رأيت اليوم أن أبتعد بالقارئ عن أي حديث عن القضايا السياسية التي تزرع الغمّ والهمّ والإحباط. ولست أرى اليوم ضرورة لتناول المأساة السورية، التي فضحت نظام الرئيس باراك أوباما وأكدت أن الرجل هو مجرد ظاهرة تلفزية عابرة أرادت بها سلطة الحكم الحقيقية في واشنطن فرض النسيان على مرحلة بوش الصغير، بكل أكاذيبها وجرائمها، التي تقف اليوم وراء مأساة العراق وأفغانستان. وبالطبع فإن السيد جون كيري أصبح ظاهرة مضحكة تذكر البعض بجبنة كي ري الشهيرة، وببقرتها الضاحكة. ولن أتوقف بالطبع أيضا عند الدستور المصري الجديد وما ارتبط به من مهازل سياسية ولغوية، والذي يؤكد أنني لم أكن مخطئا عندما وصفت النظام الانقلابي الذي ولد سفاحا يوم 30 يونيو بأنه ثورة مضادة بكل المعاني. وجاءتني فرصة التفكير في موضوع جديد عندما تابعت فيلم شفرة دافنشي ، ثم قرأت الرواية العلمية الخيالية التي أبدعها دان براون، والتي تفوقت بأسلوبها على كل روايات أغاثا كريستي. ولقد كان محور رواية ''دان براون''، جدارية ليوناردو دافنشي في القرن الخامس عشر والتي تصور العشاء الأخير للسيد المسيح، واستخرج براون نظرة جديدة للمسيحية، أورد هنا نظرة عنها يجب أن تقرأ بكل وعي وإدراك. والمسيحية الكاثوليكية، ثم البروتستانتينية، هي بالنسبة لكثيرين في الشمال الإفريقي ديانة مستوردة وغير أصيلة، لأن الديانة الأصلية هي المسيحية الدوناتية، التي تقدمها الكنيسة الكاثوليكية على أنها سبب انشقاق المسيحية، وتعتبرأوغستان، الذي رفع إلى مرتبة القدي، أول فلاسفة المسيحية في التاريخ بل وتعطيه فضل إنقاذها. لكن كثيرا من المثقفين الجزائريين الوطنيين يعتبرونه عميلا رومانيا ساهم في اجتثاث الدوناتية الجزائرية، لمصلحة المسيحية المستوردة من روما. والدوناتيين هم الذين استجابوا لدعوة مرقص الرسول، وهو من حواريي المسيح، وكان الأب دونا رائدهم، وهم أقرب إلى أقباط مصر ومسيحيو المشرق في ارتباطهم بالوطن ورفضهم للغزو الأجنبي، في حين أن رائد الكنيسة الكاثوليكية الأول هو زسبطرس أو بيير. ويُعتبر دونا في التاريخ الأمازيغي من المفكرين الدينيين المعروفين بمقاومتهم الشرسة للاحتلال الروماني، فقد كوّن حركة ثورية دينية واجتماعية وسياسية قامت بدور تاريخي هام،ورفضت المذهب الذي أراد الإمبراطور الروماني فرضه على الشعوب الخاضعة لحكمه منذ تبنيه له سنة 391م. وتسجل لوحة دافنشي صورة عيسى عليه السلام بين حوارييه، ومن بينهم يهوذا، الذي يتهمه المسيحيون بالخيانة، وهنا يتدخل براون ليؤكد أن الجالس على يمين المسيح كان امرأة، ويحدد أنها كانت مريم المجدلية، على عكس السائد بأنهم كانوا جميعا رجالا. ويدعي براون أن بطرس كان يغير من المجدلية، التي لم تكن عاهرة كما روجت الكاثوليكية، بل كانت قرينة المسيح وحملت منه، ولما أحاط به الخطر بعث بها خارج الأرض المقدسة لحمايتها، ويقول براون عن لسان أحد أبطال قصته، التي تمتزج فيها الأساطير بالحقائق، أن الإنجيل هو كتاب من تأليف بشر (..) وقد تطور وحُرّف من خلال ترجمات وإضافات ..و تم أخذ أكثر من ثمانين إنجيلا بعين الاعتبار لتشكل العهد الجديد، لكن أربعة منها اعتمدتها الكنيسة الكاثوليكية وهي أناجيل متى ولوقا ويوحنا ومرقص، وقد يِؤكد كل ذلك اتهام القرءان لمن يحرفون الكلم عن مواضعه. وهنا نتذكر ما كنا نسمعه من وجود إنجيل خامس يتحدث عن النبي محمد، ونتذكر قصة أوراق البردي التي اكتشفت في العام الماضي، وأثارت جدلا لم يتوقف بعد. ويرى براون أن الإمبراطور قسطنطين رأى توحيد روما تحت لواء المسيحية لإنقاذها من الفوضى التي خلقها الصراع مع الوثنيين، وقام باحتواء الرموز الوثنية ليضمن قبول الناس للدين الجديد. وقد أعلنت المكتبة الوطنية البريطانية بأنها قامت بتحميل أقدم نسخة من الإنجيل، يزيد عمرها عن 1600 سنة واكتشفت في صحراء سيناء، وتحتوي على نصين غير واردين في نصوص العهد الجديد الإنجيل وهما رسالة برنابا وتسمى إنجيل بارنابا، وهو مرفوض من الكاثوليك ورسالة راعي هيرماس. وأذكر هنا بأن القرءان كتب في حياة سيد المرسلين، الذي أشرف بنفسه على ترتيب آياته وسوره، وتولى عثمان بن عفان استكمال جمعه، ولهذا سُمّي مصحف عثمان، وهذا هو الفرق الرئيسي بين القرءان وكل من التوراة والانجيل. وأستسمح القارئ في أن أستعرض هنا جانبا من دراسة زهيربرت إليغس المعقدة حول جوانب من التاريخ المسيحي التي ترتبط بنا، ويجد القارئ تفاصيلها في موقع زغوغلس إذا أراد التعمق في البحث. وعمل إليغ هو دراسة منهجية تشير إلى وجود زمن شبحي في التقويم المسيحي قدره 297 سنة تحدده الدراسة بين 614/911م لكن باحثيين آخرين من نفس المدرسة شككوا بذلك أمثال توبر opper الذي أشار إلى أن التقويم الميلادي حديث العهد، ولم يقرّه زالفاتيكانس رسميا إلا عام 1443م، بعد جدل دار في مؤتمر بازل المسكوني الكنسي عام 1332م، ودعوات كونزانوس أصبح بابا فيما بعد لاعتماد تقويم ميلادي كي لا نظل أضحوكة للوثنيين المسلمين كما صرح في المؤتمر وهنا يؤكد توبر بأن حسابات ''كونزانوس '' لإنشاء التقويم المسيحي تمت (بعمليات إرتجاعية اعتمدت التقويم الهجري أساسا في حسابها، والمهم في هذا السياق ملاحظته المدهشة للفرق الزمني بين مؤتمر نيقييا الكنسي الأول 325م الذي أسّستْ بموجبه كنيسة الدولة، وبين عام الهجرة الإسلامي الأول 622م وهذا الفرق يساوي الزمن الشبحي في نظرية إليغ، ويبلغ بالتمام والكمال 297 سنة، وهذا يعني ضمنيا أن مؤتمر نيقيا الذي عُقد لدحض ما اعتبر هرطقة (!) الأسقف الأمازيغي الإسكندري آريوس، وصياغة زقانون الإيمانس هو مؤتمر تزامن مع ظهور رسول الإسلام !!والمؤتمر هو الذي تم فيه التصديق على اعتماد مظاهر المسيحية ومن بينها عيد الفصح وإدارة الأسرار المقدسة وألوهية يسوع المسيح، واعتباره ابن الرب بما ينفى عنه أي علاقة بالمرأة، وتؤكد بأنه لم يقم بأي فعل جنسي. ولو أخذنا بعين الاعتبار فرضية إليغ عن السنوات الشبحية ال297 الزائدة في التقويم الميلادي فإن العام الهجري الأول، المساوي ل 622 ميلادي، يصبح ناقص,297 أي يساوي 325م تاريخ مؤتمر نيقيا ومن الملفت أن آريوس بدأ دعوته عام 313م ومحمد صلعم) 610م والفرق سيكون 297 سنة، وهو نفس الفرق الزمني بينما حدث من لعن لآريوس في مؤتمر نيقيا وهجرة الرسول عليه صلوات الله. ومن العجيب أن وفاة آريوس حدثت عام 336م ووفاة الرسول عام 632 والفرق يقترب من 297 سنة !! أي أنها نفس الفترة الشبحية المتكررة، فهل يمكن القول بأن صراع الكاثوليكية مع الآريوسية يعكس في جوهره صراعا مع إسلام فتيّ. والملاحظ أيضا بأن مذبحة كربلاء حدثت عام 59 هجري وفق التقويم الرسمي بحدود 679م وإذا أزلنا السنوات الشبحية فإننا نقع على عام 381م، وهو تاريخ مؤتمر القسطنطينية الذي أعلن فيه تكفير مذهب الآريوسية نهائيا وهدر دمها. ولعل التذكير بما أصاب مريم المجدلية، وكان مبررا لمذابح رهيبة ارتكبت ضد النساء، وخصوصا في عهد محاكم التفتيش، لعله فرصة لنرفض اتهامات الغرب للإسلام بأنه يحط من قيمة المرأة، فلم تحدث على الإطلاق عمليات تصفية إسلامية للنساء، بل إن الإسلام يُحمّل آدم وحواء معاً مسؤولية الاستجابة لوسوسة الشيطان مما أدى إلى طردهما من الجنة، في حين أن الكاثوليكية تحمل حواء وحدها إثم تحريض آدم لأكل التفاحة، وبالتالي خطيئة طرد البشر إلى الأرض. وأضيف إلى ذلك بأن الإسلام لا يتبنى فكرة خلق حواء من ضلع آدم، ويقول بوضوح أن النساء لباس للرجال والرجال لباس للنساء والمعنى الرمزي واضح وهذا كله بالإضافة إلى وصايا النبي صلعِّم وخصوصا في خطبة الوداع برعاية المرأة، ومقولة عمر ابن الخطاب التي قال فيها بأنه أخطأ، وأصابت المرأة التي جادلته، رغم أنه لم يخطئ، ولكنه خشي، بعبقريته، أن يعتبر رفضه لطرح المرأة ثغرة يتسرب منها من يريدون منع المرأة من دخول المساجد. ويبقى لبراون فضل طرح أفكار جديدة، كثير منها يؤكد بأن القرءان هو كلام الله المنزل، وأن نصوص التوراة والإنجيل المتداولة حاليا لم تسجل في حينها من فم أنبيائها بل هي روايات كتبها أحبار وقسس بعد قرون من اختفاء الأنبياء، وفي ظروف قد تحدّ من قدسية نصوصها، علما بأن الإسلام يفرض على المسلم الإيمان بكل الكتب السماوية وبكل الأنبياء والرسل. وأنا أنصح بقراءة شفرة دافنشي، ففيها الكثير من المتعة، وقبل ذلك هي تطرح تساؤلات متعددة تشحذ فكر المثقف، في عصر يحبب إلينا جميعا الابتعاد عن القراءة والبحث والدراسة، لأن قنوات التلفزة تستعمر أغلب من ساعات اليوم ما يبقى من الساعات التي تحتكره ظروف الحياة.