أمر الوزير الأول عبد الملك سلال عقب استقباله أول أمس الخميس وفدا من المواطنين يمثلون الإباضية والمالكية لولاية غرداية، باتخاذ جملة من الإجراءات من أجل احتواء الفتنة، من بينها إنشاء مجلس حكماء على مستوى البلديات المعنية ليكون بمثابة فضاء للتحكيم والصلح على أساس التعايش المنسجم والسلمي العريق الذي كان يميز دوما سكان المنطقة. استقبل الوزير الأول عبد الملك سلال، في إطار المساعي التي تبذلها الحكومة لاحتواء الفتنة »المذهبية« التي تسببت في اندلاع مواجهات عنيفة في ولاية غرداية، وفدا يمثل مواطنين من الإباضية والمالكية لولاية غرداية، ويتكون الوفد من 24 شخصا ممثلا عن المجموعتين الإباضية والمالكية (12 شخصا عن كل مجموعة)، ونقلت وكالة الأنباء الجزائر عن مصدر مقرب من الحكومة قوله أن اللقاء قد أفضى إلى اتخاذ العديد من القرارات لتمكين عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي بغرداية، لا سيما »إنشاء مجلس حكماء على مستوى البلديات المعنية« ليكون بمثابة »فضاء للتحكيم والصلح« على أساس »التعايش المنسجم والسلمي« العريق الذي كان يسود في هذه الولاية. وكشف نفس المصدر عن التزام ممثلي المجموعتين ببذل »كل ما بوسعهم« للإسهام في تجاوز الخلافات واستعادة »العلاقات الأخوية وفق الأسس السليمة « المتوارثة عبر أجيال في هذه الولاية، وعبروا من جهة ثانية عن انشغالاتهم وأطلعوا الوزير الأول على »ما بدا لهم تجاوزا« خلال المناوشات المسجلة في الأسابيع المنصرمة، كما تم إقرار التوزيع »المتساوي والمتوازن« ل 30.000 قطعة أرض موجهة للبناء الذاتي عبر كامل بلديات الولاية، وفي ذات السياق، يؤكد نفس المصدر، كلفت الحكومة وزارة التضامن الوطني بدراسة مختلف المساعدات الواجب تقديمها لضحايا الأحداث الأخيرة التي شهدتها ولاية غرداية لاسيما أولئك الذين تضررت مساكنهم، فيما دعا الوزير الأول ممثلي الولاية إلى »التوجه نحو المستقبل وطي صفحات الماضي«، مطالبا من القوى الحية بضرورة »العمل على استتباب الأمن والسكينة« عبر مختلف بلديات غرداية. وكان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قد أكد خلال الاجتماع الأخير لمجلس على ضرورة ترجيح قيم التسامح والوئام والحوار بغرداية لوضع حد للأحداث التي عرفتها هذه الولاية، وأوعز رئيس الجمهورية للحكومة أن »تواصل المسعى الجاري من أجل إيجاد ما يتطلع إليه مواطنو هذه الولاية من حلول مواتية قصد إعادة الدعة والسكينة بما يصون انسجام تنميتها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا«. وبالتوازي مع العمل الذي قامت به الحكومة، تعددت مساعي أطراف سياسية وحزبية ودينية في الفترة الأخيرة من أجل وضع حد للمواجهات التي عرفتها غرداية، ومن بين المبادات تلك التي قام بها وفد برلماني يمثل حزب جبهة القوى بالاشتراكية الذي توجه إلى المنطقة وأجرى تحقيقا حول خلفية الأحداث ونتائجها، فيما قامت جمعية العلماء المسلمين من جهتها بمبادرة »لم الشمل بين الإخوة الخصوم« وأرسلت وفدا إلى غرداية مشكل من علماء ومشايخ ودعاة، على رأسهم الشيخ محمد مكركب الذي انتقل إلى المنطقة، بهدف التشاور مع مختلف الأطراف الفاعلة في غرداية، ومحاولة إنهاء النزاع، حيث دعت الجمعية الأطراف المتخاصمة إلى التسامح، باعتباره يشكل جوهر الدين الإسلامي، بغض النظر عن مشارب المسلمين وتوجهاتهم وأصولهم العرقية، كما دعت كافة الأطراف إلى الهدوء والتعقل، ومعالجة المشكلة معالجة أدبية وروحية، عن طريق الشورى بين حكماء الطرفين، وألحت من جهة أخرى على على ضرورة »تحقيق الارتياح النفسي، والاستقرار الاجتماعي، قبل الاجتماع على رأي واحد لعلاج أنفسنا بدون قلق وعنف، وهذا ما دعا إليه الإسلام«، وهذا وفق تعبير رئيس الجمعية الدكتور عبد الرزاق قسوم الذي صرح للصحافة قائلا أن مهمة وفد العلماء الذي توجه إلى غرداية تكمن أساسا في: »جمع الكلمة والصوت، وتوعية الناس حول حقيقة ما يجري في الوطن، وأنهم جزء منه، وهناك أعداء يتربصون بالوطن وبالدين، وعلينا أن نفوت الفرصة عليهم«. وعاد الهدوء إلى مدينة غرداية بعد مواجهات وصفت بالأعنف منذ بداية الفتنة سنة 2008، وكانت قوات الأمن قد عززت تواجدها بأحياء غرداية على خلفية مواجهات خلفت جرحى والعديد من الخسائر بسبب الاعتداءات على الأملاك الخاصة، وتثير المواجهات موجة من الجدل حول خلفياتها الحقيقة واحتمالات وجود أطراف تدفع نحو الفتنة لجر الجزائر إلى مستنقع ما يسمى ب »الربيع العربي« ، فيما يرى البعض الآخر أن الأسباب الحقيقية للفتنة تعود إلى خلافات تتعلق بالسكن والقطع الأرضية، تغذيها أطراف فاسدة لها مصلحة في استمرار الفتنة في غرداية.