بعد الجولة الأولى للمشاورات السياسية التي أشرف عليها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح و عكوف لجنة الخبراء للأستاذ عزوز كردون على إعداد مسودة الدستور ، وارسالها إلى الأحزاب السياسية للإطلاع عليها . تحسبا للجولة الجديدة للمشاورات السياسية والتي سيقودها أحمد أويحيي الذي عايش العقدين الأخيرين لما لهما من تفاعلات سياسية ونظمية و لكونه قاد مشاورات مشابهة تحت سلطة الرئيس زروال على غرار الحوار الوطني ،فاختياره من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لإدارة الجولة الثانية من المشاورات تعبر على الثقة المتابدلة بين الرجلين. أما فيما يخص المسودة التي ترسم التعديلات المقترحة يجب القول بأن : التعديل الدستوري على النحو المرغوب، مطلب مشروع يستمد مبرراته الموضوعية من الطبيعة القانونية للنص ومكانته ضمن الهيكل التشريعي والتنظيمي. فالدستور بوصفه المرجع الأساسي للشرعية وحامي الحقوق، يمثل الإطار الملائم لمعالجة ما نعيشه من تحولات عولمية ونظمية في إطار سوي ووفق نموذج ديمقراطي يجعل من حقوق الإنسان محورا أساسيا للبنية الفقهية للدستور.
أي بنية فقهية لدستور الجزائر 2014؟ مبدأ سيادة الدول يمنح كل منها حرية اختيار النظام الدستوري الأنسب بما يكفل إدارة أحسن لشؤون الدولة ويحفظ لأشخاص قانونها العام وكذا مواطنيها مراكزهم القانونية . كما نعلم بعدم وجود نظام موحد أو مثالي أو نموذج ملزم للدول سواء في ظل النظام الرئاسي أو البرلماني أو المختلط. السؤال الذي يطرح نفسه هو تكرار وكثرة التعديلات الدستورية تقلل من شأن وجدوى الدساتير . وانطلاقا من تجربتنا المستمدة من تواجدنا لفترات طويلة داخل مؤسسات الدولة على اختلاف درجاتها، نتقدم بهذه المساهمة الفكرية قصد إثراء النقاش الجاري حول التعديلات المرتقبة لمشروع الدستورالمقترح على ضوء ما تضمنه خطاب رئيس الجمهورية ليوم 2011/04/15 . لاثراء المسودة التي ارسلت للاحزاب من طرف مدير الديوان لرئاسة الجمهورية . وإذا كان الخطاب الذي يشكل خارطة طريق تتضمن المحاور الكبرى التي تستدعي الرعاية بالترتيب وفقا لعنصري الأسبقية والأولوية ، على أن تؤدي في مجملها إلى بناء دستور وفي لإرادة الشعب كما كان الرئيس دوما ينادي به ويجدد تأكيد قناعته ورغبته هاتين في عدة مناسبات . جاء وقت المراجعة الكلية التي ستضع حدا للتأويلات في شأن تأخرها وتؤكد بأن التعديلين الأخيرين لسنتي 2001 و2008 كانا ناتج تحصيل ضرورة ملحة أملتها ظروف البلاد و أولويات مستعجلة لا تسمح بأي تأخير . كلنا يتابع من موقعه التغيرات التي تحدث في الساحة الدولية لاسيما ما تعرفه بعض البلدان العربية . و لا يرغب أي منا أن يصل بلدنا يوما تلك الرياح على النحو الذي وصلته عند غيرنا نتيجة رفض الإصغاء أو التجاوب السلمي مع التيارات المنشغلة بما يجري حولها من التغيير . دستور يضمن حكامة رشيدة إن الديمقراطية والحرية والعدالة ودولة الحق والقانون مطالب مشروعة لا يسوغ لأي كان تجاهلها ولا يمكنها أن تتحقق إلا بموجب برنامج تنموي يستند إلى مبادرة سياسية افقها حكامة أفضل . ومن أجل التتويج بصرح مؤسساتي يرمي إلى استقرار الدولة وتعزيز مكانة الديمقراطية، يتعين إدخال تعديلات لازمة وعميقة على دستور البلاد تؤدي إلى تنظيم السلطات تفاديا لأي فراغ دستوري منشئ لسلطة الفعلية . والقول بمراجعة الدستور لا يعني إطلاقا الرجوع بالبلاد إلى تاريخ استقلالها، فنحن لسنا بصدد نشأة دولة أو إعادة النظر في وجودها، إنما في مواجهة وضع قائم يتطلب المراجعة والتصويب بما يعيد الأمور إلى نصابها ومسارها السوي . خلاف ذلك يعني التوجه نحو الجمعية التأسيسية وهو مطلب لا يتسم بالموضوعية وطرح يمحي نصف قرن من وجود الدولة بكل ما توصلت إليه من أجهزة و مراكز و عبقرية إطاراتها.ونظرا لأهمية التعديل، نأمل في تجسيد رغبة الرئيس المعلن عنها خصوصا في حملته الانتخابية وما التزم به أمام الشعب في حالة إعادة انتخابه كرئيس للجمهورية في 17 أفريل 2014. فالمسودة التي يتم تداولها اليوم عبر الصحف ما هي إلا أرضية مفتوحة لكل التعديلات و الاقتراحات والتي يجب أن تحظى بالإجماع على الأقل من الأغلبية إذ يشترك في بلورتها كل من استدعي لإثرائها ومناقشتها علما بأن تنسيقية المعارضة وما سمي بالقطب الديمقراطي للتغيير يرفضان لحد الساعة الإسهام في الجولة الثانية للمشاورات . كما يمكن إلى جانب التيارات السياسية الفاعلة أن تتسع هذه المشاورات إلى خبراء في القانون الدستوري وكفاءات وشخصيات وطنية من المجتمع المدني والتي يمكن أن تساهم باقتراحاتها للرئيس للنظر في فحواها قبل عرضها على البرلمان مرورا بالمجلس الدولة و المجلس الدستوري .
طبيعة النظام الدستوري خال من أرضية النقاش
من خلال قراءتنا للمواد السبعة و الأربعين التي جاءت بها مسودة الاقتراحات التعديل وإن كان قد مس جوانب أساسية في الدستور وكذلك الديباجة والفصول الأساسية في الحقوق والحريات مستثنيا الثوابت فأول ما يمكن ملاحظته بأن صياغة لجنة الخبراء هي أرضية ونصوص بدت عند الرأي العام أن فيها التعويم والتمييع جعلت من النص هجينا ومبهما يخل بتوازن المدونة الدستورية لا تغدو أن تكون تلكم الخارطة التي نقرأ من خلالها الاتجاهات العامة التي أرادها الرئيس من خلال حملته الانتخابية. كذلك غياب عنصر أساسي وهام وهو طبيعة النظام الدستوري الجزائري الذي لم تتطرق له المسودة بصفته الطرح الجوهري الذي يؤسس الاتجاه العام لتنظيم السلطة وتسيير شؤون الدولة وبذلك مازال الغموض يشوب طبيعة هذا النظام الذي يبدو هجينا لا رئاسيا ولا برلمانيا ولا ملكيا ولا حتى شبه رئاسي بما في ذلك تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية و صلاحيات الوزير الأول التي ليست واضحة ومن جراء التناقضات التي تراكمت جراء التعديلات المتكررة في الدستور خاصة فيما يخص المادة 79 و 80 من الدستور لأنه لا يمكن تقييم برنامج حكومة تطبق برنامج غير برنامجها ثم أن الحكومة التي تنبثق من الأغلبية البرلمانية يجب أن يكون لها برنامجا خاصا بها تعرضه على البرلمان . في الوقت أنه برنامج رئيس الجمهورية الذي يحض حزبه بالأغلبية .هو من يعرض من طرف الوزير الأول. فان لم يحض بالموافقة يؤدي ذلك إلى سقوط الحكومة ؟ فيما يخص السلطة التنفيذية ، في النظام البرلماني تتطلب صلاحيات أكثر استقلالية للوزير الأول وفي حالة ممارسة بعض الصلاحيات بالتفويض كما نصت عليه المسودة فهذا لا يبتعد كثيرا عن النظام الرئاسي الذي عاهدناه في دستور 76 ، فمن الضروري الخروج من هذا الخلط والتفكير في دستور مكتمل المعالم يوضح طبيعة نظام الحكم في بلادنا . الوزير الأول أو رئيس الحكومة من الأغلبية ضرورة حتمية في ضوء الحراك الجيوسياسي التي تعيشه الجزائر وحالة التأهب التي تعيشها المنطقة المغاربية و العربية ضد الأخطار المحدقة بها ، ومن منطلق الظروف الحالية فان النظام شبه الرئاسي يعتبر مميز ومناسب على الأقل في السنوات المقبلة مع رؤية جدية في مبدأ توازن السلطات وتحديد صلاحيات كل من رئيس الجمهورية والوزير الأول أو رئيس الحكومة دستوريا ، فاختيار الوزير الأول من الأغلبية أو الائتلاف يكون له مغزى فعلي لممارسة السلطة ومن تم فإن مفهوم المعارضة الفعلية والتداول على السلطة يصبح شيء ملموس وممكن . إذ يعد النظام الشبه الرئاسي أو ما يعرف اصطلاحا بالنظام المختلط ، أكثر الأنظمة تحقيقا للتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لكونه يجمع بين محاسن النظامين ويجنب مساوئهما كما يوفر رقابة متبادلة تملك فيها السلطة التنفيذية صلاحية حل البرلمان ويعود للسلطة التشريعية سحب الثقة من الحكومة . في إطار دراسة متأنية لأحكام الدستور الحالي يثور التساؤل حول ضرورة تصحيح المسار من نظام رئاسي شبه مطلق إلى نظام مختلط على النحو السائد في الدول المستقرة ديمقراطيا. فالنظام البرلماني ، يشكل تجربة أثبتت انعدام الجدوى منها لأن الأخذ بهذا النظام يرتبط وجودا وعدما بمدى تطور الفكر الديمقراطي أفقيا وعموديا. ونتيجة لرجحان كفة ما أحدثه هذا النظام من سلبيات مع قلة إيجابياته، وبالمقارنة مع أمهات الدساتير الديمقراطية في عالمنا المعاصر التي تعتمد النظام المختلط، ليس لنا من موقع المستدرك لموقف عاجز عن تحقيق الغاية منه، تعديل الوجهة الدستورية للنظام واختيار النموذج الأنسب بحسب ما يقتضيه الوضع . النظام المختلط إذن ، يضمن حلا توفيقيا بحيث يسمح بالتعبير الديمقراطية عن إرادة الشعب مع احترام تمثيله . كما يعد في ذات الوقت صماما لاستقرار الدولة و حسن سير إدارتها . و يعد النظام الفرنسي على سبيل المثال وليس الحصر أفضل نموذج لتحقيق التوازن المرغوب لاسيما التعديل الدستوري المؤرخ في 2008/07/23 . جبهة التحريرالوطني مصدر الدولة العصرية فيما يخص الديباجة وما جاء في المقطع السادس والقول بأن الشعب الجزائري أقدم على تشييد دولة عصرية كاملة السيادة دون الاشارة إلى أن جبهة التحرير الوطني هي من تحملت كل أعباء النظام القائم بإجابياته وسلبياته يعتبر بتر صريح لحقائق تاريخية حصلت مابين 1962 و 1989 بداية إقرار مبدأ التعددية. في هذا الشأن المشرع يتساءل ويقرأ تأويلات من تحمل بناء تشييد و إرساء الدولة بعد الاستقلال إلى غاية التعددية ؟ ما القصد إذا من إضمار مرحلة بأكملها كانت تقودها جبهة التحرير الوطني ؟ فنظام الحزب الواحد انتهى بمجيء دستور 23 فبرا ير1989. وفي إدراج ميثاق السلم والمصالحة في الديباجة وحتى وإن تبناها الشعب لنفسه في إستفتاءات ماضية ، نرى أنه شيء مستحسن لما لها من أثر بالغ الأهمية في إستثباب الأمن و الاستقرار كقانون الرحمة غير أنها لا ترقى أن تكون من الثوابث أو كمادة دستورية و الاكتفاء بوضعها في الديباجة هو في حد ذاته تلميح ضمني لاحتياج الشعب للسلم والمصالحة من أجل بناء دولته في كنف هذين العنصرين مقتنعا بأن احترام هذه المبادئ يساهم في الدفاع عن القيم المشتركة، ويعد السبيل التوافقي الذي يحمي مصالح المجموعة الوطنية أي كما جاء في الاقتراح. في المادة 8 من الدستور يمكن إضافة إلى جانب حماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب، أو الاختلاس، أو الرشوة، أو التجارة غير المشروعة والتعسف، أو الاستحواذ، أو المصادرة غير المشروعة. وحماية الحريات الأساسية للمواطن بندا آخرا وهو حماية مصادرة إرادة الشعب في اختيار ممثليها في حماية الانتخابات من التزوير والغش، بآليات يحددها القانون العضوي المتعلق بالانتخابات ، فالسطو على إرادة الشعب هو في حد ذاته خرق للمواد 6 ، 7 و8 من الدستور. تضمن الصياغة الحالية للدستور في المادة 41 حريات التعبير والاجتماع دون أن يمتد ذلك إلى الحريات التي تمكن الجمهور من التعبير السلمي عن إرادته في الأماكن العامة ضمن أطر قانونية. الحفاظ على النظام العام هو المبرر المعتاد لرفض الطلبات الموجهة للإدارة مما يحدث أثارا عكسية تؤدي في غالب الأحيان إلى استنكار موقف السلطة العامة . ضمان التعبير السلمي عن المطالب المشروعة دون المساس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري المنصوص عليها ضمن مواد الدستور من 01 إلى ,05 يشكل صمام أمان للحريات بما يحول دون إمكانية التعسف من جانبي الطالب والمطالب. من هذه الزاوية، تقتضي الحكمة السياسية استباق رياح التغيير وتوسيع دائرة حرية التعبير المكرسة دستوريا والرقي بتلك الحماية إلى ما يعرفه عالمنا المعاصر من خلال دسترة التعبير الشعبي الحر. ومن تم فأن حريات التعبير، وإنشاء الجمعيات، والاجتماع، إذا كانت مضمونة للمواطن فإنها ترتبط مباشرة بحق التعبير عن الرأي بالطرق السلمية و التي تمارس في إطار القانون ومن هنا فان التّجمع والتّظاهر سلميا لا يمكن أن يتبع بتوقيف الأشخاص لمجرد الإدلاء بآراهم وحقهم في التعبير.