تستفيق شمسنا فتغيب شمسهم، يشرق نهارنا فيبدأ ليلهم، يعيشون في الظلام الدامس، لا يخرجون إلا بعد غروب الشمس، يلازمون أربعة جدران طيلة النهار، لا يتعلق الأمر بمصاصي دماء أو خفافيش، لكنهم من بني البشر لا يختلفون عنهم كثيرا، إذ أن بشرتهم تعلوها نقط سوداء، مما جعلها عرضة للالتهاب، يطلق عليهم اسم »أطفال القمر« أو « أعداء الشمس«،و بالرغم من الإيحاء الجميل الذي تتركه كلمة القمر وارتباطها بأجواء السهر والحب، إلا أن الملقبين ب «أطفال القمر» لم يأخذوا من الاسم إلا المعاناة بسبب بمرض نادر يمنعهم من التعرض إلى أشعة الشمس . »أمّ صارة« تروي لنا قصة معاناة ابنتها ذات 10 سنوا ت مع هذا المرض النادر » في الأشهر الأولى من ولادة صارة ، في البداية لاحظت أمرًا غير عاديا على بشرتها وظننت في الاول أنها مجرد حبوب بنية اللون، لكن مع مرور الأيام بدأت البقع تميل إلى السواد وتنتشر بشكل سريع في كامل أنحاء جسدها«، وكانت الصدمة الكبرى وبداية معاناة أمّ صارة حين اكتشفت أن ابنتها التي تبلغ حاليا 10 سنوات من زأطفال القمرس. عائشة هي الاخرى إحدى ضحايا هذا المرض تحكي كيف أنها اضطرت للمخاطرة بحياتها من أجل الدراسة، إذ أنها مكتفية بقبعة رأس عادية ونظارات شمسية، تتعرض يوميا لأشعة الشمس »لا أستطيع تغطية وجهي بالكامل تجنبا لنظرات الناس التي لا ترحم«، عائشة فضلت تجنب نظرات الشفقة من المجتمع على تجنب الموت، حتى نالت الشهادة الثانوية، لتفقد الرؤية بإحدى عينيها في النهاية، وأوضحت أنها كانت تعاني كثيرا بسبب مظهرها الغريب وسخرية بعض الناس منها، لكن إصرارها زاد من تأقلمها مع الوضع. أكدت الدكتورة »سميرة ميلودي « اختصاصي عام، أن مرض »كزينوديرما« أو مرض القمر، هو وراثي نادر ينتقل إلى الأطفال في حالة إذا كان أحد الوالدين يحمل الجينة المشوهة، المسببة للمرض من دون أن يصاب بها، و بعد الزواج تكون هذه الجينة سببا في تعرض بعض الأولاد للمرض«، يسبب حساسية جلد شديدة ضد أشعة الشمس، التهابات في العين ويهدد بخطر الإصابة بسرطان الجلد والعين مضاعف 1000 مرة، وهذا ناتج عن فقدان ADN الذي يقي من الطفرات الناتجة عن اختراق الأشعة فوق البنفسجية للجلد، وغيابه يؤدي في النهاية إلى الإصابة بسرطان الجلد. أما عن أعراضه تضيف الدكتورة، »الأعراض تبدأ في الظهور على شكل احمرار في الجلد وظهور هالات سوداء في كل أنحاء الجسم، تتكاثر وتكبر بسرعة كلما تعرض المريض إلى الشمس أو لأشعة الضوء الاصطناعية من دون أي حماية«، ومع تقدم السن تتزايد سماكة الجلد ويصبح جافاً وتتخلله بقع مختلفة الألوان، تصاحب هذه التطورات إلتهابات بصرية وترقق شديد في الجفون وفقدان الرموش، كما أن ثلث الأشخاص المصابين يعانون من أمراض عصبية من بينها فقدان السمع والبصر. من جهته، يرى الاختصاصي الجلدي الدكتور «مراد أيت شاوش» أن أطفال القمر مصابون بخلل جيني يحرمهم من التعرض لأشعة الشمس أو الخروج نهاراً، مرجعا السبب إلى خلل في وظائف الخلايا الصبغية التي تحمي الجلد من الأشعة فوق البنفسجية الصادرة من أشعة الشمس، مؤكدا أن «أطفال القمر» أجسادهم لا تتصالح مع أشعة الشمس الحارقة، فعلى الرغم من أن حياتهم ليلية، ويعيشون في ظلام دامس، إلا أن الطب الحديث ابتكر أساليب للتحايل على المرض تساعد في التخفيف من الآلام الحارقة، مثل المراهم الطبية وأقراص الأدوية، مشيرا أن جهود العلماء و الأطباء يستثمر في المستقبل حلولاً لمعاناة هؤلاء الأطفال نهائياً، وتخلصهم من أوجاعهم التي يعانون منها في النهار تحت أشعة الشمس، وتعتبر الصبغيات والقشور السميكة على طبقة الجلد من أبرز أعراض الإصابة بالمرض، بعد التعرض لأشعة الشمس، وتحديداً الأشعة فوق البنفسجية. مشاكلهم النفسية تزداد تعقدا بعد تزايد السن، تقول الدكتورة النفسانية نوال حنون »حالتهم النفسية جد متدهورة لأننا نحرمهم من نهارهم الوحيد الذي يستطيعون عبره رؤية العالم الخارجي، فعوض أن يلعبوا، نقوم بتدريسهم، كما أنهم ومع تزايد سنهم تزداد وضعيتهم النفسية تأزما لإحساسهم بحالتهم وعدم قدرتهم الاندماج مع الآخرين« لتضيف و تبقى أحلامهم بسيطة لكنهم عاجزون عن تحقيقها كالسباحة في البحر أو الركض مع الأصدقاء وسط ساحة المدرسة وفي المقابل مجبرون على العزلة والبقاء في القسم بعد إقفال نوافذه، وإسدال ستائره، وانعدام النور فيه«. كثيرون هم مثل صارة و عائشة، إنهم أطفال ضحية مرض نادر يومياتهم الوجع والألم على طول الخط ، لكنهم يتميزون بشجاعة خارقة يتحدّون الألم والوجع ويحاولون التغلب على معاناتهم بصبر كبير. هؤلاء الأطفال متمسكين بالحياة إلى أقصى حد يرفضون الموت البطيء فيحاربونه بشجاعة ولكن إلى متى سيستمر هذا الصمود في وجه هذا المرض اللعين يتساءلون سرا و جهارا متى سيتحرك العلم وينشط الأطباء ليكتشفوا لهم علاج يعيد لهم جزء بسيط مما سلب منهم ويجعلهم أحياء كسائر أناس على وجه الأرض يتمتعون بأشعة الشمس كسائر البشر؟