بالأمس القريب هلّ علينا بنسماته العطرة وخيراته النضرة..كنا نلتفت إلى بعضنا وننظر حولنا في الشوارع والساحات فنقول: والله ريحة رمضان.. وبين غمضة عين وانتباهتها اكتشفنا أنه مرّ مسرعا وأننا نودّعه..رُحنا في رحم المفاجأة نقول لبعضنا: سبحان الله..البارح كنا نستقبلوه.. الحقيقة لم يتغيّر شيء..ليس رمضان الذي مضى مسرعا..ليس الوقت الذي مضى على عجل..ثلاثون يوما أو تسعة وعشرون.. الذي مضى مسرعا هو..العُمر.. أعمارنا جميعا..آجالنا التي في كتاب..أما رمضان فهو محطة روحية تُنبهنا في زحمة النسيان والغفلة والانحراف. رمضان هو الشهر الوحيد الذي يُشعرنا بدقائقه وساعاته..يشعرنا بقيمة الزمن وبخطورة الوقت لأننا نعُدّ لحظاته ومواقيته ونضبطها على إمساك أو إفطار. وحده رمضان يعلمنا الصوم عن الشهوات ويقرّبنا أكثر من معنى الحياة الروحية الخالصة ويعلّق قلوبنا على صفاء الذكر وحلاوة الدعاء ويفتح شبابيك الروح على التفكّر والشكر. وحده رمضان يجمع أسرنا وعائلاتنا على موائد الطعام في جو حميمي بعد تشرذم أفرادها وأبنائها طوال العام. رمضان هو هويتنا جميعا في وحدة شعورية وثقافية رائعة بعد شهور التيه والتلوّن بأبعاد أخرى والتفسخ والتشويه. هو هذا كله وأكثر إذ اجتمعنا على قلب رجل واحد في تراحم وتعاون مهما بدت من بعضنا النواقص والتقصير..وحتى وإن أساء البعض لعظمة هذا الشهر بممارسات الاحتكار والغلو في الأسعار والغش والمضاربة. رمضان الكريم هو هذه الأفضال الكثيرة والنعم الجليلة التي لا يقدّرها حق قدرها إلاّ من صام إيمانا واحتسابا، وتعامل معه كمودّع ربما لن يلقاه العام القادم. ! من يودّع الآخر..نحن من نودّع رمضان أم هو من يودّعنا إذ ترتفع إلى السماء أعمالنا فيه فمنّا الفائز ومنا الخائب..؟ رحل هذا الشهر العظيم بمقداره وخيراته والبشرى لمن اغتنم فرصة التقوى حتى يصبغ بها حياته في باقي شهور السنة وذاك معنى رمضان والباقي عبث.. الناس نيام فإذا ما ماتوا انتبهوا.. أثر