وصفت إحدى الصحف اللقاء بين الأفلان والأفافاس بأنه تميز ب ''مشاورات عسل''، وتلك هي الحقيقة، حيث كانت جلسة الحوار ناجحة ومثمرة بكل المقاييس، وهذا يعود أساسا إلى عوامل موضوعية، مكنت من تحقيق النتائج التي أرادها الطرفان، إلى درجة وكأن اللقاء لم يكن بين حزبين، واحد في الموالاة والآخر في المعارضة لعقود طويلة، بل بدا واضحا أن هناك إرادة سياسية قوية في بلوغ الأهداف المرجوة. لقد صنع المشهد حزبان عريقان، وهذا أمر طبيعي، من منطلق التقييم الموضوعي لمسار الحزبين والتحولات التي طرأت على الحياة السياسية وتأثيراتها على رؤى ومواقف الأحزاب التي، تملك القدرة على التكيف مع المستجدات إيجابيا، دون أن تخسر ذاتها أو تتنكر لما يشكل الجوهر بالنسبة لخصوصيتها الفكرية والسياسية. إن حزب جبهة التحرير الوطني ما انفك يؤكد بالملموس بأنه قد طلق الواحدية طلاقا بائنا لا رجعة فيه وأنه قوة جامعة، وهذا ما يتجلى في انفتاحه على المحيط السياسي العام وفي مواقفه المتسمة بمراعاة المصلحة الوطنية أولا، وفي استعداده الدائم للحوار مع مختلف الأحزاب، سواء كانت في الموالاة أو المعارضة، صغيرة كانت أو كبيرة، ولمناقشة كل القضايا التي من شأنها تحصين الجبهة الداخلية وتأمين البلاد ضد كل الأخطار التي تحدق بها وإيجاد الحلول للمشكلات الراهنة وكذا تعزيز الممارسة الديمقراطية، بما يضمن بناء دولة الحق والقانون. لقد كانت مواقف الأمين العام للحزب، عمار سعداني، خلال لقائه مع قيادة الأفافاس عبارة عن ''كتاب مفتوح''، كما أن بيت الأفلان كان كريما، مضيافا ومرحبا بكل الأفكار والمبادرات التي من شأنها خدمة الجزائر الموحدة والسيدة والقوية. ولم يكن من باب المجاملة أن يصف الأمين العام للحزب الأفافاس ب ''الحزب العريق'' و'' حزب الدا الحسين''، تقديرا لهذه الشخصية الوطنية والتاريخية وما تتوفر عليه من حكمة وحنكة وتجربة ورمزية، وأيضا لأن التاريخ يحفظ لهذا الزعيم مواقفه التي هي محل تقدير كبير لدى الجميع في سبيل الوحدة الوطنية والسلم والمصالحة وعدم التدخل الخارجي في الشؤون الجزائرية. إن التقارب في المواقف بين الحزبين لم يتحقق صدفة ولم يكن نتيجة تنازلات من هذا الطرف أو ذاك، بل كان تقاربا حقيقيا، ناضجا ومسؤولا، يرتكز على مجموعة من المقومات الأساسية، يمكن حصر أهمها في: أولا: إن اللقاء جمع حزبين عريقين، لهما مواقف وطنية أصيلة وثابتة، تتجلى أساسا في حرصهما على الوحدة الوطنية وأمن واستقرار البلاد. ثانيا: إن اللقاء كان مساهمة جادة في التأسيس لثقافة الحوار بين الفعاليات السياسية، مهما تعارضت في الأفكار ومهما تباينت في المواقف. ثالثا: إن اللقاء كان متميزا بنقاش جاد ومثمر، حيث تناول كل الأفكار في أجواء من الشفافية التامة والاحترام المتبادل والحرص المشترك على إنضاج أي مبادرة تهدف إلى خدمة الجزائر. رابعا: إن حرص الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني كبير على فتح قنوات الحوار وتلاقح الأفكار ودراسة أوضاع البلاد، دون حدود وبعيدا عن أي خلفيات أو أحكام مسبقة، ما عدا مسألة شرعية رئيس الجمهورية التي لا غبار عليها وهي غير قابلة للنقاش. إذن، ليس من الغرابة في شيء أن تكون المشاورات بين الأفلان والأفافاس ''عسل''، وهذا ما أكده قادة الحزبين، من خلال اتفاقهما على اللقاء مجددا في الفاتح من نوفمبر المقبل، تثمينا لإرادتهما المشتركة في توسيع دائرة الحوار والتنسيق والتشاور وإنجاح كل مبادرة، من شأنها تعزيز الممارسة الديمقراطية وتكريس الوفاق الوطني.