كان اللقاء بين وفدي الأفلان والأفافاس هاما بكل المقاييس، فهو أولا، يكتسي أهمية خاصة، من منظور أنه يجمع بين حزبين عريقين، لهما مواقف وطنية أصيلة وثابتة، تتجلى أساسا في حرصهما على الوحدة الوطنية وأمن واستقرار البلاد، وهو ثانيا، يؤسس لثقافة الحوار بين الفعاليات السياسية، سواء كانت في الموالاة أو المعارضة، مهما تعارضت في الأفكار والمواقف ومهما تباينت في البرامج والسياسات، وهو ثالثا، تناول بالنقاش الجاد والمثمر كل الأفكار، إلى درجة أن مواقف الحزبين تكاد تكون متطابقة في المسائل الجوهرية. لقد تميز اللقاء بالاحترام المتبادل والحوار المفتوح والنقاش المثمر، حيث تم طرح كل الأفكار في أجواء من الشفافية التامة، وهذا بحضور وسائل الإعلام الوطنية والدولية، سعيا إلى تبليغ مجريات اللقاء إلى الرأي العام، إذ ليس هناك ما يخفيه الحزبان، بل على العكس كان الحرص كبيرا على إشراك الشعب في النقاش وتبليغه مباشرة بمجريات الحوار. إذن، ليس غريبا ولا بدعة سياسية أن يلتقي وفد حزب جبهة التحرير الوطني، برئاسة الأمين العام عمار سعداني، مع وفد جبهة القوى الاشتراكية، بهدف التشاور والتناصح، بل الأمر الغريب يكمن في الخصومة والقطيعة وعدم اللقاء. ولعله من المفيد، في هذا السياق، التذكير بأن الأمين العام، ومنذ انتخابه على رأس الأمانة العامة للحزب، قد بادر بفتح الحوار مع كل الأحزاب السياسية، كبيرة كانت أو صغيرة، إيمانا منه بأن بلادنا تحتاج إلى أن يلتقي زعماء الأحزاب للتحاور والتشاور وتبادل الرأي. لقد كانت للأمين العام عديد اللقاءات مع رؤساء أحزاب ومسؤولي التنظيمات، ولم يكن الهدف معارضة أي طرف أو التحالف ضد أي حزب سياسي، بل إن الدافع هو أن الجزائر تحتاج إلى الحوار والنقاش حول ما يمكن الاتفاق عليه، هذا ما أكده الأمين العام للحزب خلال اللقاء بقوله إن الباب مفتوح أمام جميع الأحزاب السياسية، لكي نتحاور ونبحث فيما يمكن أن نشترك فيه، فنحن مستعدون للحوار وتلاقح الأفكار ودراسة أوضاع البلاد، ومن باب التذكير، كان الأمين العام قد بعث برسالة إلى المجاهد حسين آيت أحمد، تثمينا لنضال هذه الشخصية الوطنية التاريخية، وقد كان لتلك الرسالة، في دوافعها وأبعادها، دلالات هامة، وهذا لاعتبارات أساسية: أولا، إن مبادرة الأمين العام عمار سعداني بالكتابة إلى المجاهد والسياسي حسين آيت أحمد، ترتكز على قناعة راسخة بما يتوفر عليه هذا الرجل من حكمة وحنكة وتجربة ورمزية، وأيضا نظرا للمكانة المرموقة التي تحظى بها هذه الشخصية المحترمة لدى رئيس الجمهورية. ثانيا، إن التاريخ يحفظ لهذا الزعيم مواقفه التي هي محل تقدير كبير لدى الجزائريين، وأيضا لدى السلطات العمومية في سبيل الوحدة الوطنية والسلم والمصالحة وتماسك المجتمع وعدم التدخل الخارجي في الشؤون الجزائرية. ثالثا، إن الساحة السياسية بحاجة ماسة إلى فتح قنوات الحوار والتشاور، وفي هذا المنظور تأتي أهمية الاستفادة من نصائح وحكمة وتجربة هذا الزعيم، نظرا لما يمنحه هذا الاسم المرتبط بتاريخنا الوطني من طابع ديمقراطي لحوار الأفكار، الذي يجب أن يسود حياتنا السياسية. لقد كان اللقاء بين الأفلان والأفافاس ناجحا ومتميزا، وهذا ما أكده قادة الحزبين، من خلال تثمينهما للثقة المتبادلة ومستوى الحوار وجدية الطرح والإرادة المشتركة في توسيع دائرة الحوار والتنسيق والتشاور وإنجاح كل المبادرات الكفيلة بتعزيز الممارسة الديمقراطية وتأمين البلاد من كل الأخطار وحشد وتجنيد صفوف كل الذين يحبون وطنهم ويعملون من أجل حمايته وصون وحدته وتكريس أمنه واستقراره.