لماذا تطرح إشكالية الحكم في الجزائر ومطالب التغيير وتعميق المسار الديمقراطي وما إلى ذلك من المطالب المتعلقة بالحريات والحقوق على النحو الذي نراه منذ فترة، فهل التصورات الخاصة بالحل المفترض والقائمة على التغيير بإشراك الجيش أو على حساب الجيش تشكل فعلا مقاربة يمكن أن تروي عطش الطبقة السياسية وباقي العصب التي تتحرك داخل السلطة أو في محيطها، وتقنع أيضا الباحثين وكل الذين يدعون المعرفة بخبايا وأسرار إشكاليات شرعية السلطة في الجزائر؟ طرحت المعارضة الراديكالية ممثلة خصوصا في جبهة القوى الاشتراكية ما تسميه بالانتقال الديمقراطي في الجزائر وهذا منذ عقود، ولا يزال هذا الحزب الذي يعتبره أغلب المراقبين بأنه اكبر التشكيلات السياسية المعارضة في الجزائر، يصر على نفس المطالب ويتعاطى مع إشكالية الحكم والتغيير في الجزائر بنفس المقاربة، فيطرح عملية التغيير التي يراها ضمن منظور قائم على فكرة إشراك السلطة وإشراك المؤسسة العسكرية في وضع أسس مرحلة انتقالية تسمح بانتقال السلطة ومن ثمة تغيير النظام. ويجب الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية تتعلق بالخلفية التي ينطلق منها الأفافاس، فهذا الحزب كان ولا يزال يدين لزعيمه التاريخي حسين ايت أحمد بكل الأفكار والأطروحات وبالنظرة المتعلقة بالتعامل مع نظام الحكم، ولن نبالغ إذا قلنا بان أطروحات التغيير حافظت على نفس المضمون عند تشكيلة حسين ايت أحمد حتى بعد أن تخلى هذا الزعيم التاريخي عن منصب رئاسة الحزب، وبقيت متمسكة بالخلفية التاريخية بل وحتى على رواسب الصراعات التي كانت موجودة إبان الحركة الوطنية ثم ثورة التحرير والتي انفجرت للعلن في صائفة 1962 بعد استقلال البلاد. السؤال الذي يطرحه الكثير من المتتبعين للشأن السياسي حاليا هو لماذا أطروحة التغيير عبر مقاربة إشراك الجيش، ولماذا تهرول بعض الشخصيات السياسية والحزبية في الوقت الحالي إلى تبني هذه الأطروحة ومحاولة الاستثمار فيها ضمن منظور التغيير السلمي والسلس الذي يحظى تقريبا بإجماع الطبقة السياسية عندنا على خلفية الدمار الذي خلفته ثورات ما يسمى ب »الربيع العربي« في الأقطار العربية التي مرت بها؟ المشكل أن المعارضة السياسية في الجزائر لا تريد آن تقتنع بأن الجيش الذي اتهم باحتكار السلطة منذ عقود رجع إلى الثكنات ولم يعد يعتبر مصدر القرارات السياسية التي تسير البلاد، صحيح هناك نوع من الريبة في التعامل مع هذا الاستنتاج لكن ما صدر من قرارات من قبل رئاسة الجمهورية خصوصا قبيل الانتخابات الرئاسية ومنذ أيام فقط، يشكل لوحده دليلا أن مؤسسة العسكر لا تشكل قوة موازية لمؤسسة الرئاسة، وأن الجزائر تخلصت أخيرا من التهمة التي لاحقتها خصوصا منذ بداية التسعينيات، أي ومنذ وقف المسار الانتخابي، بأنها محكومة بنظام عسكري وأن الجنرالات هم الذين يصنعون مصيرها وأما باقي المؤسسات فهي مجرد وسائل للديكور فحسب. المعارضة في الجزائر لا تقدر على تقديم حلول حقيقية لما تسميه هي بأزمة نظام الحكم أو ما يسميه الكثير من المراقبين بالحاجة إلى التغيير وتعميق المسار الديمقراطي، وإثارة إشكالية الحكم باستعمال المقاربة المتعلقة بإشراك الجيش أو بتعبير أكثر وضوحا ودقة، المطالبة من المؤسسة العسكرية بان تتحمل مسؤولية التغيير وقلب نظام الحكم والتأسيس لنظام جديد، هو انعكاس لحالة العجز هذه التي تعبر في الواقع عن ضعف الطبقة السياسية الذي تتحمل المسؤولية فيه من دون أدنى شك السلطة والنخب وجل الفاعلين في الحقل السياسي والجمعوي.