مرسي سيشكل دولة ديمقراطية مدنية لا علاقة لها بالدين أو جماعة الإخوان المسلمين أكّد الدكتور عبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأمريكية في القاهرة والمساعد السابق لوزير الخارجية المصري، في حديث خصّ به »صوت الأحرار«، أن قرار المحكمة الدستورية العليا المصرية بعدم دستورية قانون العزل السياسي وحلّ البرلمان، هو نتيجة عملها وفق الالتزامات السياسية واستخدام القضاء كأداة من أدوات مؤامرة حيكت لخلق ثورة مضادة ضد إرادة الشعب المصري، كما كشف مرشح الرئاسة السابق عن حزب الأصالة، بأنّ الأمر يتعلق برغبة المجلس العسكري في البقاء في السلطة وراء قناع الفريق أحمد شفيق. بعد فترة وجيزة من قرارات محكمة جنايات القاهرة بشأن رموز النظام السابق، قضت المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون العزل السياسي وأقرّت بحلّ البرلمان، ما هي قراءتكم للحكمين ؟ الحكمان من الناحية القانونية تعرضا لانتقادات قانونية وانتقادات سياسية، والربط بين الحكمين، هو انتقام للقضاء من البرلمان والحراك الشعبي. فقد سبق للبرلمان الحديث عن سحب الثقة من الحكومة، ما جعل رئيس الوزراء يردّ بالقول إن ملف حلّ البرلمان موجود في درج المحكمة الدستورية العليا التي تعمل وفق الالتزامات السياسية في ظل التوتر القائم بين الشعب والمجلس العسكري الذي أرجع المصريين للمربع الأول بعد أن أوهم بتقديم أشياء مفيدة، علما أن إقرار عدم دستورية قانون العزل وحلّ مجلس الشعب، ترك جرحا غائرا في قلوب المصريين، لأنه وببساطة يرمي بشكل أو بآخر لإنهاء الثورة، في حين أنّ حديث المجلس الأعلى للقوات المسلحة الداعم ضمنيا للفريق أحمد شفيق، عن عدم الوقوف إلى جانب أيّ من المرشحَينِ في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، هي مجرّد تطمينات للرأي العام وحزب الحرية والعدالة ومرشحها محمد مرسي. في رأيكم، لماذا اختيار هذا التوقيت بالذات لإصدار قرارات مماثلة، ومصر على أبواب الدور الثاني من انتخابات الرئاسة ؟ الحكم جاء ضمن مخطّط كبير يرمي إلى القضاء على ما تبقى من أمل لدى المصريين وحلمهم بالاستقرار، فحكم من هذا النوع في السابق، كان يستغرق مدّة طويلة جدا للبتّ فيه، لكنّ ما شاهدناه هو إصدار حكمين مهمين في فترة وجيزة وقبل وقت قليل من الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، لذا فإنني أرى أنّ الحكمين لم يأتيا في الوقت المناسب على الأقل وكان من الضرورة عدم النطق بهما عكس ما حدث، وكلّ ذلك غايته إنهاك الثوار والثورة والانتقام منهم من طرف حكم عسكري هو أشدّ من الحكم الأجنبي، لكن العكس هو الذي سيحصل، فمصر ستدخل في مرحلة اضطرابات أخرى، ولن يتوانى الثوار عن تحقيق طموحاتهم. ماذا عن انتخاب رئيس في ظل عدم وجود دستور وبرلمان ؟ المجلس العسكري لا يملك الغيرة الوطنية والرشد الكافي، وقد جعل مصر أضحوكة العالم، ونكّل بثورتها، وما يحدث الآن لم تشهده أيّة دولة في العالم، فالرئيس القادم لن يجد برلمانا ليؤدّي اليمين أمامه، وهو نتيجة إغراء بعض القوى والتيارات السياسية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بانتهاج استراتيجيته الحالية، في وقت كان يملك فرصة ثمينة منذ أكثر من عام ليبني دولة مدنية ديمقراطية، الأمر الذي لم يحدث نتيجة الجهل بنقطة البداية الصحيحة. ألا يعزّز ذلك ما يتّم الحديث عنه تحت اسم نظرية المؤامرة، والتي تشير إلى نية مبيّتة للمجلس العسكري بإحياء النظام الذي أطيح به، في ظل تربّعه الآن على عرشي السلطتين التنفيذية والتشريعية ؟ الجيش يريد البقاء في السلطة وراء أقنعة متعدّدة، وشفيق الذي يملك كلّ شيء تقريبا هو أحد تلك الأقنعة، في مقابل المرشح محمد مرسي الذي لا يملك سوى دعوات المصريين، وعليه فلقد تبيّن جليّا أنّنا ارتكبنا خطأ جسيما باعتقادنا أنّ المجلس العسكري سيكون إلى جانبنا، فهو لم يحارب مثلا شبكات الفساد التي بدّدت أموال المواطنين ونخرت أسس دولة مؤهلة بثرواتها لنيل مكانة أساسية في المنطقة والعالم، بينما سعى لتمويه الشعب وقمعه قصد إسكاته، وهو ما يدّل أنّه لم يفهم ما يختلج المصريين بالفعل من رغبة في التغيير نحو الأفضل. فحتى لو أرهقت الثورة والفقر الشعب، فعلى الجيش أن يتأكّد بأن مخطّط تبديد حلم المصريين بوطن جديد مدني ديمقراطي لن يكلّل بالنجاح وبأنّ عورات النظام ومؤامراته ستكشف في الأخير، خاصة بعد قرار المحكمة الدستورية ببطلان قانون العزل السياسي، والذي أكّد سعيها هي الأخرى لإحياء النظام القديم، وهو ما أوضح للمصريين بما لا يدع مجالا للشّك أن القضاء لم يعد حرّا وأصبح أداة من أدوات التآمر على المصريين وثورتهم التي أكسبتهم عدم الخوف والاستعداد للتحكم بزمام الأمور من جديد. بعض النظر عن سعي المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبقاء في الحكم بأقنعة متعدّدة، مثلما سبق وأن قلتم، ألا توجد مؤامرة أو أجندة أجنبية ساهمت في خلق الوضع الراهن؟ بالتأكيد هذا جزء من مؤامرة صهيو- أمريكية على مصر، باعتبارها دولة محورية كانت وما يزال يُراد لها أن تكون تابعة لإسرائيل والولايات المتحدّة، فالدولة الآن ترجع للوراء في ظلّ التطورات الراهنة، لكنّ استخدام الجيش لتنفيذ تلك المؤامرة المضادة لثورة وإرادة الشعب، هو خطأ جسيم في حدّ ذاته، فالجيش المصري هو جيش الشعب خلافا للجيوش العقائدية صاحبة الولاءات للسلطة والطبقة الحاكمة، وهو نابع من فهم خاطئ تماما لتفكير أبناء مصر، وعليه لا يمكنني القول سوى أنّ مهلة المجلس العسكري قد انتهت بالفعل. بحسب ردود فعل الشارع المصري، بعد قرارات المحكمة الدستورية العليا، فإن بوادر ثورة أخرى تلوح في الأفق، كما أنّ حديثكم يوحي بإمكانية تزوير الانتخابات لصالح شفيق المدعوم من طرف الجيش؟ باعتقادي أنّه وفي حال تمّ تزوير الانتخابات، فإنّ ثورة أخرى ستقوم فعلا، لكنها ستحافظ على طابعها ونسقها السلمي، إلاّ أنّ ما يميز هذه الثورة عن سابقتها، هي أنها ستكون ضدّ المجلس العسكري، بعد أن كان قادرا على وضع بصمته وتقديم تجربة ديمقراطية فريدة في المنطقة ومن ثمّ الرحيل بهدوء، لكن مع الأسف، أحبطت التجربة. كيف ترى حظوظ الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الجولة الثانية والأخيرة، والذي ُيفهم من كلامكم أنّه الضامن لثورة المصريين بما أن شفيق هو مرشح الثورة المضادة؟ حظوظ محمد مرسي كبيرة جدا، والكلّ يطالب به رئيسا لمصر وهو الضامن لثورة المصريين، والحملات الإعلامية الهوجاء التي تشن ضدّه والقائلة إنه سيستولي على الحكم لصالح الإخوان المسلمين وأنه سيبني دولة دينية، مجرّد دعايات مغرضة الهدف منها تبديد الناس من حوله، لأنه برأيي فإن مرسي سيشكل دولة ديمقراطية مدنية لا علاقة لها بالدين أو جماعة الإخوان المسلمين.