خلت الساحة السياسية من أي حراك يمكن أن يفتح شهية التفاعل معه، وفيما احتمت الأحزاب بالصمت يبدو أن الكبار من الأوزان المعروفة شعبيا تخشى طرق أبواب الرئاسيات. ويتساءل المراقبون بحذر عن مبررات تخلّف الطبقة السياسية عن الخوض في طبيعة الرئاسيات.. ثوبها.. ضمانات نزاهتها.. مرشحيها.. رهاناتها.. الأحزاب كما الشخصيات السياسية المعروفة لا تزال متخلّفة عن الإعلان عن موقفها من هذا الاستحقاق المزمع إجراؤه في أفريل أو مطلع شهر ماي من السنة القادمة، وفي وقت دأبت فيه الطبقة السياسية على التدخل باكرا في مسار النقاش السياسي، لايزال ملف هذا الاستحقاق بعيدا عن التداول بالقدر الذي دأب عليه الرأي العام. فقد عرفت الانتخابات الرئاسية عام 2004 جدلا واسعا عندما تحركت آلة الترشيحات سنة 2003، وفي رئاسيات 2009 كان النقاش مبكرا أيضا، برغم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة ثالثة، حيث أدى التعديل الجزئي للدستور وإقرار العهدة الرئاسية المفتوحة إلى إثارة الطبقة السياسية وتسجيل عدد معتبر من المترشحين لسباق المرادية. المتحججون بانعدام التفاعل مع الاستحقاق القادم لغياب الضمانات والرؤية السياسية في بلادنا، يرون أن الوقت لم يحن بعد للإعلان عن الترشح أو دعم مترشح ما في رئاسيات 2014، سواء ما تعلق بالأحزاب السياسية أو الشخصيات الوطنية، لكن في النهاية فإن أوضاعا مرت بها البلاد خلال العشرية الأخيرة وجرت فيها رئاسيتين دون أن يكون للضمانات أو الرؤية السياسية دورا في إحجام الصامتين اليوم عن المشاركة، وعلى سبيل المثال فإن علي بن فليس خاض رئاسيات 2004 بضمانات لا تختلف عن تلك التي قدمتها السلطة عام 2009، ولم يشارك فيها بن فليس، والأمر ينطبق على حمروش وجاب الله وآيت أحمد وسعيد سعدي وبن بيتور وغيرهم، كل هؤلاء شاركوا في الرئاسيات إما عام 1999 أو 2004 أو 2009 بنفس الضمانات التي جعلتهم يعلنون ترشحهم وخوض غمار الحملة الانتخابية ومخاطبة الجزائريين كمترشحين لمنصب الرجل الأول في البلاد. الصمت المُسجّل اليوم إزاء الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2014 لا مبرر له، سوى أن الأحزاب السياسية فضلت الاحتماء بالصمت في انتظار الإعلان عن موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكن للرئيس موقف من هذا، فقد جرت العادة على أن لا يعلن باكرا عن ترشحه أو موقفه من الرئاسيات. فهل تنتظر الأحزاب والشخصيات الوطنية إلى اللحظات الأخيرة من عمر العد التنازلي للرئاسيات؟ هذا الأمر يطرح العديد من التساؤلات عن جدية الطبقة السياسية في التعاطي مع الاستحقاقات، وإذا كانت للأحزاب والشخصيات الوطنية طموحاتها وقواعدها لما تعلق مشاركتها على معرفة موقف الرئيس من الرئاسيات؟ أمر يضع مصداقيتها على المحك لدى الرأي العام بلا شك، خصوصا وأن أحمد بن بيتور الوحيد الذي أعلن نيته للترشح وقد كان صادقا وجادا وحظي باحترام الجميع. عبد السلام بارودي عام يفصلنا على الموعد ولا أحد يريد الترشح لماذا توقف ساسة الجزائر عن الحلم بمنصب الرئيس؟ في فرنسا، أعلن رئيس الحكومة السابق فرانسوا فيون عن ترشحه للانتخابات الرئاسية في بلده رغم أن موعدها ما يزال بعيدا بأربع سنوات، وفي مصر يجاهر قادة المعارضة كالبرادعي وحمدين صباحي وأبو الفتوح برغبتهم في خلافة الرئيس محمد مرسي رغم توليه لمسؤولياته منذ 8 أشهر فقط. أما في الجزائر التي يفترض أن تعيش حالة من الغليان السياسي، على وقع انتخابات رئاسية، لم يعد يفصلنا عنها سوى عام فقط، لا أحد من الطبقة السياسية يريد الترشح .. أو حتى مجرد الحديث عن رغبته في الترشح، إلا واحدا فقط تجرأ على ذلك هو رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور. وتشكل الانتخابات الرئاسية أهم حدث سياسي عند الجزائريين على الإطلاق، وتمثل عندهم المحك الحقيقي للتغيير، لعدة اعتبارات تتعلق بارتباط تمثيل السلطة تاريخيا عندهم بمنصب الرئيس، وليس باقي المؤسسات كالبرلمان، مثلما تظهره نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي عادة ما تكون مرتفعة مقارنة بالتشريعيات. ومع ذلك لا يبدي الساسة في الجزائر أي حماس لهذا الموعد المنتظر بعد عام.. ويعزفون حتى عن الحديث عنه .. وإذا سألت أحدهم عن قراره في الترشح، أجابك بلغة المحلل السياسي متناسيا أنه ممارس للسياسة وفاعل فيها، فما السر في هذا النفور العام من منصب الرئيس الذي يفترض أن يكون حلم كل قائد سياسي في أول يوم يبدأ فيه ممارسة السياسة؟ وهل بات طموح الوصول لمنصب الرجل الأول في البلاد غير مشروع لساسة الجزائر؟ أغلب الساسة في الجزائر يتهمون السلطة بأنها سدت كل آفاق العمل السياسي في الجزائر وجعلت منصب الرئيس، حكرا على أشخاص معينيين يظهرون مع كل موعد رئاسي بجبة مرشح الإجماع الذي لا يمكن مباراته. لكن إذا كان المشكل في السلطة التي غالبا ما تمرر مرشحها الذي تريد، فما الذي دفع ساسة مثل جاب الله وعلي بن فليس وغيرهم للترشح في المرات السابقة، وما سر عزوفهم هذه المرة؟ قد يكون الجواب أن أحداث الربيع العربي التي غيرت كثيرا “الأجندات" والعقليات، جعلت الساسة الجزائريين يطمحون إلى تغيير حقيقي عوض منطق “المهم المشاركة"، ويمكن أن يكون مرور الربيع العربي دون إحداث الرجة المطلوبة في الجزائر، قد خلّف حالة من الإحباط لدى السياسيين في الجزائر. غير أن بعض المتابعين لسلوك مرشحي الرئاسيات في الجزائر، يقولون إن الساسة عندنا، ينتظرون دائما ربع الساعة الأخير ليقطعوا الشك باليقين في قرار الترشح، وسيتمسكون أكثر بهذا السلوك في الرئاسيات القادمة، في ظل إبقاء الرئيس لحالة “السوسبانس" في إعلان تعديل الدستور، الذي قد يكشف مدى رغبة الرئيس في الترشح للعهدة الرابعة، ما يعني لهم مباشرة قتل المنافسة على المنصب، لأن الرئيس في الجزائر لا يمكنه أن ينهزم في سباق انتخابي. قد تكون لقرار بعض السياسيين في رفضهم الترشح بعض الوجاهة، لكن السياسيين في الدول العريقة في الديموقراطية، لا ينافسون على منصب الرئيس من أجل الفوز بالمنصب فحسب، بل لاستغلال الحملة الانتخابية لشد انتباه الناس إلى قضاياهم، فتجد في الانتخابات الرئاسية الفرنسية من يترشح وقد جعل برنامجه الانتخابي مكافحة السرطان أو الزهايمر مثلا، من أجل الترويج لقضيته التي يراها عادلة، فلماذا لا يعلن السياسيون في الجزائر ترشحهم من أجل تسويق أفكارهم ورؤاهم إلى المجتمع، وقد زال العذر عنهم بعد أن صار المجال الإعلامي مفتوحا بعد ظهور القنوات الخاصة. محمد سيدمو الناشط السياسي امحند أرزقي فراد ل "البلاد": إذا لم يترشح بوتفليقة.. الرئيس المقبل سيكون إمّا بن فليس أو حمروش ^ بن بيتور “كشف أوراقه قبل الأوان" يعتقد الناشط السياسي امحند أرزقي فراد أن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لن يكتفيَ بثلاث عهدات وسيترشح مجددا لعهدة رابعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي سيكون وحده “الفائز الأكبر". وأشار المتحدث إلى أنّه في حالة عدم ترشح بوتفليقة، لن يختلف اثنان في كون رئيس الحكومة السابقين مولود حمروش وعلي بن فليس الأكثر حظا لخلافته والتربع على عرش المرادية، مستبعدا أن يكون لرئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور أية حظوظ في تولي منصب المسؤول الأول في البلاد، لاعتبارات كثيرة اختصرها المتحدث قائلا “بن بيتور كشف أوراقه قبل الأوان". وعن انعدام الحراك السياسي المتعلق ب “الرئاسيات"، أكّد فراد أنّ المعارضة في الجزائر تفتقر لمرشح قوي لهذا انزوت عن المشهد الرئاسي، إضافة لغياب الديمقراطية وتحول الانتخابات إلى انتخابات “صورية وشكلية" . وأضاف المتحدث أنّ أكثر الطبقة السياسية لا تمت بصلة ل “السياسة" وأكثر الأحزاب لا يمكن تسميتها أحزابا سياسيا وليست سوى دكاكين و"سجلات تجارية"، متسائلا “كيف ننتظر من هذه الأحزاب أن تثير حراكا سياسيا وتشتغل بالرئاسيات" مشيرا إلى أنّ أغلبية السياسيين ينتظرون “دق الجرس" و"الوحي" من جهات معينة للتحرك صوب التحضير والدخول بمرشح من طينة “الأرانب" أو"التطبيل" و"ضرب البندير'' لمرشح السلطة. ن. عبد الوهاب لم يفصل بعد في طريقة ترشحه للرئاسيات، جهيد يونسي ل«البلاد": على السلطة أن تطمئن الطبقة السياسية حول نواياها في الدستور والرئاسيات انتقد الأمين العام الجديد لحركة الإصلاح الوطني، جهيد يونسي، حالة الغموض التي تلف العديد من الملفات السياسية الهامة، على غرار التعديل الدستوري القادم، ورهان الرئاسيات في أفريل 2014، مطالبا السلطة بضرورة فتح نقاش موسع لطمأنة الطبقة السياسية حول نواياها. وفي هذا السياق أرجع المرشح السابق للرئاسيات، جهيد يونسي، في تصريح أمس ل"البلاد"، هذه الضبابية حول القضايا السياسية الهامة والتي تمثل حسبه رهان كل الطبقة السياسية، إلى ما سماه ب«انغلاق الأفق"، مشيرا إلى أن الحركية السياسية يخلقها الجو المفتوح للفاعلين السياسيين “وهو الأمر غير المتوفر في الساحة السياسية الجزائرية"، مما أدى حسب المتحدث إلى “الوقوع في الركود والجمود السياسي"، رغم الرهانات الكبرى التي تنتظر الجزائر بالنظر إلى الأوضاع الإقليمية والمحلية التي تعيشها. كما أشار إلى أن الجزائر بحاجة إلى حركة سياسية سلمية، محذرا من مواصلة “إغلاق اللعبة الديمقراطية" في وجه الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وأوضح أن الاستمرار في هذا الوضع “قد يجر الساحة تلقائيا للانفجار". وفي السياق ذاته اعتبر يونسي أنه حان الوقت للسلطة أن تفكر في طريقة حلحلة الوضع والدخول في حركية سياسية حقيقية “تفاديا لانزلاق الوضع"، مؤكدا أن الإصلاح الوطني من دعاة الحراك السلمي الذي من شأنه إعطاء ديناميكية جديدة للواقع السياسي. وقال يونسي إن هناك “مغالطة كبرى" باعتبار أن “الجزائر لم توضع بعد على سكة الحياة الديمقراطية الحقيقية"، مشيرا إلى أن كل نضالات الطبقة السياسية في الجزائر منصبة على وضع البلد في هذه السكة، وأضاف قائلا “إن من تحديات الرئيس القادم للبلاد تسيير المرحلة الانتقالية" مؤكدا “الجزائر بحاجة إلى هذه المرحلة"، بغرض فتح مجال التنافس الديمقراطي بين مختلف التيارات والمذاهب والمشارب السياسية “من أجل مصالحة الجزائر مع الديمقراطية". وفيما يتعلق بالضبابية حول موضوع الرئاسيات والتعديل الدستوري القادم، ورغم المشاورات الموجودة “على استحياء" أكد الأمين العام للإصلاح “لم نفهم ما يريدونه من ورائها"، مؤكدا وجود ضبابية “حتى عند أصحاب القرار" . وفي سؤال عما إذا كان سيترشح للرئاسيات المقبلة كمرشح لحركة الإصلاح الوطني أو في إطار تكتل معين، قال يونسي “إن كل الاحتمالات واردة"، ما قد يفهم على أن الرجل عاد لرئاسة الحركة من أجل إعادة التجربة السابقة له سنة 2009، فهل سيغامر ويترشح كممثل للحركة أو في إطار تكتل معين يكون له كقاعدة خلفية هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة.