتطلبه أمنهم. وفي التقرير الذي قدمه جوزي إغناسيو سلافرانكا، رئيس بعثة ملاحظي الإتحاد الأوروبي، عدّة توصيات أغلبها تقني. وفي لقاء مطول معه بعد انتهاء مهمته، لم يتحدّث عن أي خلل أو شبهة في الانتخابات التشريعية، وهو شخص محايد ومن هيئة تتزعم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطن. يعاب على مجلسكم أنه فرَّط في أهم وظائفه، وهي الرقابة على أعمال الحكومة، بخضوعه للسلطة التنفيذية.. - تتعرض المؤسسة التشريعية لحملة متواصلة من التشويه والتصغير من خارجها، وأحيانا من داخلها، وأحيانا أخرى بتواطؤ غير شريف من العاملين فيها وامتداداتهم في مواقع الزعزعة، وخاصة تلك التي أصيبت بخيبة بعد أن عقدت معاهدات وطمأنتها وعود، وكلمة السر عند هؤلاء هي العبارة الشعبية “نلعب وإلاّ نخسّر”، ومنهم من يسعى لهدم المؤسسة على طريقة شمشون: “عليّ وعلى أعدائي يا رب”، وزعزعة استقرار الدولة الجزائرية، فمن الطموح ما أضرّ. وتلتقي في هذه الوضعية أعراض العصاب والذهان المعروفة في الطب النفسي والعقلي، ومن تلك الأعراض حالة التثبيت والسوداوية، ولهذه الوضعية تاريخ قبل وبعد 1991. فالصدفة وحدها، كما يقول فيلسوف الحضارة “ف.بروديل”، ليس لها تاريخ، فقد بقي شيء في نفوس قسم من الطبقة السياسية بعدما يمكن تسميته بالانتصار الهزيمة لجبهة الإنقاذ، وما أعقب ذلك من صراع دموي كانت الجزائر كلها ضحيته الأولى. إننا لا نتهم أحدا ولا نبحث عن خيوط مؤامرة، لا في الداخل ولا من الخارج. إن الحديث عن وسائط الإعلام العام والخاص الموجود في الجزائر أو المرسل من خارجها من الغفلة التقليل من شأنه، بل ما أحوجنا إليه، ولنا من بين شبابه وشيوخه أصدقاء أصبحت لهم مدرسة في الأسلوب والخبرة في الفنيات الإعلامية والتواصلية باللغتين، سواء اتفقنا معهم أم اختلفنا، ولكن ذلك لا يمنع من التعبير عن وجهة نظر على النحو التالي: عندما بدأت إرهاصات الربيع الإسلامي تقترب من هدفها، وهو الوصول إلى السلطة على أنقاض الأنظمة اللاديمقراطية، تجنّدت بعض أطراف الساحة في الجزائر لركوب الموجة، وهي في الحقيقة ليست جديدة أو مجرد محاكاة وعدوى من الجيران أو من المراكز في الجزيرة العربية وبلاد النيل، وما وراء البحر والمحيط. وعندما خسر دعاتها الرهان أو أجلوه لموعد آخر، أصبح الهدف المرحلي هو التشكيك في مصداقية الهيئة التشريعية الحالية، وشنّ الهجمات عليها من داخلها، وهم فيها ومن خارجها، بالاستعانة بسلاح الإعلام الخاص المرئي والمكتوب وموائد الحوار والندوات الحزبية في إستراتيجية الزعزعة والإيهام بالفراغ المؤسساتي، من قمة هرم السلطة إلى قاعدتها، في انتظار البديل الجاهز أمام عجز وتخاذل قطاع الإعلام العمومي المحنّط في أكليشيهات عفا عليها الزمن. لا زال الإعلام العمومي بعيدا عن تقديم الخدمة العمومية. لماذا برأيكم؟ وما رأيكم في تجربة الفضائيات الخاصة؟ - كان من المنتظر أن تكون وسائط إعلام “استقبل” و«ودّع” و«صرّح”، خدمة نزيهة وفعالة لتصحيح المغالطات والرّد الرزين على النشر الانتقائي لوقائع مفتعلة، وتحويلها إلى فضائح على طريقة الصحافة الصفراء، لا ندري ما سبب هذه السلبية، هل حقا يتلقى التلفزيون والإذاعة والجرائد تعليمات شخصية؟ ومن أين تأتي؟ ألا يوجد في البلاد الليبرالية والديمقراطية إعلام عمومي. ومنه ما تغذّيه وتوجّهه وزارات الخارجية والتعاون والدفاع، بما فيها الأمن، وسلطة للضبط تحافظ على التوازن أقوى من وزارة الاتصال عندنا؟ تدافع كلها عن المصالح الدائمة لبلدانها في الداخل والخارج، وتتخاصم فيما سوى ذلك. في الجزائر ما يزيد على 100 جريدة وقنوات تليفزيونية، بعضها متخصص في تسويد وجه الجزائر والتحريض على الإساءة إليها والتشهير بكل ما تفعل وما لا تفعل، واستغفال الأبرياء من الشباب والشيوخ في محاكمات تزعم أنها حوارات مباشرة تعبر عن رأي المواطن على الهواء كما تقول، ولا داعي للإشارة إلى مصادر التمويل والعواصم التي تبث منها، فهل هي جزء من إعلام الفتنة والتضليل الذي نشر الخراب في بعض أنحاء المنطقة، وأعاد إليها الاحتلال الأجنبي مصحوبا بالتهليل والهتاف والشكر؟ إنّ مصطلح النكبة لا يقتصر على فلسطين، إن قسما من المنطقة منكوب معها منذ منتصف القرن الماضي وإلى اليوم، إما عن طريق العدو البديل، وإما بسبب الصراعات الداخلية وفتاوى شيوخ الفتنة مقابل الأورو والدولار. أيها الإسلام الحنيف كم أنت مظلوم من طرف المنتسبين إليك بالتضليل والهذيان. ولا شك أن تيئيس الشعب وإهانة رموزه بالكلمات والكاريكاتير هو شكل من إعلان الحرب على الدولة والمجتمع من داخل الوطن. لازال الجزائريون بعد نصف قرن من الاستقلال يشككون في نزاهة الانتخابات، ولا تتوفر قناعة عامة بوجود ديمقراطية بمعنى التداول على السلطة، لماذا؟ - هناك من يرى أن الجزائر لم تقطع الأشواط المطلوبة في الممارسة الديمقراطية، وأن خمسين سنة بعد التحرير مدة طويلة وكافية لتكون الديمقراطية في بلادنا مثل السويد، وقد أجابت النائب الأول لرئيس برلمانها وهي تزور المجلس، بأن السويد تعيش في أمن واستقرار كامل منذ 200 سنة ولا تتعرض لأي تهديد على حدودها أو بعيدا عنها، وكم هو عدد السنوات التي مرت على استقلال أمريكا قبل أن تحرّر العبيد وتنهي حرب الانفصال بين الشمال والجنوب وتقلّل من التمييز العنصري، وتخرج من عزلتها السعيدة في الحرب العالمية الأولى؟ وكيف كان حال الديمقراطية في فرنسا خلال المائة سنة الأولى بعد ثورتها، أي ما بين 1789 و1889 بين الجمهورية والملكية والإمبراطورية وحتى التوسع الكولونيالي، ودولتها التي أصبحت شبه حليف للغزاة من النازيين؟ وفي بريطانيا لم يكن الحال أفضل قبل التصحيح الذي قام به كرومويل (1599-1658) ضد الملكية، ومازال الكاثوليك والبروتستانت يتصارعون في الأولتسر، أو ما يسمى أيرلندة الشمالية لاستعادة الوحدة مع جنوبها الكاثوليكي، ولم يحصل المناضلون الكاثوليك على أي من مطالبهم، على الرغم من الإضراب عن الطعام حتى الموت. تعرّضت تركيبة المجلس لانتقاد شديد، على أساس أن مستوى أداء أعضائه هزيل، وأن الكثير منهم ذوو مستوى تعليمي ضعيف. ألا تنزعجون من ذلك؟ - إذا عدنا إلى ما يقال وينشر عن تركيبة المجلس ومستوى أدائه وعلاقاته بالهيئة التنفيذية، فمن المعروف أن فيه نوابا يمثلون 27 حزبا من مختلف الحساسيات والتيارات، وتتكون من مختلف الشرائح الاجتماعية والمستويات التعليمية. إن القول بأن المجلس متكون من الأميين، لا يستند إلى أي سبر أو إطلاع على بطاقية الأعضاء المحفوظة في أمانة المجلس، وفيها البيانات المطلوبة ومنها عدد الحاصلين على شهادات عليا ومهندسون وأساتذة في الطب ومحامون وخبراء ونقابيون، عملوا في قطاعات المالية والصناعة والفلاحة والعلوم القانونية والاجتماعية والسياسية ومناضلون عاديون من مستويات أدنى، فالانخراط في حزب لا يتطلب فقط الشهادات العلمية، يتوزعون على مختلف الأطياف الممثلة في المجلس، وهؤلاء جميعا لا يراهم أحد على الرغم من أن الأغلبية منهم متفرغون للعمل النيابي التزاما بالقانون الذي حرصنا في المجلس على تطبيقه، وهو ما أُعجب به رئيس الجمعية الوطنية لبلد وراء البحر وعبّر عن ذلك أثناء زيارته للجزائر وهو يحاول الاجتهاد في تطبيقه، فليست بلادنا من المقلدين للآخر في كل شيء. وعلى أي حال، فإن المجلس ليس أكاديمية للعلوم والفنون والآداب، لا يدخله إلا من شاب قرناه في البحث والإبداع والابتكار، وكم عددهم في برلمانات العالم الثالث والثاني والأول؟ يشاع على الألسنة وبعض الصحف القول بأن في المجلس الشعبي حفافات وعاملات نظافة، وعلى افتراض وجود هذه الفئة في قبة المجلس، فإن هذه ليست مأخذا، إنها في الحقيقة استعلاء طبقي، كي لا نقول عنصريا، كما كان الكولون المتجبرون يسمون كل امرأة جزائرية “فاطمة” بهدف الإذلال والاحتقار. إن ممثّلي الأحزاب في هذه العهدة البرلمانية السابعة، هم عينات من المجتمع الجزائري في أبعاده الجغرافية المعروفة وخريطته السياسية ومستويات الدخل والثروة. والثروة نفسها ليست مأخذا، والسؤال المشروع هو: هل كانت كسبا مشروعا لا شبهة فيه أم لا؟ متى كان الفقر فضيلة؟ على الرغم من أنني أرى شخصيا أن الثروة توجد في القناعة والعّفة التي تحفظ من الغرور والإغراء، وبالتالي فهي كنز لا يفنى، وعلى أي حال علينا جميعا أن نجعل من العمل قيمة عليا، وعلينا أن نجعل إتقان العمل أكبر تكريم للأفراد والجماعات والمرادف للوطنية، بدل التسابق لتبادل التكريم وما يتبعه من موائد للأكل والشرب والهدايا والشهادات. جلبتم لأنفسكم سخطا كبيرا بسبب رفع منح وعلاوات النواب، ما سبب ذلك، علما أن أجورهم أصلا منتفخة؟ - لقد تم رفع الأجور عدة مرات ولمختلف الأسلاك، وأحيانا بأثر رجعي حتى 2008، ويقول البعض هل من مزيد؟ ومهما كانت مشروعية الزيادة في تعويضات النواب، وقلت رأيي فيها وطبقته في أول شهر من العهدة على نفسي بدون إشهار، أقول إن النواب في الغرفتين لا يحصلون على تعويضات وأجور تختلف عن غيرهم في بلاد العالم حسب بيان الإتحاد البرلماني الدولي، وهذه عينة منها بالأورو بدون التعويضات وهذا للعلم وللثقافة العامة لا غير، وهي كما يلي: بوتسوانا 8000 €. الكونغو9985 €. المغرب2700 €. الأردن 3823 € . لبنان 5766 € . مصر 8000 € . اليونان 5393 €. فرنسا . 7100 € . إسبانيا 4886 €. ولكن المشتغلين بالبحث عن الفرجة الفضائحية، لا يهمهم سوى السبق في كيل التّهم وتلويث مؤسسات الدولة، والمجلس هدف سهل وارتداء رداء المحامي للدفاع عن الشعب أسهل، ماذا لو تعرضوا لفحص بالسكانر وسئلوا من أين لك هذا؟ إن تكرار كلمة “شكارة” عند بعض الحزبيين وبعض الإعلاميين وتعميمها على كل النواب، توهم العاديين من الناس بأن كل عضو في المجلس يحمل على ظهره أكواما من الأوراق المالية لشراء الذمم والهمم، وأن الذي يتهم هو وحده النظيف في جماعات كلها ملوثة بالرشوة والفساد، هل من المطلوب في ملف المترشح للبرلمان أن يقدم شهادة فقر؟ وهل هو مؤسسة لا يدخلها سوى حملة دكتوراه وقائمة من المؤلفات، وهو ما لا تطلبه في البداية مختلف كليات ومعاهد الجامعة؟ وفيما يخص السلوك وخرق القانون، فهذا شأن المصالح المعنية والقضاء. وباستثناء الخطيئة الكبرى، وهي العمالة لدولة أجنبية، فإن حصانة النائب مكفولة في أداء مهامه في التشريع والرقابة فقط، وما سوى ذلك فالنائب مثل غيره من المواطنين، وهو لا يحمل جواز سفر دبلوماسي عند السفر إلى الخارج. وحسب المادة 72 من القانون الداخلي، فإنّ رفع الحصانة لا يكون إلا عندما يُودع طلب رفعها لدى المجلس من طرف وزير العدل، اطلعوا أيها السادة على القوانين قبل أن تتأبطوا شرّا وتضربوا خبط عشواء. الأغلبية التي يمثّلها الأفالان والأرندي، قتلت العمل البرلماني عندما تحوّلت إلى لجنة مساندة للهيئة التنفيذية. ألا ترون أن ذلك يجمّد المجلس لمدة خمس سنوات؟ - من الطبيعي أن تؤيد الأغلبية المتكونة من حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي والمستقلين والمؤيدين لبرنامج رئيس الجمهورية، مشاريع الهيئة التنفيذية، فهي حكومتها، ومن الطبيعي أكثر أن تعترض المعارضة وترفع صوتها داخل المجلس، وهي تتكون من تحالف الجزائر الخضراء وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال، والأحزاب الأخرى التي ليس لها مجموعات برلمانية، إذا اختارت أحد الموقفين، وهذا هو حال كل برلمانات العالم، وهذا هو حال المجلس في عهدته الحالية، ولا أعرف ولا أرغب في المقارنة مع سابقاتها، فثقافة الدولة تعني استمرارية المؤسسات. وإذا كان من الضروري الإصلاح وتحسين الأداء، فالمطلوب أن نذكر كل السابقين بخير. الحقيقة أن المجلس ليس غرفة تسجيل وتسابق في رفع الأيدي والتصفيق كما يشاع، فلم يمنع أحد من التسجيل وأخذ الكلمة ولأكثر من نائب في الحزب الواحد، والأسئلة الشفوية تكون مثل التعديلات باسم المجموعة البرلمانية وعشرة من النواب. وفي مستوى أشغال اللجان، يمكن لكل عضو أن يقدم رأيه الموافق أو المعترض أو المطالب بحذف مادة أو تعديلها أو اقتراح غيرها، وتدعو اللجان للاستنارة أو الاستجواب من تراه ضروريا من المدراء والمسؤولين ومن الخبراء في المسائل المتعلقة بمشروع القانون، وتعرض خلاصة الآراء والتعديلات المقترحة على الجلسة العامة وهذا إجراء عادي. وقد تقدم إلى لجان المجلس وجلساته العامة عدد كبير من الوزراء في قطاعات السيادة وغيرها، أكثر من مرة خلال هذه السنة نذكر منهم السادة وزير العدل، وزير الداخلية، وزير الخارجية، وزير المالية، وزير التربية، وزير الطاقة، وزير السكن، وشملت الأسئلة الشفوية والكتابية أربعة أخماس أعضاء الحكومة. أما الوزير الأول، فهو المنسق لكل نشاطات الحكومة وقد ناقش المجلس أولوياته ومنهجية عمله مباشرة بعد تعيينه من قبل فخامة رئيس الجمهورية. وحسب القانون الأساسي الأول للجمهورية، فإنه ليس من حق البرلمان بغرفتيه تعيين أو إقالة أي مسؤول في الهيئة التنفيذية كما هو الحال في كل الأنظمة الرئاسية. الكثير من النواب غير مهتمين بأداء وظيفتهم، بدليل قلة الحضور في الجلسات العامة. ألا يعطي ذلك مصداقية لمن يطعن في أعضاء الغرفة؟ - هي مسألة تخصّ الكتل البرلمانية كل واحدة على حده، ولكنها ظاهرة لا تخص غرفتنا، فقد تشاهد على القنوات التليفزيونية أقل من ربع النواب في كثير من الجلسات في برلمانات أخرى، وقد اُضطرت بعضها إلى الخصم من التعويضات والتحقق من تواجد النائب عن طريق الزر الإلكتروني، ولكن العديد يغادر الجلسات مباشرة بعد التسجيل لقضاء شؤونه الخاصة في عمله، أو دائرته النيابية، أو يقضي أغلب الوقت في مقهى ومقصف البرلمان، وهو ما أشار إليه عدد من رؤساء البرلمانات في اجتماعهم بمرسيليا في شهر مارس الماضي. وعلى الرغم من أن المشاركة لا تتوقف على إحصاء عددي في ديمقراطية ناشئة، فإننا نتساءل كيف يمكن أن تكون الجزائر استثناء في محيطها القريب والبعيد؟ وهل أن ما هناك دائما خير من هنا؟ يؤخذ على المجلس غيابه عن التفاعل مع أحداث كبيرة، بعضها خطير مثل الحرب التي تجري على الحدود الجنوبية، لماذا لا يبادر بفتح النقاش حولها؟ - يحدث أحيانا أن يدرس مكتب المجلس اقتراحا من إحدى المجموعات البرلمانية، لتنظيم يوم برلماني، فيرى أن الموضوع في حاجة إلى تشاور مع القطاعات المعنية، وخاصة إذا تعلق الأمر بقضايا راهنة مثل الاحتجاجات في الجنوب أو الأوضاع في مالي، فالهيئة التشريعية مستقلة في اختصاصاتها، ولكنها ليست منفصلة عن مؤسسات الدولة الأخرى، وهناك من المسائل ما يتطلب موقفا موحدا في الداخل وفي التعامل مع الخارج. وظهر ذلك واضحا في موقف حزب مغاربي حضر مؤتمر جبهة القوى الاشتراكية مؤخرا، ودافع، في مداخلته، عما يسمى “مغربية الصحراء وأقاليمنا الجنوبية” وسط احتجاج مناضلي الأفافاس، فالشعارات المعلنة تتضاءل أمام المصالح الحزبية ومصالح الدولة. ومن المعروف أن هذا الحزب له تاريخ نضالي مشهود وعرف أحد أبرز السياسيين المدافعين عن الحرية والديمقراطية في كل العالم الثالث، وتمّ اغتياله غدرا على يد مسؤولين كبار في تلك الدولة المغاربية. ففي بلادنا تراكمات كثيرة من الاجتهادات، فيها الصواب وفيها الخطأ، ينبغي أن نقيّمها في سياقها التاريخي المحلي والعالمي، وقد تفسح الساحة لجيل آخر لم يعرف محنة الاحتلال وبعيدا عن نصب الكمائن والبحث عن يد “الكاكي” والمخابر السرية المتداولة في بعض الأوساط، فلا وجود لطبقات العمر إلا في المجتمعات البدائية التي تفرض طقوس المرور من طبقة عمرية إلى أخرى، والرغبة في إبعاد الأكبر سنا يعرف بعقدة أوديب في الأسطورة الإغريقية التي تدفع الابن للتخلص من الأب للتفرد بالأم، التي خصص لها سيغموند فرويد دراسة رائعة بعنوان “الطوطم والطابو”. ما تفسيركم لموجات الاحتجاج والسخط التي تعيشها البلاد؟ - إن موجات الاحتجاج الدورية وما يصحبها من تظاهرات غاضبة، لها في كثير من الأحيان ما يبررها، والعجيب هو أن لا تحدث، وذلك للأسباب التالية: أولا مركزية الإدارة وتعقيداتها البيروقراطية الثقيلة وأداؤها البطيء والهزيل. ثانيا، ضعف الحوار بين الشركاء الاجتماعيين قبل حدوث الاحتجاجات ثم الإسراع إلى الحوار بعدها، ولكن كرجال مطافئ. ثالثا، قول بعض المسؤولين إن هذه القضية أو تلك هي مشكلة الجميع، أي لا أحد يجيب على الهاتف! وهذا قول هروبي أو ضعف في العمل المتناغم بين الشركاء والحيل الهروبية عن طريق التأجيل والتخلّص من المسؤولية برميها على الآخر وقائمة الحيل طويلة وأشبه بمغارة علي بابا. رابعا، اعتبار العمل توفر أم لم يتوفر نوع من “الكُرفي” والحصول على مقابل (أجر)، فهو واجب على أساس مغالطة المساواة البدائية (كلّنا أولاد تسعة). ومغالطة أخرى أخطر، وهي توزيع الريع بدون أيّ قيمة مضافة من الإنتاج في السوق والقابل للتسويق والمنافسة في الخارج، بالإضافة إلى الاختلالات الفادحة في سلم الأجور وتزايد الفروق الشاسعة بينها، وإغفال تطبيق سلّم الوظيفة العموميّة على بعض الهيئات والمؤسسات، مما سمح بالتبرّع بتعيينات في وظائف عليا أحيانا بلا كفاءة ولا استحقاق، فالمقصود بالتعيين هو الإرضاء بلا مساءلة عن المردود، وهو أمر يثير عند الآخرين الدهشة والغضب، ويقلل من مصداقية الإدارة في كل مستوياتها. وخامسا، الاحتجاج العلني بمختلف الوسائل ظاهرة تاريخية ودائمة في المجتمع الجزائري في عهده النوميدي والاحتلال الروماني، حيث ظهر مذهب معادي لكنيسة روما الكهنوتية، وفي العهد الإسلامي والعهد الإسلامي العثماني الذي عرف العديد من أشكال العصيان والعهد الكولونيالي الذي عرف سلسلة من الانتفاضات وأشكال المقاومة، بما فيها التمرد الفردي المعروف عند الفرنسيين باسم عصاة الشرف، وبالتالي يمكن القول بأن الاحتجاجية هي طبع وطني. وفي انتظار ما تسفر عنه تعديلات وثيقة الدستور، وموعد أفريل 2014، فإننا منحازون إلى كل من يسعى قولا وعملا للحفاظ على أمن بلادنا ووحدة الوطن ورفاهيّة المجتمع. وفيما يخصّ صاحب هذه السطور وما قيل ويقال عنه، فإنه ملتزم على الدوام بما جاء في الآية الكريمة “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”. من التسرع الحكم على أوضاعها بالفجر الصادق أو الحمل الكاذب، فمنذ ما سُمي تجاوزا بالثورة العربية في أوائل القرن الماضي التي لم يبق منها سوى خريطة “سايكس بيكو” وضياع القسم الأكبر من فلسطين يحق لنا التساؤل عن الأيدي التي تحرك خيوط الربيع مباشرة أو من وراء حجاب؟ فالخطر كل الخطر هو وجود معارضة تعمل من الخارج، سواء باختيارها أو مضطرة بسبب الغلق والإقصاء والاضطهاد، لأنها قد تتعرّض في الحالتين للاحتواء والتوظيف والاستعمال للضغط على بلدها الأصلي، فلا شيء في السياسة لوجه الله لا توجد انتخابات كاملة الشفافية والنزاهة والمصداقية، ففي أعرق الديمقراطيات البرلمانية تتبادل الأحزاب التهم والتشكيك في نتائج الانتخابات ويتدخل المال لترجيح الكفة لصالح المترشحين للرئاسيات سرا وجهرا، بل لا يطمع مرشح لمنصب قيادي إذا لم تسانده رؤوس أموال تُسمى “منحا وهدايا” إن تكرار كلمة “شكارة” عند بعض الحزبيين وبعض الإعلاميين وتعميمها على كل النواب، توهم العاديين من الناس بأن كل عضو في المجلس يحمل على ظهره أكواما من الأوراق المالية لشراء الذمم والهمم، وأن الذي يتهم هو وحده النظيف في جماعات كلها ملوثة بالرشوة والفساد إننا منحازون إلى كل من يسعى قولا وعملا للحفاظ على أمن بلادنا ووحدة الوطن ورفاهيّة المجتمع. وفيما يخصّ صاحب هذه السطور وما قيل ويقال عنه، فإنه ملتزم على الدوام بما جاء في الآية الكريمة “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”.