● كلما مرت الأيام، كلما كشفت الوثائق والأخبار أدلة جديدة على بشاعة الاستعمار الفرنسي، وعززت قناعة الجزائريين بضرورة مواصلة السعي لاستصدار قانون تجريم الاستعمار ومطالبة السلطات الفرنسية بواجب الاعتراف بجرائمها خلال حقبة الاحتلال لمدة 132 سنة (1830 - 1962) وتقديم التعويضات العادلة لضحايا هذا الاحتلال على مدى تعاقب الأجيال. يوم 14 فيفري الماضي (2014) تحول ما كان مجرد اتهامات وشهادات شفوية إلى حقائق موثقة من خلال نشر صحيفة ''لو باريزيان'' لوثيقة للجيش الفرنسي كانت مشمولة بالسر العسكري تثبت ضخامة حجم التلوث البيئي الذي تسبب فيه تفجير قنبلة ''اليربوع الأزرق'' بمنطقة رقان في الجنوبالجزائري يوم 13 فيفري ,1960 ذلك التلوث الذي امتدت آثاره إلى جنوب إسبانيا وإيطاليا بالضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وإلى التشاد وإفريقيا الوسطى ودول إفريقيا الشمالية والغربية جنوب المتوسط! وإذا كانت فرنسا قد نجحت في دخول النادي النووي في 13 فيفري ,1960 فإنها تسببت في تسميم الماء والأرض والهواء وكل أشكال الحياة والبيئة لمدة قد تمتد على مئات القرون، وقد استثنى قانون تعويض ضحايا التفجيرات موضوع تطهير بيئة التفجيرات، ولذلك صرح وزير المجاهدين محمد الشريف عباس خلال زيارته لولاية ميلة ضمن الوفد الوزاري المرافق للوزير الأول عبد المالك سلال قائلا: »إن النقاش حول ملف التجارب النووية الفرنسية في الجزائر مازال مفتوحا ولم يغلق بعد، والقضية أصبحت تتجاوز الأشخاص إلى البحث عن آليات لتطهير البيئة في المناطق التي تشهد تلوثا بالإشعاع النووي«. وللتذكير فإنه في جانفي 2010 أصدر البرلمان الفرنسي قانونا عرف باسم قانون موران (نسبة إلى وزير الدفاع الأسبق هنري موران) خاص بتعويض ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية، ورغم أن هذا القانون لم ير النور إلا بعد مرور نصف قرن كامل على بداية التفجيرات النووية في صحراء الجزائر، فإنه قد وضع شروطا في غاية الإجحاف في وجه المطالبين بالتعويضات ومن بين هذه الشروط إلزام المطالبين بالتعويضات إثبات وجودهم أو سكنهم في منطقة التجارب النووية ما بين 17 فيفري إلى 31 ديسمبر 1967 أو بين 7 نوفمبر 1961 إلى 31 ديسمبر 1967 بالنسبة للمناطق المحيطة بمراكز التجريب النووي. وبسبب هذه الشروط لم يقدم سوى أربعين ملفا أمام اللجنة المختصة منذ صدور قانون موران، ومع ذلك فقد أوضحت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم خلال ملتقى حول الأثر الإنساني للأسلحة النووية الذي نظمه مجلس الشيوخ الفرنسي في بداية هذه السنة أنه بعد مرور 52 سنة من استقلال الجزائر لم يتم الحصول على أي اعتراف من قبل فرنسا، وبعد مرور 54 سنة على بداية التجارب النووية لم يتم الاعتراف بأية ضحية لهذه التفجيرات، وكل الملفات التي أودعها الضحايا الجزائريون رفضت في ديسمبر .2012 أجرت فرنسا عددا كبيرا من التجارب النووية في الجزائر من 1960 إلى 1966 وكانت القوة التفجيرية لقنبلتها النووية الأولى ''اليربوع الأزرق'' تصل إلى 60 (ستين) كيلوطن أي ما يعادل سبع مرات قوة القنبلة النووية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 أوت 1945 وتسببت في قتل أكثر من 80 ألف شخص وتدمير 90 بالمائة من مباني المدينة وكانت سببا حاسما في استسلام الإمبراطورية اليابانية لعدوتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في الحرب العالمية الثانية. ولم تكتف فرنسا بتجاربها النووية في الجزائر، بل إنها واصلتها في مستعمراتها فيما وراء البحار بالمحيط الهادي، وقامت بأكثر من 190 تجربة نووية من سنة 1966 الى 1996 (أي أنها واصلت كوارثها الإنسانية والبيئية لمدة 30 سنة كاملة). ورغم احتجاجات دول المحيط الهادي وجمعيات الدفاع عن البيئة واتخاذ الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا ميتران قرار تعليق التجارب النووية سنة 1992 إلا أن خلفه في رئاسة الجمهورية الفرنسية ممثل اليمين الفرنسي جاك شيراك استأنف التجارب النووية بجزيرة موروروا المحتلة لتنمية وتطوير الترسانة النووية الفرنسية. لابد من الإشارة إلى أن رفع السر عن الوثيقة التي نشرتها جريدة ''لو باريزيان'' الفرنسية جاء في إطار تحقيق قضائي بعد شكوى رفعتها جمعية قدماء المحاربين المناهضين للتجارب النووية. ورغم أهمية دور هذه اللجنة إلا أن ملف التفجيرات أصبح وكأنه قضية داخلية فرنسية. فلجنة التعويضات المشرفة على تطبيق قانون موران هي لجنة فرنسية تابعة لوزارة الدفاع الفرنسية وهذا ما جعل ضحايا التفجيرات الفرنسية من الجزائريين الذين توفي معظمهم بعد صدور القانون يرحلون بلا تعويضات بشقائهم وأمراضهم القاتلة إلى قبورهم، أما الأحياء منهم فإنهم يبدون اليوم كالأيتام في مأدبة اللئام بسبب الشروط المجحفة التي وضعت لإقصائهم من مجال تحصيل حقوقهم، وهكذا كشفت المحامية الجزائرية فاطمة الزهراء بن براهم أن قانون التعويضات الفرنسي استثنى من التعويض أمراض ما بعد التجارب النووية التي مازال يتعرض لها سكان المناطق الصحراوية الجزائرية مثل أمراض سرطان الثدي وسرطان الرحم التي يلاحظ ارتفاع نسبتها بسبعة أضعاف في مناطق التفجيرات. لقد حاول سفير فرنسا في الجزائر أن يقلل من أهمية الوثيقة التي نشرتها جريدة ''لو باريزيان'' وهذا يندرج في مسعى التنكر والتهوين الفرنسي الرسمي لجرائم الاستعمار المرتكبة في الجزائر في مقابل طابع التساهل والتراخي في الموقف الجزائري لإجبار فرنسا على تحمل مسؤولية جرائمها والاعتذار عنها للشعب الجزائري.