يتوفر الأدب الجزائري الحديث على مجموعة من التجارب الأدبية، كان لها الفضل الكبير في تشكيل ''جدارية'' الأدب الجزائري لمختلف أشكاله، وتنويعاته، ومستوياته الجمالية والموضوعاتية أيضا؟ (01) ولعل تجربة الأدب الجزائري الذي رحل عنا مبكرا، رمضان حمود (1906م - 1929م) تعد من أفضل التجاري الأدبية الأولى التي دعت إلى التجريب وتغيير بنية القصيدة العربية التي ظلت الشكل الفني الرسمي للوجدان العربي منذ العصر الجاهلي وإلى غاية نهاية أربعينات القرن العشرين. 1 - 2 القصة القصيرة 1 - 2 أ - صاحبة الوحي '' وتضم القصص التالية: صاحبة الوحي، القبلة المشؤومة، فتاة أحلامي، ثري الحرب، جريمة حماة، الفقراء، صديقي الشاعر، خولة، وقد صدرت هذه المجموعة القصصية في عام 1954 بمدينة قسنطينة، وقصصها أو نصوصها تتفاوت في الطول، في الموضوعات وكذلك في فضاءاتها وأزمنتها وشخصياتها، فهنالك قصص قد يعود تاريخ كتابتها إلي المرحلة الزمنية التي أقام فيها بين مكةالمكرمة، والمدينةالمنورة ومنها قصة ''صاحبة الوحي'' وقصة ''خولة'' وهي قصة طويلة نسبيا بلغ عدد صفحاتها واحد وثلاثون صفحة (31) وقد تكون في ظننا عبارة عن حكاية من الحكايات الواقعية التي جرت صفحاتها وأحداثها التي تركز علي موضوع الحب - الذي يصطدم دوما بسور العادات والتقاليد، وتوق المرأة العربية إلى التحرر من سلطات هذه العادات والتقاليد التي كادت تسم العقلية العربية لمدة قرون، في البادية، وهو ما يدعونا لأن نعتبرها حكاية من حكايات حياة البدو. ولعل تنوع أحداث وشخصيات، وفضاءات هذه القصة يجعلها تقترب من بنية الرواية، أو مما اصطلح عليه بالرواية القصيرة، وهي تقابل نصا: '' غادة أم القرى''، إذ أن أحداث هذه الأخيرة ترسم المرأة الحجازية في المدينة، بينما قصة خولة، تعبر عن وضع المرأة وأنواع السياط والردع الاجتماعية التي تسلط على المرأة وتدير حياتها في المجتمع البدوي. ويعد تناول الأديب أحمد رضا حوحو هذا الموضوع بهذه الجرأة، وقد كان المجتمع العربي آنذاك، مجتمعا محافظا تقليديا، مصادرا لأي مقول أو تفكير أو وجهة نظر تصدر عن المرأة مهما كانت نواياها. وهنالك من النماذج القصصية، نرى أنه كتبها أثناء استقراره في الجزائر بداية من عام 1946 م وإلى غاية استشهاده بطريقة وحشية على يدي العساكر الفرنسيين ليلة 29 مارس عام 1956م، بجبل الوحش، قرب مدينة قسنطينة، ومن هذه القصص ''ثري الحرب'' و'' القبلة المشؤومة'' و''جريمة حماة''، و''صديقي الشاعر'' ...إلخ وتكشف بعض قصص هذه المجموعة تأثر حوحو ببعض أدباء اللغة الفرنسية، أمثال الكاتب الكبير، ''فيكتور هيجو'' صاحب الرواية الخالدة الذكر، ''البؤساء'' والتي انحاز فيها منتصرا للطبقات الفقيرة والحياة البسيطة، منتقدا في الوقت نفسه الطبقات البورجوازية التي تتأسس من مال الحروب والاحتيال ونهب لخيرات المستضعفين في الأرض. 1 - 2 - ب : نماذج بشرية يرجع الفضل في طبع هذه المجموعة القصصية ( أو كما حلا لكاتبها الأديب الشهيد : أحمد رضا حوحو أن يطلق عليها عنوان '' نماذج بشرية'' للأديب الكبير أستاذ أجيال النخبة الثقافية في دول المغرب العربي في المنتصف الثاني من القرن العشرين الأستاذ : محمد أبو القاسم كرو. فقد أصدر له هذه المجموعة القصصية الثانية ضمن سلسلة كتاب : البعث'' وقد نشر في شهر ديسمبر عام ,1955 ويحمل رقم ''الكتاب الثالث'' ولقد تضمن إثنى عشرة نصا قصصيا، ونصا مسرحيا حمل عنوان '' الأستاذ'' يوجد بين صفحتي : 83 - 96 من الطبعة نفسها. لم يشأ الأديب، أحمد رضا حوحو أن يعطي هذه المجموعة صفة '' قصص'' وقد كان له كل الحق، وجميع المبررات والمسوغات الفنية والجمالية، وذلك بالرغم مما توفرت عليه، وحازته من براعة فنية، ونضج واضح في امتلاك أدوات كتابة '' القصة القصيرة'' وإنما آثر على ذلك اسم : ''نماذج بشرية'' وقد شرح ذلك وعلله في مقدمة المجموعة، فقال :'' ... ثم إني لم أعمد في عرض هذه النماذج، إلى الخيال فاستخدمه في التنميق والتزويق، أو إلى التحليل النفساني فأسخره لإثبات فكرة أو إدحاض أخرى، أجل إني لم ألجأ إلى كل ذلك، وإنما التجأت إلى المجتمع، وانتزعت من مختلف طبقاته نماذج عشت مع بعضها وسمعت عن بعضها، نماذج حية أقدمها للقارئ لعله يتوصل بها الى تفهم بعض طباع مجتمعه ...'' . ولشدة إعجاب الأستاذ محمد أبو القاسم كرو بأدب أحمد رضا حوحو، وتأثره الشديد بالطريقة البشعة التي اغتاله بها العساكر الفرنسيون، فقد أصدر في عام 1957 تذكارا خاصا به يتألف من اثنين وثلاثين صفحة من الحجم الصغير (16) ضمنه فصولا من سيرته الحياتية والأدبية ونشاطه بصورة أخص، واعاد نشر ثلاثة نماذج من أعماله الأدبية، وهي: ''التلميذ'' وهي قصة مترجمة عن اللغة الفرنسية'' وقصتي ''الزواج'' و''نحن والغرب'' وقد أخذ النصين الآخرين من كتاب حوحو، مع حمار الحكم''. وتباهى في نصه عن حياته بخصاله، وبطولته منوها برمزية استشهاده: ''إننا لا نبكي حوحو بالدموع والزفرات، لأنه كان أسعد حظا فنال أعظم شرف يتمناه ويسعى إليه الأحرار الشرفاء... ولكننا نمجد فيه بطولة النضال التحريري في الجزائر، ونقدس معه أرواح الشهداء الذين سقطوا، لتقف الجزائر وماتوا - جسميا --- لتحيا هي بكل معنى للحياة والبقاء والخلود...'' - مع حمار الحكيم وهو عبارة عن مجموعة حكايات يغلب عليها عنصر الحوار مما يقربها من فن المسرحية، يتناول فيها موضوعات اجتماعية معظمها مأخوذة من الواقع الاجتماعي، يهدف منها إلى نقد بعض هذه الظواهر الاجتماعية التي بدأ تأثيرها يؤثر على عادات وتقاليد المجتمع الجزائي المحافظ. وقد تأثر في كتابة نصوص هذا الكتاب: - ''مع حمار الحكيم'' لكتاب الكاتب العربي المصري الكبير (توفيق الحكيم) مؤلف مسرحيات وروايات كثيرة، وهو أحد كبار الأدب العربي في القرن العشرين (حماري قال لي). ولم يحجب الأديب أحمد رضا حوحو تأثره بكتاب الحكيم (حماري قال لي)، فذكر ذلك في مقدمة النص الأول، فقال: 0 ''أنهيت من مطالعة لذيذة لكتاب ''حماري قالي لي'' لتوفيق الحكيم، واستلقيت في مقعد مريح بعض الشيء، مريح بالنسبة إلي، أنا الذي قضيت ثلاثين حجة من حياتي بين مقاعد الدراسة ومقاعد العمل، وكلها لا تمت إلى الراحة واللين بصلة قريبة أو بعيدة. ثم استغرقت في تفكير عميق محاولا هضم ما قرأت، وما هي إلا دقائق حتى أغفت عيناي، وألقى علي الكرى رداء أسودا خفيفا: رأيت فيما يرى النائم اليقظ حمارا صغيرا لطيفا تبدو عليه علامات الذكاء والفطنة، يطل علي برأسيه من وراء مقعدي، فعرفته على الفور، دون إشكال أو عناء فقد كان حمار توفيق الحكيم برأسه ورجله ويتضمن كتاب: ''مع حمار الحكيم'' أربعة عشر نصا، وهذه عناوينها (مع حمار الحكيم، حمار الحكيم، الآداب والفنون، نحن والغرب، الزواج، فلسفة الحمار، مع القارىء، المجنون، أحزابنا السياسية، الأدب العربي، السعادة، علم التربية، بريد الحمار) يتبين من هذه العناوين أن الأديب حوحو لم يكد يترك موضوعا كان آنذاك (1946 - 1956) يشغل بال الرأي العام الجزائري إلا وأبدى فيه وجهة نظره، وقد كتب هذه النصوص بروح نقدية تغلب عليها السخرية، وهي الصفة التي وسمت معظم أعماله، ولعل تبرمه من الحياة، وتشاؤمه الشديد جعلاه يأسر بهذه الموضوعات، وقد أكد ذلك هو نفسه في تصريح لكتاب ''البعث'' فقال: ''.... سألته مرة عن أهدافه الأدبية فكتب مجيبا: ''الأهداف تكون للذين ينظرون للدنيا بمنظار أخضر، أما أنا فإني أضع فوق عيني منظارا قاتم السواد'' ! . - في المسرح - انشغل الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو بفن المسرح انشغالا كبيرا، إذ يروى عنه أنه كتب نصوصا مسرحية، واقتبس البعض منها، وترجم بعضها الآخر، وكان مشاركا في بعضها، إلا أن معظم هذه النصوص التي تعكس اهتمامه لم تزل مجهولة إلى غاية هذه اللحظة، وإن مسؤولية الكشف عنها تعود أولا وأخيرا لمن يملك تراثه الأدبي !! سواء من أسرته، أو كان أحد أصدقائه. وتجب الاشارة في هذا الحقل إلى أن انشغال حوحو بفن المسرح وعالم التمثيل بصفة خاصة يعود إلى سنة ,1929 حيث كان أحد مسؤولي الجمعية الثقافية والرياضية التي أسست بمدينة سيدي عقبة، القريبة من مدينة بسكرة وذلك سنة 1929 م، وقد أكد ذلك المناضل الكبير (الشباح المكي) في مذكراته التي تحمل عنوان: ''مذكرات مناضل أوراسي''حيث قال: - ''.... عدت في عام 1929 إلى مسقط رأسي، أي بلدة سيدي عقبة وفتحت مقهى كان بمثابة ناد، ثم أسست جمعية تمثيلية، وأخرى رياضية تحت إسم - الشباب العقبي - عينت لهما رئيسا، والأخ أحمد رضا حوحو رحمه الله كاتبا عاما، وذلك قبيل سفره إلى الحجاز، وبدأنا في عرض روايات تمثيلية في المقهى المذكور ...'' وقد قادنا اجتهادنا - وإن بدا عجز منا لأي مهتم بتراث حوحو، فإننا نرجو الصفح والعفو لجهلنا بجميع مصنفات أدبه - إلى وضع قائمة عمل عناوين المسرحيات التي تنسب إليه وهي: 1- ''سي عاشور والتمدن'' 2- ''عنبسة أو ملكة غرناطة'' 3- ''البخيل'' 4- ''سي زعرور أو النائب العام'' 5- ''صنيعة البرامكة'' 6- ''الواهم'' 7- بائعة الورد'' 8- ''أدباء المظهر'' 9- الأستاذ'' - أدب الرحلة يبدو من سيدة المرحوم الشهيد أحمد رضا حوحو، أنه كان مغرما بالترحال والسفر من أجل طلب المعرفة، وقد بدا لنا بأن أول سفر له من أجل طلب العلم قد كان من بلدة مسقط رأسه: '' سيدي عقبة'' التي تقع بالجنوب الجزائري إلى مدينة سكيكدة الساحلية، وبينهما ما بينهما من فوارق حضارية وطبيعية وبشرية، وقد توالت بعد ذلك رحلاته وأسفاره، ولخص هو نفسه ذلك في احدى رسائله إلى الكاتب التونسي محمد أبو القاسم كرو، فقال: - ''... رحلاتي:1- إلى الحجاز سنة ,1934 وعدت منه سنة 1945 إلى مصر حيث مكثت شهرا ثم إلى فرنسا وإلى الجزائر سنة 1946 - 2 - في أوت سنة 1950 قمت برحلة إلى تشيكو سلوفاكيا وروسيا، واليوزبكستان من بلاد الشرق الأوسط التابعة للإتحاد السوفياتي، وكانت رحلة استطلاع استغرقت 45 يوما - 3 - وفي أوت 1951 إلى روما ''إيطاليا'' للمشاركة في اعداد مؤتمر الشرق الأوسط والشمال الافريقي وقد أحبط المشروع بسقوط حكومة الوفد المصرية، وإلى فرنسا مرات عديدة لأمور مختلفة، وقد نشرت مقالات عديدة عن رحلتي إلى الاتحاد السوفياتي في جريدة ''الشعلة'' التي كنت رئيس تحريرها يؤمئذ...'' وله كتابات أخرى كثيرة لم تزل إلى غاية اليوم مبثوثة في ثنايا الجرائد والمجلات الجزائرية التي صدرت ما بين عامي 1947 - 1956 وقد صرح هو نفسه في احدى رسائله إلى صاحب سلسلة''البعث'' التونسية، الكاتب الكبير، محمد أبو القاسم كرو أن لديه مؤلفين جاهزين هما كتاب بعنوان: ''في الأدب والمجتمع'' وكتاب آخر عنوانه ''في الميزان'' . ولعلنا خير ما نختم به تقديمنا لشخصية أحمد رضا حوحو الأدبية هذه الفقرة لرفيق دربه، وأحد أصدقائه المقربين الشيخ المرحوم: عبد الرحمان شيبان، وقد وردت هذه الفقرة في المقدمة التي قدم له بها كتابه: ''مع حمار الحكيم'' وهي تدل على ثقته الكبيرة في صديقه، يقول: - ''... يمتاز أدب الأستاذ أحمد رضا حوحو بطابع الخفة والصدق والانتقاد فإنك لا تكاد تقرأ له فصلا من فصوله، أو قصة من قصصه، أو تشاهد له مسرحية من مسرحياته حتى يفاجئك بهذا الثالوث الجميل الحبيب ... ولا تظن أن كاتبنا يتكلف هذه الخصائص تكلفا، أو يسعى إليها سعيا، بل إنها لتنبعث من نفسه الخفيفة الصادقة الناقدة انبعاثا، فهو خفيف في كلامه، خفيف في نكته، خفيف في حركته وسكونه، وهو يعالج من الشؤون بكل صدق، وينظر إلى ما تقع عليه عينه بروح نقدية تنفذ إلى صميم الأشياء، وبتعبير واحد جامع، فإن رضا حوحو في أدبه هو نفس رضا حوحو في حياته من غير تعديل أو رتوش ...'' - الأديب عبد المجيد الشافعي (1933 - 1973). - قد لا يختلف اثنان - على الأقل إلى غاية اليوم - بأن الأديب عبد المجيد الشافعي يعد ثاني أديب جزائري يخوض كتابة فن الرواية، وتحقق ذلك في روايته القصيرة: ''الطالب المنكوب'' التي طبعها في تونس عام 1951 وصدرت عن دار مطبعة الشريف، وله كتابات عديدة ومتنوعة الأجناس الأدبية، شملت الرواية، والقصة القصة القصيرة، والمسرحية والشعر، والنقد، والخاطرة، والمقالة الأدبية والاجتماعية ... إلخ إذ كتب - تقريبا - في معظم الأجناس الأدبية التي كانت شائعة بين معاصريه، كما اشتغل في مجال التربية والتعليم، وتلقى في ذلك ما تلقى معظم المثقفين باللغة العربية من تهميش، ومضايقة، وعراقيل: سواء كان ذلك في أوكار الإدارة، أو رحاب الثقافة، أو كواليس المؤسسات التربوية، إلا أن كل ذلك لم يصده عن الإنتاج والتأليف الأدبي، والنشاط الثقافي، وشغل بعض المناصب التربوية، حيث عمل أولا معلما، ثم تولى إدارة مدرسة الفتح التي أسستها جمعية العلماء عام 1944 م ترقى بعد ذلك إلى منصب مستشار تربوي، ثم رقي إلى منصب مفتش اللغة العربية، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن توفي في عام 1973م عن عمر أربعين سنة ! - ويمكننا أن نصنف المجالات الأدبية التي كان له فيها نشاط على النحو التالي: