لم تعد محلات بيع الصوف في الجزائر منتشرة مثلما كانت من قبل، وأصبح الحصول على الصوف الرفيعة مطلب صعب للغاية،ما زاد في ارتفاع أسعارها، وهذا لأسباب عديدة منها ما تعلق بتهريب الماشية التي غدت جرثومة تنخر الاقتصاد والمجتمع وتشيع فيهما الوهن والسقم، كما أدى ظهور الأفرشة العصرية ببعض الحرف التقليدية إلى الانقراض، خاصة وأن أصحابها يتخذونها كمصدر للرزق وكسب قوت العائلة اليومي. فصناعة الأفرشة أو كما تسمى باللغة المحلية »الطريحة« هي حرفة قديمة كانت رائجة بكثرة، وكانت بعض العائلات تستخدمها كمصدر لكسب الرزق، كما كانت هذه الحرفة تقتصر على الرجال أكثر، وشيئا فشيئا تحولت إلى مهنة طالما احتاج إليها كل بيت في إعداد المفروشات الجديدة الخاصة بالعرائس، أو تجديدها، وعادة ما تستعمل الصوف كمادة أولية في استخدام كل الأشكال من أفرشة ووسائد نظرا لطبيعتها اللينة والطرية، بحيث تساعد الشخص على النوم الهادئ وتوفر له الراحة التامة، كما أنه لا يمكن للعروس أن تزف إلى بيت زوجها بدون أن تأخذ معها الفراش طالما تجهيزه يكون عادة على عاتقها، العملية تبدأ بتحضير العائلة للصوف وغسلها وتجفيفها، ثم يقوم »الطراح« بنفش الصوف وحشوها في القماش المخصص لذلك، وقد جرت العادة أن يتنقل ممتهن هذه الحرفة إلى البيوت للقيام بعمله، ذلك مقابل سعر معين، يتراوح ما بين 800 و1000 دينار وأحيانا 1500 للفرش الواحد، أما البعض فقد يستغلون الفضاءات في الأحياء الشعبية التي يسكنون بها لإنجاز عملهم، كما تدخل هذه المهنة البهجة والسرور على العائلة وبخاصة الأطفال الصغار الذين عادة ما يجلسون بقرب الطراح ويستمتعون بأقاصيصه القديمة. بدأت هذه الحرفة تسير نحو الانقراض بعد ظهور الأفرشة العصرية الجاهزة، ورغم غلاء سعرها فهي تشهد إقبالا كبيرا، خاصة وأن غسل الصوف يتطلب وقتا طويلا، ونشير هنا أن بعض بائعي الصوف ومن أجل الربح أكثر أصبحوا يشرفون بأنفسهم على غسل الصوف وبيعها نظيفة، ومن أجل الحفاظ على هذه الحرفة لجأ بعض باعة الصوف، إلى التكفل بكل العملية، لتصبح الأفرشة الصوفية هي الأخرى تباع جاهزة، وما زال بعض بائعي الصوف يمارسون هذه المهنة إلى اليوم وعلى سبيل المثال المحلات الموجودة بشارع رحماني عاشور) باردو( بوسط مدينة قسنطينة، لكن هذه المهنة لم تتوقف عند الأفرشة فحسب بل امتدت إلى حد حشو الوسادات وبيعها جاهزة، وإن كان الحصول على الفراش الجاهز ربح للوقت غير أن هذا الطريقة أفقدت حلاوة العرس، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث يجتمع النسوة في الحارة أو في وسط الدار حول » القصعة« وهي إناء دائري مصنوع من النحاس الأصفر، ويشرعن في غسل الصوف وهن يرددن الأغاني والأهازيج والمدائح النبوية، وقد اعتادت العائلة الجزائرية أن تضم قصعة النحاس ضمن جهاز العروس، وهي عادة في طريق الاندثار أيضا بعد ظهور آلة الغسيل الكهربائية. غياب الرقابة وراء ظاهرة الغش في الصوف وكما هو معلوم فإن الحصول على »الصوف« يأتي من جلد الأغنام وعادة ما تكون عملية الجز في فصل الربيع،Åغير أنه مع تغير الوقت والظروف تغيرت الكثير من العادات، وأدخلت عليها سلوكات غير أخلاقية، أين يلجأ هؤلاء إلى الغش، بحيث يقومون بحشو صوف غير نقية وذات نوعية رديئة، مع العلم أن الصوف أنواع، والغالبية منهم يفرقون بين الصوف » الجَزّ« و»الرَّشْرُوشْ« وهي ذات نوعية رديئة، علما أن هذه الأسماء متداولة بكثرة في منطقة الشرق الجزائري، في ظل الغياب الكلي للرقابة على تجار الصوف، حيث يلجأ بعض التجار إلى الغش في الميزان، بحيث يعمد إلى إبقاء الصوف بما تحمله من أتربة، من أجل الغش في الميزان، وعادة ما يقع الزبائن ضحية أطماع بعض التجار وسعيهم وراء الربح السريع، إذا قلنا أن كلفة فراش العروس من الصوف فقط قد تراوح أحيانا بين 30 ألف إلى 40 ألف دينار، حيث غالبا ما تتعرض الصوف إلى الإصابة بأمراض أو ما يمكن تسميته ب »الغَرُّوشَة« وهي عبارة عن حشرات صغيرة الحجم كروية الشكل وتحمل لونا أبيضا، تظهر عندما تخزن الصوف لمدة طويلة جدا، في مكان فيه رطوبة و لا تقربه الشمس. احتكار المساجد لجلود الماشية وراء غلاء الصوف الظاهرة الجديدة التي تبنتها مديرية الشؤون الدينية والأوقاف في ولاية قسنطينة وعلى غرار الولايات الأخرى هي استغلال موسم عيد الأضحى لجمع جلود الماشية، ويعمل أعوان داخل المساجد بدعوة العائلات التي لا ترغب في الاحتفاظ بجلد الكبش، من أجل التبرع به للمساجد، ثم تقوم لجنة المسجد ببيعها من جديد بمبلغ قدره 50 دينار من أجل تحصيل أموال الزكاة، واستثمارها في مشاريع تخصها مثل بناء المساجد وتجهيزها، وفي ظل غلاء سعر الصوف في السوق اضطرت إحدى العائلات إلى شراء عشرات الجلود من مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية قسنطينة من أجل استغلال صوفه في جهاز العروس، بحيث لم يكلفها ذلك سوى 3000 دينار. وإن كانت هذه المبادرة حسنة، لكنها كانت وراء ارتفاع سعر الصوف في الأسواق، كما أن هذه الظاهرة كانت وراء انقراض بعض العادات التي كانت تستخدمها العائلات في كل عيد أضحى، وهي استغلال جلد الكبش كفراش أرضي يكون بديلا عن الزربية تجلس عليه في فصل الشتاء، ويمكن الإشارة فقط أن العائلة الجزائرية كانت تفتخر بنسائها من خلال صناعة هذا النوع من الأفرشة الأرضية، وطريقة عمله تكون بوضع كميات من الملح قبل غسل الجلد، ثم تجفيفه، وبعد ذلك تحضر مادة علاجه وهو خليط من الحليب والفرينة تضعه ربة البيت فوق الجلد وتتركه مدة إلى أن يجف، ثم بواسطة حجر تقوم بملسه حتى يطيب الجلد ويصبح صالحا للاستعمال. سرقة أكثر من 12 ألف رأس غنم في 2013 ويمكن القول أن نوعية الماشية في الجزائر من أجود أنواع الماشية في المغرب العربي خاصة بالنسبة لسلالة »أولاد جلال« مما يجعلها موضع طلب كبير من قبل تجار الصوف، ساهم ذلك في انتشار ظاهرة تهريب الماشية بالمناطق الجنوبية، وكانت هذه الظاهرة وراء ندرة هذا النوع من الصوف، والتي ما تزال بعض العائلات الجزائرية متمسكة بها، وهو موقف يمكن وصفه بالتخريبي يعاني منه الاقتصاد والمجتمع، رغم الجهود التي يبذلها حراس الحدود في محاربة الظاهرة، واسترجاعهم أعداد كبيرة من رؤوس الماشية المهربة خارج التراب الوطني، وكانت الأرقام التي كشفتها القيادة الجهوية الخامسة للدرك الوطني مدى خطورة الظاهرة، حيث سجلت في سنة 2013 أكثر من 680 قضية، منها 132 تمت معالجتها، مسجلة في ذلك ارتفاع بنسبة 79,1 بالمائة، أوقف على إثرها 359 شخصا، أودع منهم 153 الحبس المؤقت، كما تم استرجاع 2493 رأسا من الماشية من مجموع 12359 من الرؤوس المسروقة. وتكشف التقارير التي تعرضها الجهات الأمنية كيف تعرض هذه الظاهرة الأمن الغذائي للخطر وكيف تهدد سلامة البنية الاجتماعية، لأن عامل الربح السريع يشكل القانون الأساسي للنشاط الطفيلي، والحقيقة أن هناك عصابات منظمة و شركات تقف وراء التهريب للسلع والمواد المحظورة، بل تمتهن التهريب بمختلف الطرق وتملك مخازن ووسائل نقلها، ولا أحد يجرؤ على التصدي لها من الضحايا الذين يتعرضون دوما للسرقات، ما جعل القيادة الجهوية الخامسة للدرك الوطني بالتنسيق مع الجهات الأمنية الأخرى وحراس الحدود من وضع مخطط لمحاربة التهريب وتغليب الاحترافية والمهنية في محاربة الإجرام بكل أشكاله من أجل توفير الأمن للمواطن وممتلكاته وبسط نفوذ القانون واستعمال الوسائل العلمية في مسرح الجريمة.