تذكرت هذه الجملة التي كانت عنوانا لآخر ما كتبه الراحل الأديب والمسرحي توفيق الحكيم يومها قيل، أن الرجل كتبها تأييدا لزيارة الرئيس السادات لاسرائيل، لأن سياقها العام مستمد ومستوحى من تلك الخطوة وهو لم ينكر ذلك وبسببها تعرض صاحب ''عودة الروح، وشهرزاد، ويوميات نائب في الأرياف'' إلى كثير من النقد وحتى الإدانة والتنديد. ● تذكرت العنوان حين أعلنت المملكة السعودية اعتذارها قبول صفة عضو غير دائم في مجلس الأمن وعللت ذلك بجملة من الاعتراضات تتعلق بدور الأممالمتحدة ومجلس الأمن السلبي تجاه القضايا العربية والقضية الفلسطينية!! مبدئيا قد يغتر البعض بهذا الاستيقاظ السعودي وهذه الغضبة المصرية وعودة الوعي إلى دولة كانت دوما ''السوسة'' التي تنخر الجسم العربي.. وصوتان فقط ارتفعا ليعلنا تأييدهما وتفهمهما للموقف و الإحباط السعوديين، موقف باريز وموقف أمين عام الجامعة العربية وكلا الموقفين من السهل فهم دوافعهما ذلك أن نبيل العربي استبدل المولى القطري بالمولى السعودي، أما فرنسا فحالها يشبه حالة السعودية حين وجدت نفسها خارج اللعبة بعد الإتفاق الروسي-الأمريكي بل أكثر من ذلك وهي التي كانت تظن نفسها حليفا لواشنطن في المسألة السورية اكتشفت أن هذا الحليف يدخل مخدع مسؤوليها من غير استئذان من خلال تجسس وكالة الأمن القومي على مكالماتهم الهاتفية وبريدهم الالكتروني.. أقول، قد يغير البعض رأيه من هذه ''الخرجة'' واستنسار البغاث في الأرض القطط، ويقول ها هي المملكة تعلن موقفا يستحق الإشادة والتنويه، وهو ما تسعى إليه فضائياتها وصحفها في الخليج ولندن هي تحاول ضخ بعض إكسير الحياة في جسم هرم غائب عن وعي الزمان وحتى الحليف الأكبر أو الصديق الصدوق أو الحامي لهذه المملكة وأعني هنا واشنطن لم تكترث أبدا بهذه ''الخبطة'' السعودية، بل أعلنت حيث سئلت الناطقة بلسان كتابة الدولة عن الموقف الأمريكي ردت بكل سخرية وعلم واللاهتمام: إنه أمر يخصهم! ربما قد يكون وصف جون فيلتمان هو أصدق نعت ينطبق على هذه المملكة التي تعيش خارج الزمن، أعني تفكيرا وسياسة وديبلوماسية، الرجل قال فيها وهو الأمريكي الذي لا يمكن اتهامه بموالاة الأسد مثلا أو مؤيد لمرسي، قال : لم أر أوقح ولا أسوأ مثل الحكومة السعودية''! كما أن أغلب الصحف الأنجلوسكسونية إما تجاهلت تماما ما أقدمت عليه الرياض أو سخرت منه ببرودة تامة. وفي الوقت الذي ترفض فيه المقعد غير الدائم في مجلس الأمن الذي دفعت فيه قبل ذلك أموال طائلة، تسعى الرياض إلى الحصول على مقعد في مجلس حقوق الانسان بجنيف، أية وقاحة أكبر من مثل هذا الطموح لدولة إحدى ميزاتها في ميدان حقوق الانسان تبدأ من الجلد بالسياط وقطع الرؤوس بالسيوف في الساحات العمومية.. الرياض، التي كانت دوما تقبل برضى تام أن تكون في وضع ''الضرة'' لواشنطن حيث تطل اسرائيل =-=-= الأولى انزعجت كثيرا وفقدت أعصابها لأن أوباما تراجع أو أجل الهجوم العسكري على سوريا، المسعى الذي عملت عليه الرياض وقطر وأنقرة وباريس منذ ما يقارب الثلاث سنوات، يعود إليها الوعي مجددا وتتذكر أن هناك قضية تسمى القضية الفلسطينية وأن مجلس الأمن والأممالمتحدة يمارسان سياسة الكيل بمكيالين وغير ذلك من الوقائع إن كانت تشكل فعلا إحدى حقائق العلاقات الدولية غير المتوازنة، فإنها في هذه الحالة تأتي في نسق قضايا حق أريد بها باطلا! غباوة حكام الرياض وسخافة تفكيرهم يعتقدون أن دولة مثل الولاياتالمتحدة تكاد تكون القوة الكونية الأولى تتصرف بالمزاج وعلى هوى النفس، أكيد واشنطن مثلما مثل الرياض تكون دمشق كما تكره طهران ولا تحب موسكو كما لا تحب بكين هذه حقيقة ثابتة، غيرأن واشنطن واقعية وبراجماتية ولها استراتيجية التعامل مع القضايا الدولية إما بالإحتواء أو بالتعايش وبالنسبة لها فإن المواجهة تظل دوما واردة ولكنها تستعمل أسلوب العصا والجزرة التي كثيرا ما تأتي بنتائجها.. وذلك بالضبط ما حدث بالنسبة للملفين : النووي الإيراني والأزمة السورية حيث توصلت واشنطن إلى تفاهمات تغنيها حتى الآن استعمال أسلوب القوة العسكرية الذي تؤمن واشنطن أنه سيزيد الأمور تعقيدا وسيشعل المنطقة كلها لتصبح مرتعا للمجموعات المتطرفة والإرهابية والتفكيرية التي تمولها الرياض وتسلحها دون التفكير في العواقب لأن الحقد هنا على شخص وعلى دولة وعلى نظام يحجب كل شيء لكن يبدو أن الأسد، وهو الذي في عين الإعصار السعودي لا يزال يشكل رقما صعبا في المعادلة. هي صفعات وضربا على القفا توجه لكل الصغار الذين يحاولون تجاوز حجمهم والحيز الذي أعد لهم للعب فيه، وهنا تتساوى الرياض كما باريز، العضو في الحلف الأطلسي مثل تركيا، ذلك أن واشنطن إن تتفاوض مع موسكو ومع طهران على قضايا المنطقة وراء ظهر السعودية، فإنها أيضا تتجسس على باريز مثل ما تتجسس على فنزويلا أو الصين وحين تغضب فرنسا وتصدر منها تصريحات نارية تجاه مثل هذه الإعتداءات على :''الشرف الفرنسي'' من حليف لا تنفك باريز الإشادة بالإنضواء تحت جناحه يكون الجواب الأمريكي باردا و فجا '' كل الدول تتجسس على بعضها''؟ وبعد وعودة إلى السعودية، هذه الدملة التي تعفن كل العالم العربي والإسلامي علينا أن نتذكر بعض مآثر تدخلاتها الهدامة في الشؤون العربية بدء من اليمن أوائل الستينات إبان حربه الأهلية الأولى مرورا بلبنان الذي أصبح فعلا إحدى حدائقها الخلفية وصولا إلى العراق الذي تواصل كلا من الرياض والدوحة إشعال الإقتتال الطائفي فيه وانتهاء بسوريا التي يبدو أن صمودها دولة وجيشا ورئيسا أفقد الرياض أعصابها دون أن ننسى مملكة البحرين التي هي الآن محمية سعودية تحت العين الساهرة للأسطول الأمريكي الخامس الذي يتخذها مقرا له لكل المحيطين الهندي والهادي.. لكن ماذا لو تتحقق خطة واشنطن في مسار إقامة كيانات متعددة داخل هذا الجسد المترهل الذي يسمى العربية السعودية؟