اقتنع حكام ليبيا أخيرا بضرورة محاربة الإرهاب، ولم يكن القرار الذي اتخذته الحكومة الليبية والذي دعت بموجبه المجتمع الدولي لتقديم يد المساعدة من أجل مواجهة التنظيمات الإرهابية التي استهدفت الليبيين والأجانب في أن واحد، إلا نتيجة لحالة تردي أمني خطير، وبعد سلسلة من الأحداث الدامية التي أضحت تهدد حتى الدول الغربية وتستهدف مصالحها الحيوية وفي مقدمتها النفط. قد تشكل قضية ناقلة النفط الكورية التي أطاحت برئيس الوزراء علي زيدان، أحد أسباب القرار، علما بان أمريكا قد اضطرت بحريتها إلى التدخل للقيام بعملية قرصنة غير مشروعة لصد ما يمكن تسميتهم بلصوص النفط الذين أصبحوا يستعملون كل الأساليب للحصول على الطاقة، بما في ذلك شراء الذهب الأسود كما يسمى من العصابات المسلحة بدلا من التعامل مباشرة مع مؤسسات الدولة والمرور عبر الطرق القانونية المعروفة، فأمريكا شأنها شأن فرنسا وباقي الدول الغربية، أحست أخيرا بأن الفوضى في ليبيا لن تخدم أي جهة، فاستمرار العنف، واستفحال الفوضى وانتشار السلاح بين التنظيمات المختلفة يهدد أمنها ومصالحها. إن الوضع الذي أفرزته الحرب على نظام القذافي فرض على السلطات الجديدة تحاشي كل جهة أو كل مجموعة بحوزتها السلاح لتفادي الدخول معها في مناوشات قد تزيد في التوتر الحاصل وفي تعفين الوضع وفي الانفلات الأمني، ونتيجة هذا الوضع أصبحت ليبيا رهينة كل من يحمل السلاح. وباعتراف العديد من التقارير التي أعدتها جهات استخباراتية غربية، فقد أصبحت ليبيا ملاذا للتنظيمات الإرهابية المختلفة، فالقاعدة أضحى لها وجود وأصبحت مختلف التنظيمات »الجهادية« تتحرك بمنتهى الحرية، خصوصا في جنوب ليبيا، ومؤخرا فقط كشفت تقارير أمنية فرنسية وأمريكية بأن الحرية التي تتمتع بها تنظيمات القاعدة في ليبيا إضافة إلى فوضى السلاح المستفحلة في هذا البلد، تزيد في تقوية نفوذ التنظيمات الإرهابية المختلفة وتمدها بما يلزمها للقيام بعمليات إرهابية في دول الجوار أو ضد المصالح الغربية. الواقع أن قرار الحكومة الليبية القاضي بمحاربة الإرهاب جاء متأخرا، لكن أن يأتي متأخرا خير من أن تظل ليبيا مستباحة من قبل المتطرفين، وأن يبقى هذا البلد يشكل تهديدا مباشرا لأمن جيرانه، فتونس تدفع اليوم فاتورة تساهل حكام ليبيا في البداية مع التنظيمات الإرهابية، وما يجري في جبل الشعانبي سببه الإرهاب المنتشر في ليبيا، بل إن ليبيا تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عما يجري في منطقة الساحل جنوب الصحراء خصوصا في مالي، والمعروف أن المجموعة الإرهابية التي نفذت الاعتداء على المنشأة الغازية ب »تيقنتورين« بإن أميناس، بأقصى الجنوب الشرقي للجزائر تدربت في منطقة قريبة من بنغازي الليبية، وهذه كلها معطيات كان يفترض أن تدفع بحكام ليبيا للإسراع في محاربة الإرهاب بكل الوسائل المشروعة والممكنة. لقد خسرت السلطات الليبية الكثير من الوقت قبل أن تقتنع بجدية التحذيرات التي أطلقتها الجزائر منذ مدة طويلة، وكان من المتوقع أن تنتهي فوضى السلاح، وإطلاق يد التنظيمات المتطرفة، إلى إدخال هذا البلد في فوضى حقيقية ترهن أمنه ومستقبله، فهل تعلم حكام ليبيا من أخطائهم.