أدخلت الكرة الفرحة على قلوب ملايين الجزائريين، وارتفعت أسهم البلد في الساحتين العربية والدولية بانجاز التأهل إلى مونديال البرازيل، لكن يبدو أن الهوس بالسياسة عند عدد من وجوه المعارضة لا يريد لهذه الفرحة أن تكتمل خاصة لما تصبح رابعة الكرة مقترنة في حسابات البعض برابعة الرئيس بوتفليقة. وسط أجواء الجدل حول رابعة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حقق الفريق الوطني لكرة القدم رابعة المشاركة في كاس العالم المقررة خلال الصائفة المقبلة بعاصمة الساحرة المستديرة، البرازيل، بعدما اقتطع التأشيرة وبصعوبة أمام فريق بوركينافاسو عنيد، وخلال ملحة كروية غير مسبوقة شهدها ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة الذي امتلأ عن آخره، لتعم الفرحة ربوع الجزائر وعواصم عربية وأوربية ووصلت إلى الولايات المتحد الأمريكية وكندا. البعض تساءل عن سر الجنون الذي أصاب الجزائريين بعد نهاية المباراة، وعن هوسهم باللعبة الأكثر شعبية في العلم، هل هو التعلق التلقائي بالساحرة المستديرة كما يسميها البعض، أم هناك دوافع أخرى وراء ذلك، خصوصا في ظل حديث يبدو مبالغ فيه عن تسييس الكرة، وعن نوايا السلطة لاستغلال انجازات الفريق الوطني وتأهله عن جدارة للمونديال لتسويق العهدة الرابعة لصالح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حتى وإن ظل السوسبانس يحوم حول رغبة الرئيس في الترشح من عدمه. قد تكون هناك ولو القليل من الحقيقة، فلا يمكن نفي وجود رغبة من الحكومة أومن مستويات معينة في الحكم تريد استغلال الفرحة العارمة التي عمت الشارع الجزائري في كل ربوع الوطن لتسويق انجازات الرئيس ومن ثمة الحديث عن العهدة الرابعة، وإن كانت هناك انجازات أخرى قد تؤدي هذه المهمة أكثر مما يؤديها فوز في مباراة أو تأهل للمونديال، والسؤال المطروح هو هل الرئيس بوتفليقة بحاجة إلى هكذا فوز حتى ينتزع الحق في الترشح لعهدة رئاسية رابعة، أليس من السذاجة الاعتقاد بان الجزائريين سيرضون بعهدة رابعة لمجرد أن فريقهم الوطني اقتطع تأشيرة التأهل لأكبر تجمع كروي عالمي، وما الذي سيقوله هؤلاء الذين يربطون رابعة الكرة برابعة بوتفليقة لما يتهاوى نخيل بسكرة المثبت على طول الطريق المؤدي إلى العاصمة ويفضح مشروع »القرن« الأخر المتمثل في عمليات تزيين قيل أنها كلفت خزينة الدولة ما لا يقل عن 90 مليار سنتيم، هل سيمنع ذلك على الرئيس الترشح لمجرد أن نخلة لم يتم تثبيتها جيدا في التربة سقطت هنا أو هناك، مع أن الدستور يعفيه من ذلك ويعطيه الحق في الترشح لأكثر من عهدة إذا توفرت الشروط القانونية المطلوبة، وأما الانجازات فإن التسويق لها يكون أفيد خلال بالحملة الانتخابية للرئاسيات التي ستكون هذه المرة ربما أكثر حرارة من كل الحمالات التي خاضها بوتفليقة في عهداته السابقة. عيبنا في الجزائر أننا نخلط الجيد بالرديء ونفسد أعراسنا بأيدينا، ففرحة تأهل المنتخب الوطني لكاس العالم أفسدته أخبار موت الكثير من الأنصار التي تناقلتها العديد من وسائل الإعلام الأجنبية لتقدم صورة بائسة عن شعب يموت حتى لما يفرح، وتترك فرحته ضحايا كثر فما بلنا لما يغضب أو يحزن، ولما تطلعنا بعض الصحف على معلومة مفادها أن أغلب الأعلام الوطنية التي حملها الجزائريون خلال احتفالات انتصار فريقهم الوطني كانت مغشوشة صنعها الصينيون من دون احترام أدنى الشروط التي تحفظ للراية قدرها وقدسيتها ندرك حجم التناقض الصارخ الذي يعيشه الجزائريون في يومياتهم، ويمكن أن ستنقط كل ذلك على عالم السياسة وعلى الرئاسيات المقبلة التي يبدو أن التصريحات التي تسبق الأحداث فتحاول تخويف الجزائريين تارة بالعهدة الرابعة وطورا بتزوير محتمل، ليس لها هدف أخر غير إفساد عرس الرئاسيات المقبل حتى لا يكون لبنة جديدة في تكريس الاستقرار الذي تفتخر به الجزائر، وقد يتخذ كمناسبة لمحاولة جر الجزائر إلى مستنقع الفتن العربية باسم الحرية والديمقراطية. والمؤكد أن تصريحات الشيخ عبد الله جاب الله التي اقترح من خلالها على الأحزاب والشخصيات التي قد تفكر في موعد أفريل 2014 إعلان انسحاب مبكر لأنه لن تكون لها أي فرصة لمنافسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والفوز في الاستحقاق المقبل الذي رتبت نتائجه، حسب جاب الله طبعا ولن يكتب الفوز فيه إلا ل »مرشح السلطة«، تندرج ضمن حملة تشويه الاستحقاق المقبل من قبل شخصيات وأحزاب لا ترى أنه سيكون لها نصيب يذكر في هذا الاستحقاق. ويبدو أن جاب الله عجز عن إقناع زملائه الآخرين في التشكيلات الإسلامية على غرار حركة مجتمع السلم التي يرتقب أن تدخل غمار الرئاسيات لكن بمرشحها ويحتمل جدا أن يكون رئيسها الحالي عبد الرزاق مقري، وهذا بعدما يئست من المطالبة من باقي التشكيلات السياسية التوافق على مرشح قادر على مواجهة ما يسمى ب »مرشح السلطة«، ولن تكون حمس وحدها في الميدان بل سيتقاطر عدد كبير من الأحزاب ومن الشخصيات للترشح والقبول حتى بدور أرانب السباق، وتختلف طموحات كل طرف في هذه المسألة بين من يقيس المسألة بمقياس السياسة ومن يزنها بميزان المنافع الشخصية. حكومة سلال منشغلة منذ فترة بالميدان فالزيارات التي يقوم بها الوزير الأول عبد الملك سلال لولايات الوطن، والتي كانت أخر محطة له ولاية الشلف، تخدم السلطة أكثر من أي شيء آخر، فهي تبرز الانجازات الكبيرة التي تم انجازها أو مبرمجة في مختلف جهات الوطن، وتعكس سياسة تنموية نشيطة سمحت بتحقيق في ظرف سنوات أكثر مما حقق في الجزائر خلال عقود من الاستقلال. وتولي الحكومة عناية أكبر في سياستها التنموية للجنوب الكبير ليس فقط من منطلق سياسات التوازن الجهوي التي رددتها السلطة كثيرا في ستينات وسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي، ولكن أيضا بسبب استشعار حقيقي للخطر الأمني الذي تواجه الجزائر في جنوبها الكبير جراء الأوضاع المضطربة في مالي والنيجر وليبيا والنشاط المكثف للمجموعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة في هذه البلدان. والظاهر أن القاعدة أصبحت تغري الأمريكيين فضلا عن الفرنسيين الذين يستعملونها كمبرر وحجة لتتدخل في المنطقة، فهذا القائد الأعلى للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، الجنرال ديفيد رودريغز، يتحدث في تونس مع رئيس الحكومة التونسية، علي العريض، حول طرق دعم الولاياتالمتحدة لجهود تونس في تأمين حدودها ومكافحة تهريب السلاح من ليبيا المجاورة، وقالت الحكومة في بيان إن رودريغيز والعريض بحثا »كيفية دعم الولاياتالمتحدة الأميركية لتونس عسكريا عبر التجهيزات والتكوين ودعم جهود تونس في مكافحة ظاهرة التهريب وخاصة الأسلحة وتأمين حدودها على كافة الوجه«، فمن يحمل المرض قد يخفي أيضا الترياق، أو هكذا تريد أن تقول واشنطن.