تخلت النساء في السنوات الأخيرة تدريجيا عن الذهاب إلى الحمام، هذا المرفق الذي كان يشكل قديما الوجهة المفضلة لهن، بات اليوم بالكاد يمتلئ في نهاية الأسبوع والأعياد الدينية ولعل أكثر الأسباب التي دفعت بهن إلى هجره الغلاء الذي مسه وتوفر الماء في المنازل إضافة إلى انعدام الثقة أمام انتهاك حرمة هذا المكان بواسطة كاميرا الهواتف النقالة. تشهد الكثير من الحمامات في العاصمة نقصا كبيرا في الزبائن حيث أصبح هذا النشاط التجاري غير مربح وتكاليفه تفوق المداخيل المحصلة منه، هذا ما لاحظناه على هذه المرافق التي قمنا بزيارتها للاطلاع على واقع الحمامات المهددة بالإفلاس. ففي حمام "الأمل" المتواجد بشارع دكتور سعدان بالجزائر الوسطى الكراسي شاغرة تنتظر الزبائن الذين يصلون بأعداد قليلة جدا، حيث تقول المسيرة: "النساء لم تعد تقصدن الحمام كما كان في السابق، فالتسعيرة المرتفعة منعت العائلات الفقيرة من الاستفادة من حمام دافئ مفضلين دفع المال في أمور أكثر أهمية"، فالنساء هجرن هذا المرفق الذي كان يشكل فيما مضى المكان المفضل لهن حيث تقول إحداهن والتي وجدناها في حمام "الأمل": "لم يعد بإمكاننا الذهاب إلى الحمام مثل السابق فبدلا من زيارته في نهاية كل أسبوع أصبحنا نقصده مرة واحدة في الشهر نظرا لسعره الباهظ، ومع توفر الماء في المنازل أصبح من الأفضل الاستحمام فيها". ولعل من الزبونات اللواتي مازلن يقصدن هذه المرافق باستمرار أولئك اللواتي فرضت عليهن الظروف ذلك ومن بين هذه الأسباب انعدام غرفة حمام في المنزل وهو حال العديد من البنايات في العاصمة حيث تقول نرجس: "أنا مرغمة على التوجه إلى الحمام كل نهاية أسبوع ودفع 150دج، رغم أن وضعي الاجتماعي لا يسمح بهذا إلا أنني مجبرة نظرا لانعدام الحمام في منزلي". وفي الوقت الذي تضطر فيه الكثيرات على زيارة الحمام هناك من لا تستغني عن هذه العادة التي ترسخت مع مرور الوقت في أذهانهن ومن بين هؤلاء نوال التي كانت في طفولتها ترافق جدتها كل يوم اثنين إلى الحمام السبب في تعودها على التردد عليه وتحاول تعويد أبنائها عليه ترى فيه منافع كثيرة على نفسية الإنسان حيث تقول "عندما كنت أشعر بالتعب والإرهاق تصطحبني جدتي إلى الحمام الذي كانت تقول عنه "ينحي لعيا"، هذا الأمر ترسخ في ذهني وأدركت حقيقته من خلال التجربة، لذا فأنا اليوم لا أستطيع قضاء نهاية الأسبوع دون الذهاب إلى الحمام والاستمتاع بهذا الوقت". وحتى العرائس تقول مسيرة حمام الأمل قاطعن الحمامات ففي الوقت الذي كان من العادات المقدسة ذهاب المقبلات على الزواج إلى الحمام أصبح هؤلاء تقصدنه في خفاء رفقة صديقة أو قريبة عوضا عن ثلاثون امرأة أو أكثر كما كان في الماضي وهو الأمر الذي يدر على صاحبة الحمام أموالا كثيرة في حين هن اليوم يتحججن بالخوف من العين أو كي لا يدفعن حق الصندوق كما هو معمول به. نفس الأجواء لاحظناها على حمام الهناء المتواجد بشارع فالنتان، ففي الوقت الذي كانت طوابير المنتظرين لا تنتهي هو اليوم يرثي زبائنه، هذا الحمام - تقول صاحبته - يعاني من نقص كبير في الزبائن خاصة مع الترحيل لعدد من العائلات بالحي والتي كان انعدام غرفة الحمام فيها سبب إقبالهم على حمام الهناء. وكغيره من الحمامات يتوفر هذا الأخير على عدة خدمات حيث يمكن اقتناء منه غسول الشعر ومزيل الروائح صابون وكذا صابون الدزاير الذي كانت تستعمله جداتنا قديما إضافة إلى المشروبات، فيما لجأت حمامات أخرى إلى توفير حلاقات على مستواها لزيادة مداخليها نظرا للإقبال الضعيف عليها. الحمام ملتقى النسوة المفضل مازال الحمام يشكل المكان المفضل لبعض النساء، ففيه يمكن لهن البوح بأسرارهن من دون رقيب أو حسيب كما تقوم بعضهن بتفريغ مشاكلهن التي تطبق على صدورهن طالبات النصيحة والحل من كبيرات السن اللاتي تقصدنه، أما الفضوليات يعتبرن الحمام المكان المناسب للحصول على آخر أخبار أبناء الحي من زواج وطلاق وغيرها من المستجدات التي يعتبر الشغل الشاغل لهن أكثر من أي شيء في العالم. وفي هذا الإطار - تقول مريم - التي كانت تهم بالدخول إلى أحد الحمامات بحسين داي "زوجي يمنعني من زيارة الأهل والأصدقاء والحديث مع الجيران وهذا الوضع زاد من حسرتي ومعاناتي لذا يعتبر الحمام المكان الوحيد الذي أواظب على الذهاب إليه بغية الاطلاع على أخبار هؤلاء". تعرف هذه المرافق إقبالا نوعا ما خلال نهاية الأسبوع وكذا الأعياد الدينية، فيما يقل التوافد عليها خلال شهر رمضان الذي تفضل فيه النسوة التوجه لصلاة التراويح، ولقد ساهمت العديد من الأحداث في هجران النساء للحمام ففي وقت مضى كانت السرقات المنتشرة هي التي ساهمت في عزوف النساء وزاد من تفاقم ذلك الاستعمال السيئ للتكنولوجيا حيث أدى التطور الذي شهده الهاتف النقال والتقنيات العالية التي طرأت عليه سببا في مقاطعة بعض النسوة للحمامات ومن بين هؤلاء نرجس التي كانت من المدمنات على قضاء يوم الجمعة في الحمام حيث أكدت "استعمال الهواتف النقالة كان يخيفني في بادئ الأمر، حيث لاحظت الكثير من الفتيات يستعملن هواتفهن داخل الحمام، لكن لم أكن أكترث للأمر إلى أن انتشرت إشاعة وجود قرص مضغوط مسجل عليه صور لنساء عاريات التقط داخل أحد حمامات العاصمة من طرف فتاتين، هذا الأمر أحدث هلعا في نفسي وأفقدني الثقة في جميع الحمامات". ورغم الصرامة المتخذة في هذا الإطار من طرف مسيرات هذه المرافق إلا أن ذلك لم يغير من قرار هذه المرأة وكثيرات مثيلاتها ممن تفضلن المنزل على الحمام. ورغم انتشار حمامات تتمتع بسمعة طيبة وتقدم خدمات عالية نظرا للتهيئة الكبيرة التي شهدتها إلا أن الإقبال عليها يبقى محتشما أمام الغلاء المعيشي مما أثر على مدا خيل هذه المرافق التي تعاني من ارتفاع تسعيرة الماء والكهرباء والتي أصبحت ترهق كاهلها الأمر الذي وضع هذا النوع من النشاط في أزمة حقيقية ودفع ببعضها الى إغلاق أبوابها كلية. وفي هذا الإطار تقول مسيرة حمام الأمل، أن فاتورة الماء مرتفعة جدا وهي التكاليف التي لا يمكن تعويضها مهما تم رفع سعر الحمام. أما مسيرة حمام الهناء فقد أشارت من جهتها إلى إسراف الزبائن في استعمال الماء، رافضين الانصياع لأوامرها بحجة أنهم دفعوا للاستحمام جيدا. ومع الوضع الذي تعرفه الحمامات فهل يمكن لهذه المرافق أن تصمد أمام متغيرات الحياة التي أجبرت الناس على التخلي عن العديد من العادات التي كان من الصعب التخلي عنها.