حادثة المشادة الكلامية التي حدثت بين الشيخ محمد الغزالي والدكتور محمد أركون في ملتقى الفكر الإسلامي الثامنعشرالمنعقد بالجزائر ،أثارها الدكتور الأمين زاوي بعد سنوات من حدوثها وذلك بمناسبة وفاة الدكتور أركون في شهر سبتمبر ,2009 وكان مما قاله الدكتور الزاوي ،حسب جريدة الفجر،:كانت نقاشاته يقصد الدكتور أركون مع الشيخ الغزالي إشارة فارقة للاختلاف بين فكرين داخل مجتمع واحد يدرسان متنا واحدا. لقد كفّر الشيخ الغزالي محمد أركون وهو ما يؤكد قصور الفكر الديني لدى بعض المفكرين الذين يعتمدون أحكام ،الزندقة والتكفير، على فكر يخالفهم وتلك مدعاة للفتنة. وهي مفاهيم ضد الإسلام السمح والمتسامح. وهكذا يصبح الشيخ محمد الغزالي بجرة قلم مجرد شيخ تكفيري، وصاحب فكر قاصر، يحمل مفاهيم مضادة للإسلام السمح والمتسامح! وفي المقابل يقدم الدكتور محمد أركون كمدافع عن الإسلام التنويري وناطقا باسمه، بل إن هناك من الكتاب من اعتبر الدكتور أركون مجدد الإسلام في القرن العشرين! ولنقدم للقراء فيما يلي بعض النماذج من كتابات الدكتور محمد أركون عن الإسلام حتى يدركوا الفرق بين إسلامه التنويري وإسلام الشيخ محمد الغزالي الظلامي. يقول الدكتور في كتابه (الفكر الإسلامي- قراءة علمية) ينبغي القيام بتحليل بنيوي لنبين كيف أن القرآن ينجز أو يبلور بنفس طريقة الفكر الأسطوري الذي يشتغل على أساطير قديمة. أما الشيخ محمد الغزالي فيقول في كتابه كيف نتعامل مع القرآن؟ القرآن الكريم هو ما بقي من وحي في هذه الدنيا، هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ما شانه نقص، ولا شابته زيادة منذ نزل إلى يوم الناس هذا، فهو بحفظ الله مصون من أهواء الناس ووساوس الحب والإنس... وبقاء هذا القرآن هو العزاء الوحيد عن ضياع مواريث النبوات الأولى. ويضيف: القرآن كتاب يصنع النفوس، ويصنع الأمم، ويبني الحضارة، هذه قدرته، هذه طاقته. فأما أن يفتح المصباح فلا يرى أحد النور لأن الأبصار مغلقة، فالعيب عيب الأبصار التي أبت أن تنتفع بالنور. وإذا كان فرسان البلاغة، وأرباب البيان، وعلماء اللغة العربية، قديما وحديثا، قد اتفقوا على القرآن الكريم، هوكتاب معجز في مبناه ومعناه ، فإن الدكتور محمد أركون لا يتحرج من أن يذكر في كتابه الفكر الإسلامي قراءة معاصرة بأن النقد الفيلولوجي ذهب إلى حد التقاط وكشف النواقص الأسلوبية في القرآن .س كما يعتبر أن التوراة هي المصدر الصحيح والموثوق للوحي، وبالتالي، فإن مقارنة التوراة بالنسخة القرآنية من شأنه أن يكشف التشويهات والإلغاءات والإضافات التي يمكن أن توجد في النسخة القرآنيةوعليه فإنه يشيد بما أسماه المعركة التي جرت من أجل تقديم طبعة نقدية محققة عن النص القرآني التي قام بها المستشرقان نولدكه الألماني وبلاشير الفرنسي! وإذا كان الدكتور أركون يعتبر أن المستشرقين هم المراجع العلمية الموثوقة لمعرفة حقيقة النص القرآني، فإن الشيخ محمد الغزالي يقول: الاستشراق كهانة جديدة تلبس مسوح العلم والرهبانية في البحث، وهي أبعد ما تكون عن بيئة العلم والتحرر، وجمهور المستشرقين مستأجرون لإهانة الإسلام وتشويه محاسنه والافتراء عليه. أما لفظ الزنديق يطلق على كل شاك أو ضال أو ملحد، فإن الدكتور محمد أركون لا يتحرج من التشكيك من خلال كتابه (الفكر الأصولي واستحالة التأصيل) في صحة كون القرآن وحيا إلهيا، فيقول عن المسلمين بأنهم ز أصبحوا يقدمون الخطاب القرآني لكي يتلى ويقرأ ويعاش وكأنه الكلام الأبدي الموحى به من قبل إله متعال ز. ويطعن في صحة القرآن كما يتداوله المسلمون فيكتب صراحة: إن كل تشكيك في ظروف تشكيل القرآن على الوجه الذي وصلنا يعتبرندقة على الرغم من التكذيب القاطع الذي تلقاه هذه الفرضية من جهة الواقع والنقد العلمي. فلعله يفضل أن يحشر مع زمرة الزنادقة المشككين في صحة الوجه الذي وصلنا به القرآن اعتمادا على قداسة النقد العلمي الذي لا يأتيه الباطل من بين أيديه ولا من خلفه ! وإذا كان الدكتور محمد أركون يعلن صراحة عن موقفه المتشكك في صحة القرآن، وصحة نسبته إلى الوحي الإلهي، ولا يتحرج في تصنيف نفسه في جانب الزنادقة المعتمدين على النقد العلمي، فلماذا يعتبر الدكتور الأمين الزاوي أن تصنيف أركون مع خانة الزندقة ينم عن قصور فكري، وهو مدعاة للفتنة يشعلها من يحملون مفاهيم ضد الإسلام السمح والمتسامح! هل يكون الإسلام السمح والمتسامح هو نظريات تصدر عن كهنة الاستشراق وأتباعهم من المستغربين؟! هذا الفكر وهذا الطرح يذكرني بما دار من جدل بين سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان ،رحمه الله ، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين السابق، والشاعر السوري الحداثي علي أحمد سعيد، المدعو أدونيس، عقب إلقائه محاضرة بعنوان: نحو ممانعة جذرية وشاملة بالمكتبة الوطنية في سنة ,2008 التي زعم فيها أن الإسلام قد تحول بعد وفاة النبي ، صلى الله عليه وسلم، من تجربة روحية إلى سلطة ونظام ينهضان على اعتقاد محدد وعلى الإتباع الطاعة، كما كان الشأن في الجاهلية، واعتبر حروب الردة التي قادها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه، بأنها كانت حربا إبادية على الخصوم والمخالفين. وبعد رد الشيخ شيبان على هذه الآراء الصادمة تداعى أتباع أدونيس إلى التهجم على رد الشيخ شيبان، والتنديد بما أسموهاتهام الشيخ شيبان للشاعر أدونيس بالإلحاد والإباحية . ولم يلتفتوا في حماسهم للدفاع عن أدونيس إلى أن هذا الأخير كان قد اعترف بنفسه في حوار صحفي له مع الكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر بأنه ملحد، فعندما سأله عن معتقده الديني رد أدونيس قائلا: الإلحاد في سياق كلامنا هو عدم الإيمان بوجود الله كما يقدمه التأويل الإسلامي، أو كما يقدمه الوحي الإسلامي، المفهوم الإسلامي يقدم الله كنقطة منعزلة عن العالم ومجردة، وضمن هذا الإطار يمكنني أن أسمي نفسي ملحدا... وهكذا عندما يتفاخر محمد أركون بأنه مشكك في صحة الوحي، ونص القرآن المتداول، ويعترف الشاعر أدونيس بأنه ملحد يكون ذلك جرأة فكرية، وعندما يصفهم غيرهم من الإسلاميين بما يصفون هم أنفسهم به يكون ذلك ظلامية وعدم تسامح ودعوة للفتنة، فمالكم كيف تحكمون؟